أورد أحد المتكلفين على نفسه هذا الاعتراض ، ثم أردفه بالجواب .............. (
اللون الأزرق كلامه ) :
وقد يقول قائل: إن الآية وردت في سياق حديث الآخرة، وليست حكاية عن أحوال الدنيا؟
فيجاب بأن هذا القول بعيد ................................... ثم قال :
ا
ختلاف الصيغة عن سابقاتها في التعبير، فهناك قال سبحانه: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} النمل: 87، بالبناء للمجهول، وهنا وردت العبارة بلفظ الخطاب، ولو كان الحديث عن الآخرة لجاء التعبير (وتُرى الجبالُ) بالبناء للمجهول، على النسق السابق، أي تُرى في ذلك اليوم الجبالُ، برفع الجبال لا بنصبها، لأنه يصبح خبراً لا خطاباً، فهذه المغايرة تدل على أن الأمر هنا في الدنيا.
هؤلاء اعتقدوا صحة النظرية ثم ذهبوا ليستدلوا فلا عجب أن ترى منهم مثل هذا التكلف ، وهم في غنية عن مثل هذا التكلف لو قالوا أن الآية تحتمل !
أئمة التفسير كانوا أئمة في العربية وأساليبها قبل التفسير، ولن يُقبل من أحدهم التفسير في تلك الأزمنة لو كان ي*** العربية .
فلم يستشكل أحدٌ منهم هذه الآية بمثل هذا الاشكال !! ثم يأتي هذا ويزري بهم وكأنهم ***ة لا يفهمون أساليب العرب ولا أساليب القرآن ! وكذلك الصحابة رضي الله عنهم،
بل أبلغ من هذا حتى مشركي قريش ومشركي العرب لم يتخذوا هذه الآية مطعنًا في القرآن، وذلك لأنهم فهموا الأسلوب، وما كانوا يعلمون عن مسألة دوران الأرض شيئًا مما يدل على أن هذه لغتهم وأسلوبهم !
ثم يأتي هذا المتكلف ويقول لو أراد كذا لقال كذا، ملغيًا لهذا الأسلوب من كلام العرب !!!
هذا الأسلوب أسلوب قرآني عجيب فينقلك دون أن تشعر من خلال التنويع، وله أمثلة في القرآن ، في خبر الماضي وفي خبر المستقبل ، ففي الماضي:
قال سبحانه بعد أن قص خبر الفتية ( وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا
ومعلوم أن كل من يقرأ القرآن من البشر ويستمع له ، لم يكن موجودًا في زمن الفتية !
أما في المستقبل فإليك الآيات في نفس المعنى الذي تكلف فيه هذا المتكلف :
يَوْمَ
تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)
وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ .
فغاير في الصيغة ، ثم نص على أن هذه الرؤية ستكون في ذلك اليوم ، فلم يقل سبحانه (
ويُرى المجرمون )
قال تعالى :
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ
نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ..... إلى أن قال سبحانه :
وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)
فغاير في الصيغة ، ومعلوم أن هذا خبر سيكون في المستقبل ، فلم يقل سبحانه :
ويُرى الملائكة !
وعلى هذا فلو قيل أن المعنى وترى الجبال في ذلك اليوم تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب، لم يكن المعنى بعيد كما قال هذا المتكلف !
وبعد، فإذا تبين لك هذا وعلمتَ أن أقحاح العرب لا يعلمون شيئًا عن دوران الأرض، وأن مشركيهم لم يطعنوا في القرآن بخبره عن حركة الجبال التي تمر مر السحاب وهم يرونها جامدة ، وعلمتَ أن أئمة التفسير لم يُشكل عليهم هذا الأسلوب ، سيكون أمامك أمر لا ثاني له :
أن تحكم على هذا المتكلف بأنه غالٍ في تكلفه لدرجة أنه خطّأ أئمة التفسير وأقحاح العرب عندما نفى أن يكون هذا الأسلوب من العربية .
وإني لا أشك في هذا المتكلف وأمثاله أن لو كانت الآية ( وتُرى الجبالُ ) لاتخذها دليلًا له على نظريته، وجعلها أظهر في الدلالة ، ولا ستشهد بالآيات التي ذكرناها على أنه لو كان المقصود يوم القيامة لجاء الخطاب بهذه الصيغة ( وترى الجبالَ ) !!!
فإن كنتم تعلمون أحد من أئمة التفسير وأئمة الهدى والبيان من السابقين أشكلت عليه هذه الآية فاذكروه لنا !
مواقع النشر (المفضلة)