الحوكمـة و انهيار شركة إنرون الأمريكية
جاء في تعريف الحوكمة Governance من الموقع الرسمي “لمؤسسة التمويل الدولية IFC ” بأن حوكمة الشركات: هي الأسس والعمليات التي يتم من خلالها توجيه الشركات وتحقيق الرقابة والتحكم فيها. تساعد الحوكمة الجيدة للشركات على العمل بشكل أكثر كفاءة، وتحسين الوصول إلى رأس المال، وتخفيف المخاطر، والحماية من سوء الإدارة. فهو يجعل الشركات أكثر شفافية وخضوعا للمساءلة أمام المستثمرين ويمنحهم الأدوات اللازمة للاستجابة لمخاوف أصحاب المصلحة.
غياب الحوكمة الفعالة في شركة إنرون أحد الأسباب التي أدت إلى أكبر إفلاس على مستوى الولايات المتحدة. ولمن لا يعلم فإن إنرون تأسست في عام 1986م في مجال الغاز والطاقة حيث شهدت ارتفاع مذهل في القيمة السوقية خلال 15 عاما لتصل إلى نحو 100 مليار دولار أمريكي.ثم انهارت في عام 2001 م حيث تم إلقاء أكثر من 20 ألف موظف إلى الشارع مع فقدان الآلاف من المستثمرين مدخراتهم وأموالهم ومحاكمة وسجن بعض كبار المدراء و ملاحقة البقية قانونيا.
حينها شهدت هبوط أسهمها من 90 دولار إلى مستويات الصفر دولار في غضون أشهر
بسبب التحريف والتضليل في البيانات المحاسبية. وبالتالي غياب الحوكمة أدى إلى عدم الإمساك واكتشاف هذه الممارسات غير السوية.لم تفصل إنرون بين دور الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة حيث كانت المهام الإدارية المزدوجة قائمة، ولم تحمل الشركة ذاك التنوع في الإدارة حيث تشغر امرأة واحدة فقط من أصل 17 مقعد في مجلس الإدارة. مع تورط أطراف ذوي علاقة في صفقات الشركة حيث أنهم من المط**** على السياسة والصناعة الذين لم يتصرفوا لصالح الشركة.بل قرر مجلس الإدارة في مغامرة جريئة ومتهورة تعليق العمل بسياسة قواعد السلوك وذلك لتمرير قرار غير صائب يتمثل بتمكين المدير المالي ” أندرو فاستو” من العمل كشريك عام للشركات التي تم تأسيسها حديثا.بل امتد تلاعبها عبر الأدوات المحاسبية، على سبيل المثال، قد تتجه الشركات إلى التبكير بالإيرادات أو تأجيل دفع المصروفات لتضخيم الأرباح كأرقام على الورق، بينما البعض قد تؤجل استلام الإيرادات أو تحصيل المبالغ المستحقة لصالحها أو تسريع النفقات لتوليد ربح أقل وبالتالي يترتب عليها فاتورة ضريبية أو رسوم ونحوه أقل. أيضا توجد أداة تقييم الأصول الخاصة بالشركة حيث إن تخفيضها تعكس قيمة دفترية أقل وهذا ما نجده في بعض الشركات العقارية في سوق الأسهم السعودي حيث يتم تقييم أصولها من العقار بالأسعار القديمة بينما سيتم توجيهها إلى استخدام نموذج القيمة العادلة أو إعادة التقييم وبالتالي احتساب أصولها العقارية بالأسعار العادلة (الحالية) وهذا من شأنه أن يقفز بالقيمة الدفترية للشركة.
نحن نتفق أنها ممارسات غير صائبة لكن يمكن للشركات ممارستها وفق النظم المحاسبية.في هذه الجانب، إنرون استغلت أداة تقييم السوق لصالحها بما في ذلك تقنية تُعرف باسم “محاسبة السوق “لإخفاء المشاكل وتلميع الموقف المالي للشركة، حيث اشتمل على تقدير أرباح ثم حجز تلك الأرباح على أنها أرباح “فعلية” قبل الأرباح الواقعية التي تم تحقيقها بالفعل.
غياب الحوكمة وصل بالشركة إلى العبث بأدوات إدارة المخاطر، على سبيل المثال تستخدم العديد من شركات الطيران سوق العقود الآجلة “لتثبيت” أسعار الوقود في وقت مبكر حتى يكون لديها القدرة على التنبؤ بالتكاليف وهذه ممارسة مهنية للغاية لإدارة المخاطر.بينما كانت إنرون تتداول أيضًا في العقود الآجلة، لكنها كانت تحاول القيام بذلك من أجل الربح بالإضافة إلى إدارة المخاطر وهذا العبث بعينه.وبالاستعانة بورقة بحثية ” العوامل المسببة لانهيار إنرون – التحقيق في حوكمة الشركات وثقافة الشركة” للباحث Nguyen Huu Cuong
جاء فيها أن واحدة من أهم الآليات في الحوكمة للشركة هي المراجعة الداخلية والتي بدلا من إنشاء طريقة وظيفية مهنية للتدقيق الداخلي كانت حينها لا تعمل بالشكل الصحيح. بل أن المراجع الخارجي وافق إدارة إنرون في تطبيق محاسبة مشكوك فيها و احتيالية لإعداد التقارير المالية.غياب الدور الفعال للحوكمة وما ينبثق منها من آليات المساءلة وقواعد السلوك والأخلاقيات وسياسة الإبلاغ عن المخالفات أدت إلى إدارة جشعة ضخمت من مصالحها الشخصية فوق المصلحة العامة للمنظمة والمساهمين. وبالتالي، مزيج من كل هذه العوامل الفاسدة دون حوكمة تردعها أدت إلى هذا الإفلاس.
الحوكمـة و انهيار شركة إنرون الأمريكية - صحيفة مال (maaal.com)
مواقع النشر (المفضلة)