ماذا تعني المخاطر في سوق الأسهم؟ تعني عند كثيرين منا انهيار سعر السهم، لكن هذا المعنى خاطئ تماما، ذلك أن انهيار سوق الأسهم يعني الخسارة فعليا، وليس مجرد خطرها، المخاطر هي احتمال حدوث الشيء وليس حدوثه فعلا، المشكلة أن عديدا ممن يغامرون في أسواق الأسهم لا يدركون هذه الحقيقة، ولهذا فإن الاستثمار في سوق الأسهم يتحول إلى مقامرة.وفي مقال سابق كتبته توطئة لهذا المقال بعنوان "من لا يعرف المخاطر يجهل الرقابة" قلت إن التهور هو "الفشل في قياس المخاطر"، ولأن الاستثمار علم في الأساس لذلك لم يتجاهل هذا العلم موضوع المخاطر وقد خصصت لذلك كتب ومؤلفات من أجل قياس المخاطر في سوق الأسهم بل قياس المخاطر لكل سهم على حدة فيما يطلق عليه "بيتا"، وحساب "بيتا" له معادلات واضحة، وهناك برامج تقوم بحسابه، لكن هذا المقال ليس لشرح مفهوم "بيتا"، بل لتأكيد أن كثيرين ممن يخسرون في سوق الأسهم لم يدركوا مفهوم المخاطر ابتداء، والأخطر هو الادعاء بذلك بقول إن سوق الأسهم السعودية لا تخضع لهذه المقاييس.أي استثمار مهما كان شكله ونوعه وحجمه وفي أي مجال يخضع لقوانين المخاطر، وكي تنجح لا بد أن تراعي هذه القوانين وآليات التعامل معها، أول هذه القوانين، أن المخاطر لازمة لكل هدف، هذا القانون بسيط جدا ومهم للغاية، إنه يشبه قانون الجذب عند نيوتن، فكل كتلتين تتجاذبان بقوة تتناسب معهما طرديا، وكل هدف يجذب مخاطر تتصاعد بزيادة حجم ذلك الهدف، لذلك لا بد من فهم هدفك من الاستثمار، ولا شك أن الأغلبية سيقولون إن ذلك معروف فمن دخل سوقا فهو يبتغي منها ربحا، لكن مع ذلك فإن الربح يختلف كما ونوعا حسب ما لدى الإنسان من رأسمال، لذلك حدد هدفك الربحي برقم ومدة، فهذا مهم لمعرفة حجم المخاطر التي يمكن لهذا الهدف أن يجذبها في السوق.وكمثال قد يكون للشخص هدف الوصول إلى عائد شهري يعادل 10 في المائة من رأسماله، هنا لا بد من فهم القانون الثاني من قوانين المخاطر وهو: أن حجم كل خطر هو نتيجة حجم تأثيره واحتمال حدوثه، ففي مثال الفوز بعائد 10 في المائة في سوق الأسهم شهريا، فإن أحد المخاطر التي تدور في فلكه هو احتمال فشل الشركات في تحقيق توزيعات نقدية تعادل 10 في المائة من قيمة السهم، هنا نجد أن احتمال حدوث هذا الخطر مؤكد، أي فعليا لا توجد شركة تدفع توزيعات نقدية شهرية تعادل 10 في المائة من قيمة السهم، بل لا توجد شركات في مجموعها تحقق هذا الهدف للمساهمين، وتأثير هذا الخطر في المستثمر كبير، فلو أمضى عامه كاملا يبحث عن شركة تحقق له هذا الهدف لن يتحقق، وسيمضي الشهر تلو الشهر وهو لم يحقق شيئا، فالبعض يريد أن يحقق هذا الهدف من خلال الارتفاع في سعر السهم، وبذلك يدخل في سهم صاعد راقبه خلال أيام أو يتوقع صعوده وينتظر حتى يحقق له عائده المطلوب، وهنا أيضا توجد مخاطر عدم صعود السهم بل تراجعه ولذلك لا بد من فهم القانون الثالث من قوانين المخاطر، وهي الإجراءات الرقابية.لكل خطر إجراء رقابي، وهذا الإجراء إما كاشفا للخطر قبل حدوثه، وإما أنه يمنع تأثيره إن حدث، وفي المثال السابق فإن تغيير الاستراتيجية نحو المضاربة بدلا من الاستثمار لتحقيق هدف 10 في المائة شهريا، يتطلب تحديد المخاطر التي يمكن أن تواجه الهدف في ظل هذه المساحة من العمل، فقد يتراجع سعر السهم بدلا من صعوده، هنا لا بد من تطوير إجراء رقابي مثل متابعة قيمة "بيتا"، أو معرفة التحليل الفني للسهم قبل الدخول فيه، هذا الإجراء أو غيره يحقق لك ميزة اكتشاف الخطر قبل وقوعه، لكنها غير كافية إذ لا بد من توفير إجراء يمنع تأثير الخطر فيما لو وقع، مثل شرط إيقاف الخسارة، من المخاطر أيضا وجود أخبار سيئة عن الشركة.هنا لا بد لك من متابعة أخبار الشركات قبل الدخول في السهم، كما أن من المخاطر أيضا ال****** التي يتم نشرها في بيئة السوق المحيطة، كل هذه تتطلب منك متابعة دقيقة كي تكشف حدوث تراجع في السهم، ومن الإجراءات الضرورية أيضا تنويع المحفظة الاستثمارية من أجل منع تأثير خسارة سهم معين، وإعادة تشكيل هذه المحفظة حسب تطورات السوق والقطاعات.إذ كنت قد وصلت إلى هذه المساحة من المقال ستدرك معي أن المضاربة في الأسهم علم، ولها أصولها، وهي نوع من أنواع الأنشطة الاقتصادية التي تتطلب منك دراية وصبرا ومتابعة، وتحليل وتعديل الاستراتيجيات، كل ذلك من أجل تحديد أشكال المخاطر المحيطة بك وأفضل الأساليب لمنع تأثيرها، لذلك فإن الدخول إلى هذه الأسواق بينما أنت منشغل تماما بقضايا أخرى يعرضك للمشكلات النفسية ويعرض رأسمالك للتآكل بشكل مستمر، ذلك أن متابعة احتمالية كل خطر وحجم تأثيره وتطوير إجراء رقابي له وتجديد شكل المحفظة بالالتزام بهذه الشروط جميعها عمل صعب على كل حال، والقول بتجاهل ذلك باعتقاد أن سوق الأسهم ليست أكثر من مجرد محفظة ل**** السهم وبيعه في منتصف اليوم، مثل هذه الفلسفة الخالية من قوانين المخاطر هي المقامرة بالفشل.
مواقع النشر (المفضلة)