"أوكازيون".. ربما هذه هي أكثر الكلمات جاذبية وإقناعاً للزبون في أي إعلان. تخيل أنك في السوبرماركت وبينما تمشي بين ممراته لشراء حاجاتك الأسبوعية من البقالة لاحظت أن القهوة من النوع الذي تفضله معروضة للبيع بـ20 ريالاً للكيلو بدلاً من 35 ريالاً كما هو المعتاد.
ماذا ستفعل حينها؟ أنت في الحقيقة ربما تقوم بملء عربة التسوق الخاصة بك بكمية كبيرة من هذه القهوة. ولكن عندما تعود في الأسبوع القادم وترى أن سعر نفس النوع من القهوة أصبح 40 ريالاً للكيلو، فأنت غالباً ستحجم عن الشراء، وقد يكون شراء الشاي مثلاً في هذه الحالة خيارًا أكثر ذكاءً.
ذه هي الطريقة التي يتسوق بها معظم الناس. فهم يبحثون طوال الوقت عن الخصومات المتاحة على أي شيء يريدونه أو يحتاجونه. فقد ينتظرون مثلاً نزول خصم على غسالة الصحون أو الثلاجة التي يريدون اقتناءها، وفي نفس الوقت تراهم يجوبون المولات والمراكز التجارية الكبيرة بحثاً عن العروض التي يتم تقديمها عدة مرات فقط خلال العام.
فالمستهلكون يقومون طوال الوقت بعمل مقارنة في أدمغتهم بين السعر الذي يدفعونه والقيمة التي يحصلون عليها. ولهذا عندما تنخفض الأسعار يشترون المزيد من الأشياء التي يحتاجونها.
وهذا ينطبق على كل مناحي الحياة إلا سوق الأسهم! ففي هذا السوق يميل المستثمرون بشكل غريب إلى شراء الأسهم الغالية أو الساخنة، تلك التي يتحدث عنها الجميع سواء في الأحاديث الخاصة أو في وسائل الإعلام. وغالباً ما تتمحور الرسائل المنتشرة في السوق حول هذه الأسهم حول فكرة مفادها أن المستقبل لهذه الأسهم وأنها فرصة لا تعوض.
الخسارة وعقلية القطيع
المثير للاهتمام حقيقة هو أن هذا الفخ لا يقع فيه المستثمر العادي أو المتوسط فقط، بل تقع فيه أيضاً شركات البحوث وبيوت الخبرة. فبمجرد أن يشهد السوق موجة صعودية تبدأ التقارير الصادرة عن تلك الشركات في الصراخ بشكل جماعي: شراء شراء شراء. وعندما تتراجع الأسعار تعود نفس التقارير لتنصح المستثمرين بالاحتفاظ بالسهم، وهي طريقة مهذبة للنصح بالبيع.
وهكذا أصبح الجميع يشتري أسهما أسعارها مرتفعة ويبيع الأسهم ذات الأسعار المنخفضة. وفي الحقيقة يوجد هناك أكثر من سبب لهذا السلوك الغريب:
أولاً، يخاف المستثمرون من تفويت ما يُعتقد أنها فرصة رائعة، ولهذا ينجذبون للأسهم الساخنة أو ذات الشعبية التي يتحدث عنها الجميع. وفي نفس الوقت يشعرون بشيء من الراحة حين يعرفون أن هناك الكثير من الناس قد اتخذوا نفس الخيارات، تماماً مثل المشجعين الذين يهتفون لنفس الفريق.
وحتى لو انخفضت أسعار هذه الأسهم بعد شرائها، فغالباً سيتراجع شعور المستثمر بألم الخسارة لأن الكثير من أقرانه الذين اتخذوا نفس خياراته ستتراجع قيمة محافظهم أيضاً. فالكثير من المستثمرين بإمكانهم التصالح والتعايش مع فكرة الخسارة ما دام أن الجميع يخسر أيضاً.
ثانياً، أغلب المستثمرين لا يمتلكون الثقافة ولا رباطة الجأش اللازمة للتعامل مع هبوط السوق. فالمستثمرون سواء كانوا أفرادا أو محترفين يشعرون بخيبة الأمل عندما تتراجع الأسعار ويسيطر عليهم الخوف والتشاؤم لدرجة تحول دون اقتناصهم لأسهم انخفض سعرها لما دون قيمتها الجوهرية بفارق مريح.
ربما سيكون المستثمر أفضل حالاً لو تعامل مع سوق الأسهم كما يتعامل مع السوبرماركت. فالمنطق الكامن وراء شرائك للقهوة ينبغي أن يكون هو نفسه الكامن وراء شرائك للسهم. فأفضل وقت لشراء السهم عندما يكون معروضا بخصم كبير وليس عندما يكون سعره مرتفعاً بسبب إقبال الجميع عليه.
القيمة مقابل النمو
لطالما كانت الأسهم الساخنة (أو أسهم النمو كما يطلق عليها في السوق) أكثر أشكال الاستثمار إثارة للاهتمام. ولكن هل هي الأكثر ربحية؟ عندما يستثمر الناس في أسهم النمو فإنهم بشكل أساسي يتوقعون نمو الشركة بوتيرة أسرع من بقية السوق.
مشكلة الأسهم الساخنة أو ذات الشعبية هي أن إقبال وتدافع المستثمرين عليها يصل بأسعارها إلى مستويات غير مستدامة ومبالغ فيها. وعندما تنخفض معدلات نمو الشركة تتضرر محفظة المستثمر بشكل كبير. ففي النهاية لا شيء ينمو بمعدلات عالية للأبد.
مواقع النشر (المفضلة)