قلق له ما يبرره .. لماذا يخشى العالم تواصل ارتفاع أسعار النفط؟ (argaam.com)
****وان الأبرز في كافة النشرات الاقتصادية والمواقع حول العالم يخص ارتفاع النفط إلى مستويات قياسية، مرة ليتخطى مستويات 2014 وأخرى بتجاوز أعلى مستوى منذ عام 2013 وثالثة ليصبح في المستوى الأعلى منذ 2008.
ويصف خبير الطاقة في "المنتدى الاقتصادي العالمي" "ميساي كولاكزكوفيسكي" ما يصفه بالأسباب المادية وراء تأثر أسعار النفط بشدة، لأن بعض شحنات النفط الروسي لا تتحرك من الموانيء الروسية بعد الحرب، كما أن تكلفة تأمينها ونقلها تضاعفت، بل وامتد التأثير السلبي لنفط كازاخستان.
لماذا "الذعر"؟
وهناك كذلك التأثير النفسي الذي يدفع للتحرك لشراء أية سلعة يكون هناك اعتقاد راسخ بإنها ستصبح غير متوافرة أو متوافرة بصعوبة أو حتى ستشهد ارتفاعات سعرية ملموسة أو كبيرة.
وما أثار "الذعر" حقيقة كان هو العودة بالذاكرة إلى عام 2008، وتحديدا يوم 11 يوليو، حيث سجل النفط أعلى سعر للبرميل تاريخيا عند 147 دولار تقريبا، وكان ذلك من مؤشرات الأزمة المالية العالمية، بما أثار تساؤلا حول الآثار المتوقعة لارتفاع سعر برميل النفط على الاقتصاد العالمي.
مبدئيا هناك التأثير المباشر، وهو الأقل وطأة وتأثيرا، لارتفاع سعر النفط، حيث يشكل النفط حوالي 3% من الناتج الإجمالي العالمي، ولا شك أن ارتفاعه بنسبة 33-100% يعني ببساطة مساهمة مباشرة في التضخم العالمي بما نسبته 1-3%.
أما عن التأثير غير المباشر، وهو الأهم والأجدر بالاهتمام، فمن نافلة القول التأكيد على أن النفط يدخل في كل شيء حولنا تقريبا، من وقود السيارات ومحطات الكهرباء، إلى تصنيع الكيماويات والبلاستيك وأقلام الحبر الجاف والعطور.
وتمتد مساهمات النفط إلى تصنيع بعض الأدوية والملابس، بل وحتى في تصنيع خلايا توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية (وهو ما يعد مثيرا للتندر بوصف الأخيرة بديلة النفط المفترضة).
"تأثير كارثي"
لذلك فالتأثير المنتظر لارتفاع أسعار النفط سيكون "كارثيا"، مثلما وصفته محطة "سي.إن.بي.سي" الأمريكية، التي قالت أنه على الرغم من أن "الثابت الوحيد" في سوق النفط هو التقلب المستمر فأنه من غير المنتظر أن يتراجع النفط عن مستوى 100 دولار، وربما 110 دولارات أيضا، ما بقيت الأزمة الأوكرانية مستمرة.
كما يمتد التأثير "الكارثي" إلى حقيقة أن الاقتصاد العالمي يشهد ثلاثة عناصر تؤجج التضخم، الأولى هي انتعاش الكثير من الاقتصادات العالمية بعد ركود بسبب "كورونا"، والثانية عجز العرض عن تلبية احتياجات الطلب المتصاعد، والثالثة الأزمة الروسية الأوكرانية.
والأزمة أن الصراع الروسي الأوكراني، ولا سيما فيما يتعلق بارتفاع أسعار منتجات النفط، سينعكس بشكل مباشر على سببيّ التضخم الآخرين، فمن ناحية ستؤثر أسعار النفط المرتفعة بطبيعة الحال بالسلب على محاولات الاقتصادات المختلفة للخروج من آثار كورونا، وربما تزيد من نسب البطالة في بعض الاقتصاديات بسبب ذلك، ومن ناحية أخرى ستحد من المعروض في الأسواق بسبب وضع المزيد من الضغوط عليها.
وهذا الأمر يؤشر إلى احتمال حدوث أكثر ما يخشاه الاقتصاديون بشكل عام وهو "الركود التضخمي"، والذي يشير إلى حالة من ارتفاع الأسعار بسبب تقلص المعروض في ظل تواصل ضغط الطلب العالي بما ينقل السوق إجمالا إلى نقطة توازن أعلى سعريا مع الوقت ولكن مع دورة انكماشية للاقتصاد.
