ما هي الشركات الأفضل في سوق الأسهم السعودي؟ وأيها يستحق أن أستثمر فيه أموالي التي لم أجنها إلا بشق الأنفس؟ وما الشركة التي ستكون قادرة أكثر من غيرها على الصمود في وجه تقلبات الزمن؟ هذه عينة من الأسئلة التي يطرحها كثير من المستثمرين في سوق الأسهم يوميًا على أنفسهم، في إطار سعيهم الحثيث لاختيار الأفضل من بين أكثر من 200 شركة يتم تداول أسهمها اليوم في السوق.أثناء محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة، تبرز معايير ومقاييس يحاول الناس على أساسها المفاضلة بين الأسهم المتاحة في السوق، من بينها على سبيل المثال، الإيرادات وصافي الأرباح وحجم التوزيعات ومكرر الربحية ومضاعف القيمة الدفترية والحركة السعرية للسهم، ولكن قلة قليلة جدًا هي من تولي الاهتمام بأحد أهم عناصر تقييم الشركات إن لم يكن أهمها على الإطلاق، وهو كفاءة إدارة الشركة.خطايا إدارات أضاعت شركات ودمرت ثرواتفي سوق الأسهم يا سادة لا يوجد ما يمكنه أن يؤثر على نجاح أو فشل الشركة أكثر من أداء إدارتها التنفيذية، الإدارة التي تتمتع بالكفاءة وقبل ذلك الضمير بإمكانها وضع شركة متوسطة بموارد محدودة على القمة في مجالها، وتحقيق ثروة هائلة للمساهمين، هؤلاء يتعاملون مع الشركة ويهتمون لأمرها كما لو أنهم أصحابها، وليس مجرد أيد عاملة مأجورة لا تبالي إذا ما غرقت السفينة أو انهار المعبد فوق رؤوس أصحابه.سوق ضخم وقديم مثل سوق الأسهم السعودي، لا يفتقر بالتأكيد لقصص شركات غرقت أو خسرت جزءًا كبيرًا من قيمتها السوقية لا لشيء إلا بسبب سوء الإدارة، وبعضكم ربما يحفظ تلك القصص عن ظهر قلب ويتذكرها كأنه يراها أمامه الآن رأي ا****، ورغم ذلك قد يكون من الأفضل عدم نكأ جروح ربما لم تندمل بعد، ولكن هذا لا يمنع من التذكرة بحادثة شبيهة وقعت في سوق الأسهم الأمريكي.قبل ما يقرب من 41 عامًا، وتحديدًا في عام 1980 نشرت مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" مقالًا أشارت فيه إلى أن "بنك أوف أمريكا" هو أكبر بنك في العالم، حيث يمتلك 1100 فرع ويعمل في أكثر من 100 بلد مع إجمالي أصول يقدر بنحو 100 مليار دولار، ويرى العديد من المراقبين أن الإنجاز الذي لا يقل أهمية عما سبق هو جودة إدارة البنك".في ذات العام، تولّى إدارة البنك الأمريكي مدير تنفيذي جديد يدعى "صموئيل أرماكوست"، وتمكن الرجل خلال ثماني سنوات فقط من تدمير البنك الذي كان يعتبر إحدى أنجح المؤسسات المالية في العالم، قبل أن يدفعه نحو تحقيق أكبر خسائر في تاريخ قطاع البنوك الأمريكية، وهي الخسائر التي أثرت على سوق الأسهم وكذلك على الدولار الأمريكي، وتسببت في خسارة البنك لأكثر من 80% من قيمته السوقية، وتبديد ثروة المساهمين في لمح البصر.عينك على المرتبات والمكافآت!رغم كونها عنصرًا مهمًا وحرجًا في تقييم الشركة، إلا أن أكثر المستثمرين لا يحاولون للأسف التحقق من جودة وكفاءة الفرق الإدارية للشركات التي يفكرون في وضع أموالهم فيها، وعذرهم في ذلك هو أنه ليس باستطاعتهم تقييم الإدارة دون مقابلتها وجه لوجه، ولكن من قال أصلًا إنك يجب أن تقابل الإدارة لتتمكن من تقييمها؟ أنت بالتأكيد لست بحاجة للوقوف أمام المدير التنفيذي ودفعه للحلف مثلًا بعبارة: "والله والله لن نقوم بأي ضرر للشركة".