قال لي أحد الشباب وهو يضحك: كان أبي مسترخياً تحت ظلال الأشجار في مزرعة لنا صغيرة، وأعرف أن عنده أسهم عوائد أكل عليها الدهر وشرب ما يحركها ولا يبيع ولا يغير مراكز ولو زُلزتْ الأرض زلزالها، وأعلنت ثلاث من شركاته توزيعات جيدة فطرت إليه فرحان لأخبره وأسعده، علّمته فلم يُحرّك ساكنًا ولم يطرف له جفن ولم يُبد أي اهتمام كأنه لم يسمعني كأني أُكلّم الجدار، ظل ساكنًا ساكتًا كأنه، حفظه الله، أبو الهول، فخفت أنه مُصاب بالاكتئاب، اكتئاب الشيخوخة، أعدت عليه قراءة أخبار التوزيع الزين الذي يشرح الصدر ولم يتحرك أنملة أو تتغير أساريره أو يقول كلمة، سمّيت عليه ودعوت له بالشفاء بيني وبين نفسي فقد ر***ي أمره وأنه بدون أي ردة فعل مما قوّى ظني أنه مُصاب بالاكتئاب التخشُّبي ضربه بعصاه المخيفة وجثم على صدره بِرحاه الثقيلة فلا يستطيع حراكاً ولا يجد منه فكاكاً، سميت عليه، وفكرت أي طبيب أذهب به إليه، وفجأة سمعنا من الحوش القريب صرخة العامل:
(إنتا! يا بابا! عنز إنتا يجيب عنز صغير!) مجرد ما سمع أبي الخبر قفز بفرح قوي ونشاط هائل أقوى من أي شاب وتهلل وجهه وردد: ما شاء الله.. ما شاء الله..
وذهب مسرعاً إلى العامل في الحوش مسرورًا وعاد بعد قليل محبوراً فأخذتني الدهشة والعجب وقلت له: أبشرك وأنا ولدك طال عمرك بعشرات الألوف تدخل حسابك ولا تفرح أو حتى ترد ويبشرك العامل بولادة عنز فتطير من الفرح؟!
نظر إلي وقال يا ولدي أسهمي ما عليك منها! عارف أنها توزع ! ما أنا مثلك أشتري في الخشاش! وعنزي ما أدري عنها تجي بتيس ما أبيه أو بعناق من (ها ****ز الأصيلة)!
بان على وجهي الاستغراب فحدّق في وهو لا يزال نشوان محتفلاً بعيد ميلاد ****اق وقال:
(انتبه لنفسك أنت وخشاشك ترى من غاب عن عنزه جابت تيس)!
مواقع النشر (المفضلة)