النذر بدأت
وبدأت نذر التضخم المتفاقم تظهر على الأرض بالفعل، فعلى سبيل المثال، وفي الولايات المتحدة تجاوز متوسط سعر جالون البنزين 4 دولارات، وهو المستوى الأعلى منذ عام 2008 يوم أمس الأحد، وسط ارتفاعه في بعض الولايات "الثرية"، مثل كالفورنيا إلى مستوى فوق 5 دولارات.
وتزيد خطورة الموقف هنا أن التضخم يأتي بينما تشير دراسة لجامعة فيرجينيا نشرت الشهر الحالي إلى أن نوايا المستهلكين في الولايات المتحدة فيما يتعلق بكافة السلع المعمرة، بما فيها السيارات، هي "قريبة من" أو "عند" مستوى الركود بما يغذي مخاوف الركود التضخمي أيضا.
هذا كله يحدث وتلك الآثار المتوقعة بينما لم يتم فرض عقوبات على النفط الروسي، فماذا لو تم فرض عقوبات عليه فعلاً، كيف سيكون تأثير ذلك على الاقتصاد العالمي؟
فقد صرح وزير الخارجية الأمريكي "انتوني بلينكن" بأن الحكومة الأمريكية تجري مشاورات مع حلفائها الأوروبيين حول وقف محتمل لواردات النفط القادم من روسيا.
وفي تصريحات لمحطة "سي إن إن"، قال "بلينكن" أمس الأحد:" نتحدث الآن مع شركائنا وحلفائنا الأوروبيين لبحث إمكانية فرض حظر على استيراد الغاز الروسي بطريقة منسقة".
تقلبات مستمرة
وتعليقا على ذلك، يتوقع "بول سانكي"، الخبير في أسواق النطق، أن يتراوح سعر النفط بين 100-150 دولار ما بقت الأزمة الروسية الأوكرانية مستمرة، مع تقلباتها سيختلف السعر.
ويشير "سانكي" إلى أن نطاقا سعريا بين 120-150 دولار سيكون "مدمرا" للاقتصاد العالمي، مضيفا أننا قد نرى برميل نفط بسعر 150 دولار أو حتى أعلى إذا احتدمت الحرب أو شملت العقوبات النفط الروسي.
ولعل ذلك هو ما اضطر شركة "شل" لاصدار بيان هو أقرب لـ"الاعتذار" عن استيراد النفط الروسي بتأكيدها على "اضطرارها الشديد لشراء النفط الروسي".
وأضافت: "تُنتج مصافينا البنزين ووقود الديزل، بالإضافة إلى المنتجات الأخرى التي يستخدمها الناس بشكلٍ يوميّ، ونود الاستمرار في ذلك بدونِ انقطاعِ إمدادات النفط الخام بالنسبة للمصافي".
وأوضح بيان الشركة أنَّ "صناعة الطاقة لن تكون قادرةً على ضمان إمدادٍ مستقرٍ للسّلع المطلوبة في جميع أنحاء أوروبا، ولن تتمكن المصادر البديلة من الوصول بالسرعة الكافية".
فروسيا تصدر 5 ملايين برميل نفط خام يوميا وقرابة 3 ملايين برميل من النفط المكرر يوميا، من أصل مجمل إنتاج 11 مليون برميل تقريبا يوميا، ولا يمكن تعويض نفطها على المدى القريب أو المتوسط أي أن فرض العقوبات عليها هو إقرار تضخم "وجد ليبقى".
وحتى إن لم يتم فرض عقوبات على روسيا، فإن الاستمرار في الصراع لفترة طويلة من شأنه وفقا لغالبية المحللين دفع النفط إلى مستويات سعرية أعلى، لا سيما في ظل ما يصفه البعض بفرض البعض لـ"عقوبات على أنفسهم" بالبحث عن بدائل للنفط الروسي رغم عدم حظره حتى الآن.
ومثل هذا التوجه يسهم في رفع السعر باستمرار (بما دعا "شل" لاصدار بيانها على سبيل المثال)، ويجعل الاقتصاد العالمي الذي يسعى للعودة لمسار مستدام للتعافي لمواجهة اشكالية ليست بالهينة مطلقاً.
المصادر: أرقام- فوربس – سي.إن.بي.سي - المنتدى الاقتصادي العالمي
مواقع النشر (المفضلة)