بفضل الثورة المعلوماتية التي صاحبت ظهور الإنترنت، أصبح من الصعب اليوم أن يكون هناك مدير تنفيذي يدير شركة عامة مدرجة بالسوق لا توجد عنه معلومات وأدلة موضوعية كثيرة متاحة للاطلاع، بفضل تلك الوفرة المعلوماتية أصبح بإمكان أي مستثمر مهما كانت خبرته تقييم الفريق الإداري لأي شركة، وذلك من خلال الفحص والتدقيق في ثلاثة عناصر: الأول هو بند التعويضات والمكافآت والثاني هو الشخصية والثالث هو الكفاءة الإدارية.لنبدأ بالتعويضات بما أنها أسهل عنصر يمكن العثور عليه وتقييمه من خلال النظر إلى بيان الوكالة أو (Proxy statement). بيان الوكالة هو عبارة عن نموذج ترسله الشركات إلى مساهميها في وقت قريب من الاجتماع السنوي للجمعية العمومية، وهو يوضح بالتفصيل المبالغ التي يتقاضاها مديرو الشركة التنفيذيون وطبيعة الامتيازات التي يحصلون عليها.أول ما يجب أن يلفت انتباهك هو حجم وهيكل ما تمنحه الإدارة لنفسها من رواتب ومكافآت، بشكل عام، يفضل كثير من المحللين المكافآت الكبيرة المرتبطة بالأداء بدلًا من الرواتب الأساسية الكبيرة التي سيحصل عليها المدراء بغض النظر عن مدى سوء أو جودة أداء الشركة، لأن الأولى تجعل الإدارة أكثر حرصًا على تحقيق الشركة لنتائج جيدة.هذا بالنسبة لهيكل الرواتب، أما بالنسبة للحجم، نلاحظ أنه بشكل عام كلما كان الأداء المالي للشركة أفضل وكلما كان حجمها أكبر، أصبح من المنطقي أن يتقاضى مدراؤها التنفيذيون أجورًا كبيرة، لكن في الوقت نفسه، تجد أن بعض المديرين التنفيذيين الذين يديرون شركات ضخمة يتعاملون مع أموال الشركة كما لو أنهم ورثوها عن آبائهم، ويمنحون أنفسهم رواتب ضخمة بغض النظر عن ضعف كفاءتهم أو سوء أدائهم.من هنا تبرز أهمية الربط بين الرواتب والمكافآت من جهة، وبين الأداء التشغيلي للشركة من جهة أخرى، في العديد من الشركات يتم وضع ما تسمى بـ"أهداف الأداء" من قبل لجنة فرعية في مجلس الإدارة، لكي تحفز المدراء التنفيذيين على تقديم أفضل ما لديهم في قيادة الشركة، مما يدعم نجاحها تجاريًا ويعزز من ثروة المساهمين.حين تحاول تحديد ما إذا كان ما يحصل عليه مديرو الشركة التنفيذيون من رواتب ومكافآت مناسبًا أو مبالغًا فيه، قد يكون من المفيد أن تلقي نظرة على هيكل الرواتب والمكافآت الخاص بالإدارات التنفيذية بالشركات المنافسة العاملة بنفس المجال.خلاصة القول في هذه النقطة هو أن رواتب التنفيذيين يجب أن ترتفع وتنخفض بناء على أداء الشركة، والشركات القوية التي تتمتع بمستويات معقولة من الحوكمة، لن تتردد في دفع رواتب ومكافآت أقل للتنفيذيين لديها في حال ساءات نتائج الشركة، أو في دفع رواتب أعلى لهم إذا حققت نتائج جيدة، هذا هو النمط الذي يخدم مصلحتك كمساهم.ولكن قبل أن ننتقل إلى ****صر الثاني من المهم أن نشير إلى ضرورة التأكد من عدم حصول المدراء التنفيذيين على امتيازات مبالغ فيها تدفع حسابها الشركة في حين أنهم من يجب أن يتحمل تكاليفها بأنفسهم، هذه الممارسة إلى جانب أنها غير عادلة وترسل رسالة سيئة لموظفي الشركة، فهي قبل ذلك إهدار لأموال المساهمين الذين يملكون هذه الشركة.
يتبع
مواقع النشر (المفضلة)