من المرجح أن يؤدي نقص الاستثمار المزمن في إمدادات النفط الجديدة والضغط على شركات النفط والغاز إلى دفع أو زيادة ذروة إنتاج النفط العالمي في وقت أبكر مما كان متوقعا في السابق. وسيكون هذا تطورا مرحبا به من الجوانب كافة، لولا حقيقة واحدة بسيطة: الطلب على النفط ينتعش من الركود الناجم عن الوباء وسيصل في العام المقبل إلى متوسط سنوي قياسي جديد.قبل بضعة أعوام فقط، دفع تحول الطاقة المحللين إلى توقع حدوث ذروة الطلب على النفط في وقت أبكر مما كان متوقعا. لكن مع استمرار اتجاهات الاستثمار الحالية في النفط والغاز، يمكن أن يبلغ معروض النفط العالمي ذروته في وقت أقرب من الطلب العالمي، ما يفتح فجوة في العرض تؤدي إلى زيادة التقلبات في أسواق النفط، مع ارتفاع الأسعار، وربما سيكون هذا الارتفاع هيكليا بحلول منتصف هذا العقد وما بعده. في هذا الجانب، قال قسم الأبحاث في "مورجان ستانلي": "وفقا للاتجاهات الحالية، من المرجح أن يبلغ المعروض النفطي العالمي ذروته حتى قبل الطلب". وأضاف "العالم يضع حدودا على كمية الكربون التي يمكن أن تنبعث بأمان. لذلك، يجب أن يصل استهلاك النفط إلى الذروة.لكن، مشكلة العالم هي أن استهلاك النفط لم يبلغ ذروته بعد، رغم ضغط المستثمرين والسياسات الحكومية. كما أنه لن يبلغ ذروته حتى نهاية هذا العقد على أقرب تقدير، وفقا لمعظم التقديرات. من جانبها، تتوقع "أوبك" أن يستمر الطلب العالمي على النفط في النمو حتى منتصف عام 2030 ليصل إلى 108 ملايين برميل يوميا، وبعد ذلك من المقرر أن يستقر حتى عام 2045، وفقا لآخر توقعات المنظمة السنوية. يتوقع بعض المحللين الآخرين ذروة الطلب في وقت ما في أواخر هذا العقد.ومع ذلك، فإن الاستثمار في المعروض الجديد متخلف بشدة عن نمو الطلب العالمي على النفط. بالفعل، بدأ الطلب ينمو مرة أخرى، على عكس بعض التوقعات من أوائل عام 2020 أن استهلاك العالم من النفط لن يعود أبدا إلى مستويات ما قبل الجائحة. إلا أن الطلب في الوقت الحالي على بعد بضعة أشهر فقط من بلوغ تلك المستويات وتجاوزها.من ناحية أخرى، يبدو العرض خارج مجموعة "أوبك +" محدودا. في العام الماضي، تراجع الاستثمار العالمي في مشاريع المنبع الجديدة إلى أدنى مستوى له في 15 عاما إلى 350 مليار دولار، وفقا لتقديرات "وود ماكنزي". ليس من المتوقع أن يرتفع الاستثمار هذا العام، رغم تجاوز أسعار النفط حاجز الـ 80 دولارا للبرميل. وذلك لأن الشركات الكبرى تلتزم بالانضباط الرأسمالي وتتعهد بأهداف انبعاثات صافية صفرية، ويخطط البعض منها تحقيق ذلك عن طريق كبح الاستثمار في مشاريع نفطية جديدة غير أساسية قليلة الربحية. من جانبها، لا تتسرع شركات النفط الصخري هذه المرة في زيادة عمليات الحفر، حيث يتطلع المنتجون الأمريكيون أخيرا إلى مكافأة المساهمين بعد أعوام من ضخ التدفقات النقدية في التنقيب وزيادة نمو الإنتاج.بالنظر إلى أن الطلب على النفط سيستمر في النمو، على الأقل حتى نهاية هذا العقد، فإن نقص الاستثمار في المعروض الجديد سيكون مشكلة رئيسة على المديين المتوسط والطويل. ورغم تحول الطاقة، لن يتلاشى الطلب، وستكون هناك حاجة إلى إمدادات جديدة لأعوام مقبلة لتحل محل انخفاض الإنتاج والاحتياطيات. بالفعل، ستحتاج صناعة النفط إلى استثمارات ضخمة على مدار الـ 25 عاما المقبلة من أجل تلبية الطلب. وفقا لـ "أوبك": الصناعة ستحتاج إلى استثمارات تراكمية طويلة الأجل في مجالات التنقيب، الإنتاج والتكرير، بقيمة 11.8 تريليون دولار بحلول عام 2045.في هذا الجانب، قال الرئيس التنفيذي لشركة TotalEnergies الفرنسية: إن أسعار النفط سترتفع بصورة كبيرة بحلول عام 2030 إذا أوقفت الصناعة الاستثمارات في الإمدادات الجديدة، كما يشير بعض سيناريوهات صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. "إذا توقفنا عن الاستثمار سنترك كل هذه الموارد في الأرض.. ثم يرتفع السعر إلى مستويات قياسية". وأضاف الرئيس التنفيذي "حتى في الدول المتقدمة، ستكون مشكلة كبيرة". من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو لـ "بلومبيرج": إن طاقات الإنتاج الاحتياطية تنخفض بسرعة، وإن الشركات بحاجة إلى زيادة الاستثمار في الإنتاج. وقال: إن ذلك يمثل "مصدر قلق كبير" مضيفا أنه "إذا حدث انتعاش في مجال الطيران العام المقبل، فسيتم استنفاد هذه القدرة الفائضة" مؤكدا أن "الأمر وصل الآن إلى وضع العرض المحدود، وكل ما تبقى من كميات احتياطية ينخفض بسرعة".لذلك 100 دولار للبرميل لم يعد توقعا مستحيلا كما كان في أوائل عام 2020. على سبيل المثال، يتوقع بنك أوف أمريكا أن يصل سعر النفط إلى 100 دولار بحلول أيلول (سبتمبر) 2022، أو حتى قبل ذلك إذا كان هذا الشتاء أكثر برودة مما كان متوقعا. بالفعل، الطلب يعاود النمو، في حين شهدنا نقصا حادا في الاستثمار في العرض خلال الـ 18 شهرا الماضية. مع ذلك من غير المرجح أن تظل أسعار النفط لفترة طويلة حول 100 دولار للبرميل، إلا أن نقص الاستثمار أصبح مشكلة مزمنة للصناعة.حتى إذا لم يظل النفط عند مستوى 100 دولار للبرميل، إلا أن أزمة الإمدادات المقبلة ستؤدي مع ذلك إلى تحريك الأرضية تحت أسعار النفط للأعلى وتؤدي إلى ارتفاعات غير مستدامة في الأسعار. بعد عام 2022 من المرجح أن تظل أسعار النفط أعلى من الناحية الهيكلية حيث سيستمر الطلب على النفط في الارتفاع، بينما يتخلف العرض الجديد عن مواكبة نمو الاستهلاك، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى خمسة أعوام من نقص الاستثمار والضغط على شركات النفط الكبرى لخفض الاستثمارات في العرض الجديد. لكن، بقدر ما يريد نشطاء المناخ وقف الاستثمار في العرض الجديد، إلا أن الصناعة والعالم لا يستطيعان تحمل ذلك لأن الطلب على النفط مستمر في النمو.
مواقع النشر (المفضلة)