تغيّر اللاعبون
انتاج النفط الأمريكي في نمو مستمر ووصل في نوفمبر 2018 إلى مستوى قياسي عند 11.2 مليون برميل في اليوم،
ويتوقع أن يرتفع إلى 12.05 مليون في أبريل القادم، و 12.29 مليون مع نهاية 2019 .
كما أن عنق الزجاجة المتمثل في نقص شبكة أنابيب توزيع المنتج على وشك الانفراج مع نهاية 2019 بالإضافة إلى أنابيب إلى موانئ الشحن لزيادة قدرتها على تصدير كميات أكبر من نفطها ومنافسة بقية منتجي العالم.
وإذا افترضنا أن سعر النفط عند مستوى 60 – 80 دولار للبرميل يعتبر سعراً مربحاً وممتازاً لمنتجي النفط الحجري الأمريكي، فإن ذلك يصبح سقفاً لسعر النفط، ووَيْلٌ لمن يحتاج أسعاراً أعلى من ذلك.
وبناءً على نمو انتاج النفط الأمريكي (والذي بلغ نموه في سنة 2018 ما يعادل كامل انتاج نيجيريا)، فقد انحصر الميدان بين ثلاثة منتجين كبار:
أمريكا وروسيا والسعودية
الذين يشكلون بين 30% و 40% من انتاج العالم، الأمر الذي يمنحهم القدرة على التحكم بمصير العالم فيما يخص الطاقة من خلال التحكم بكميات وأسعار النفط.
وبنفس الوقت تشير الأخبار إلى أن منظمة أوبك قد فقدت قوتها وتأثيرها على سوق النفط وأسعاره، أو تتجه نحو ذلك.
فخلافات الأعضاء حول قرارات زيادة أو تخفيض الإنتاج وتوزيع الحصص قابلة للتفاقم.
وضعف أو حتى اندثاره أوبك سيعرض سوق النفط (على المدى القصير) إلى بلبلة وتقلبات قد تربك كلا المنتجين والمستهلكين وتزيد تكاليفهم وخسائرهم وتضعف اقتصاداتهم.
ولكن، هناك سيناريوهات واحتمالات عديدة.
فمثلاً:
قد لا تتوافق أهداف المنتجين الثلاثة الكبار.
كما أن افتراض خضوع 70% من المنتجين الآخرين للأمر الواقع يحتوي بعض الاجحاف بحقهم وبقدراتهم.
أهداف اللاعبون
يمكن، بشكل مبسط ومختصر، تصور الأهداف المنطقية للاعبين على النحو التالي:
◀︎بالنسبة لأمريكا:
تهدف أمريكا لتقليص عجز ميزانها التجاري وتحويله إلى فائض، وأحد أساليب تحقيق ذلك هو إيقاف استيراد النفط والتحول إلى مُصَدِّرٍ رئيسي له.
ويتضح ذلك من سياسات الحكومة الأمريكية الإيجابية تجاه عملية استخراج النفط الحجري Fracking بالرغم من أثرها التدميري على البيئة.
أما فيما يتعلق بتنمية صادراتها النفطية، فإنها تتصرف بدهاء بتوفير سلعة جيدة، وثم تسويقها بقوة، وأخيراً عرقلة المنافسين لإخراجهم من السوق. ويمكن ذكر بعض
الأمثلة التالية:
– محاولة إضعاف الاقتصاد الروسي
– وتزداد أهمية هذا الهدف بسبب ضخامة كميات الغاز الموجودة في ابار النفط الحجري الأمريكية والتي إن لم تباع تحرق هباءً.
– محاولات تقليص حجم الكميات المعروضة من المنافسين من خلال مثلاً:
خنق انتاج النفط الفنزويلي واقتصاده،
والعقوبات الاقتصادية على إيران،
ودمار ليبيا،
وفركشة مشاريع أو دول منافسة في شتى أنحاء العالم.
◀︎بالنسبة لروسيا:
منذ عدة قرون وروسيا تواجه خطط ومناورات وحروب لتقليص قوتها وقدراتها الاقتصادية.
وبغض النظر عن كونها امبراطورية قيصرية، أو شيوعية سوفيتية، أو جمهورية رأسمالية، إلا أن حجمها الكبير وثرواتها الطبيعية الضخمة كانت وما زالت هدفاً مغرياً للغرب.
يتوقع أن تكون روسيا حذرة جداً من أي تحالف نفطي تشترك فيه مع أمريكا، وسيتركز هدفها في الاستمرار في تنمية انتاجها وصادراتها النفطية والغازية بالرغم من العراقيل الأمريكية والغربية.
◀︎بالنسبة للسعودية:
تختلف السعودية عن زميليها كبار المنتجين (أمريكا وروسيا) في أنها لا تمتلك اقتصاداً متطوراً ومتعدد القطاعات الإنتاجية يحميها من الاثار السلبية الشديدة لانخفاض أسعار النفط.
فمنذ تدهور أسعار النفط في 2014 وهي تعاني الأمر الذي يتطلب معالجة سريعة وجذرية تمثلت برؤية 2030 الطموحة لنقل السعودية من شبه أحادية المورد إلى متعددة القطاعات والموارد.
ولكن إلى أن يحدث ذلك، فإن بقاء أسعار النفط تحت مستوى 60 – 80 دولار يعني بقاء عجز الميزانية وتآكل احتياطها المالي.
كما أنها لا تستطيع الاعتماد كلياً على الاقتراض.
لذلك، وفي ظل الرؤية السلبية لأسعار النفط، فقد تميل السعودية نحو هدف زيادة إنتاجها وصادراتها لوقف أو تقليل عجز الميزانية ريثما تبدأ نتائج رؤية 2030 بالظهور.
ويمكن لمح علامات هذا الهدف من سياستها لإنتاج الطاقة البديلة (شمسية، رياح، هيدروليكية، ونووية) لتقليص كميات النفط المستهلكة داخلياً وتحريرها للتصدير.
كما تتجه لزيادة استثماراتها في اكتشاف وتطوير الحقول النفطية.
بالنسبة لبقية المنتجين في العالم: بحكم صغر حجمهم النسبي، فإنهم قليلو الحيلة وتحت رحمة قرارات الكبار.
بالنسبة للمستهلكين: ينحصر هدفهم الأبدي في أسعار رخيصة للنفط، وقد تتحقق حلمهم.
ومن مصلحتهم استمرار صراع بين المنتجين للحصول على أرخص الأسعار ريثما ما يتحولون إلى الطاقة البديلة.
الخلاصة
لا شيء يبقى ثابتاً.
فضعف الطلب الحالي على النفط وزيادة الكميات المنتجة قد أضعفا سعره في فترة العالم يسير بحزم نحو الطاقة البديلة.
وبنفس الوقت، نجد أن جميع الدول المنتجة (بما فيها الكبار) تعاني من صعوبات اقتصادية، وجميعهم يرى أن خلاصه في زيادة انتاجه ومبيعاته. أي زيادة المعروض في السوق!
(17-12-2018)
مواقع النشر (المفضلة)