كثير من المستثمرين وخصوصًا ضعيفي الخبرة منهم يعتقدون أن تدقيق المستثمر بنفسه في البيانات والتقارير المالية الصادرة بصفة دورية عن الشركة هي مبالغة لا داعي لها، معتقدين أن اللوائح والقواعد المحاسبية بإمكانها ردع الإدارة عن التلاعب بالبيانات، وحتى لو انتهكت الإدارة تلك اللوائح والقواعد، فهناك برأيهم خط دفاع آخر يزود عن مصالحهم وهو متمثل في شركات المراجعة التي يقوم مدققوها المدربون جيدًا على كشف التلاعب والأخطاء بالفحص والتأكد من صحة كل ما تدّعيه الإدارة في بياناتها وتقاريرها.
ولكن ما يتناساه أو يغفل عنه هؤلاء، أن هناك فجوة كبيرة بين النظرية والتطبيق عندما يتعلق الأمر بالآليات القانونية الموضوعة لحماية المساهمين، صحيح أن الخوف من عواقب خرق القانون يجعل كثيرًا من مديري الشركات يفكرون ألف مرة قبل الإقدام على هكذا فعل، ولكن رغم ذلك لا يزال لدى قلة منهم الاستعداد للتلاعب وخرق القانون إذا لزم الأمر، ولو كان ما سيحصلون عليه من مكافآت على الجهة الأخرى مغريًا بشكل كافٍ.
أرباح مثيرة للإعجاب!
من الناحية الفنية، يعين مجلس الإدارة شركة المراجعة الخارجية لفحص البيانات المالية والتأكد من خلوها من أي أخطاء جوهرية مما يصب في النهاية في مصلحة المساهمين، ولكن في الواقع يتنازع شركة المراجعة طوال الوقت شعوران متضادان؛ الأول هو رغبتها في تأدية عملها على أكمل الوجه، والثاني هو حرصها على عدم إزعاج الإدارة مما يهدد بفقدانها كعميل، وفي بعض الأحيان يغلب شعورها الثاني الأول، مما يؤدي في النهاية إلى كارثة لا يتحمل عواقبها سوى المساهمين، كما حدث مع شركة تابعة للرئيس الأمريكي الأسبق "دونالد ترامب".
في 25 أكتوبر من عام 1999 أبلغت شركة "ترامب هوتلز" عن ارتفاع ربحية سهمها خلال الربع الثالث من ذلك العام إلى 0.63 دولار مقارنة مع 0.24 دولار في الربع نفسه من العام السابق، وتجاوزت ربحية السهم توقعات المحللين التي بلغ متوسطها حينها نحو 0.54 دولار للسهم، مما أدى إلى ارتفاع سهم الشركة بشكل كبير.
في معرض شرحه لسبب زيادة الأرباح وتجاوزها لتوقعات المحللين، قال الرئيس التنفيذي للشركة إن هذا في الحقيقة هو نتاج تركيز شركته على ثلاثة محاور؛ الأول هو زيادة هوامش التشغيل في كل المنشآت التابعة لها، والثاني هو خفض تكاليف التسويق وأخيرًا زيادة المبيعات النقدية غير المرتبطة بأنشطة الكازينوهات التي تمتلكها الشركة، ولم يذكر لا المدير التنفيذي ولا الشركة في بياناتها أي مصدر آخر للزيادة التي شهدها صافي الدخل خلال الربع الثالث.
أثارت نتائج الشركة إعجاب جمهور المستثمرين الذي أقبل بحماس شديد على **** السهم واثقًا في قدرة الإدارة على اقتناص فرص نمو جديدة وفي شركة المراجعة التي صدقت على هذا التقرير، واستمر الوضع على هذه الحال إلى أن اضطرت الشركة لإيداع بياناتها المالية المفصلة لدى لجنة الأوراق المالية والبورصات.
إيرادات من الهواء!
كشفت إيداعات الشركة عن أن ما يعادل 17.2 مليون دولار من إيراداتها هي في الحقيقة عائدات اضطرار مشغل مطعم "بلانت هوليود" للتخلي عن إيجار المطعم الكائن في إحدى المنشآت السياحية التابعة للشركة وذلك بعد إفلاسه، بمجرد إنهاء الإيجار أصبحت جميع التحسينات والتعديلات بالإضافة إلى بعض الأصول الأخرى التي أوجدها المشغل المفلس في المطعم ملكًا لـ "ترامب".
قدّر تقييم مستقل قيمة هذه التحسينات والتعديلات والأصول بـ17.2 مليون دولار، تمت إضافتها لإيرادات الشركة فورًا، في حين أنه لم يدخل خزينتها فعليًا ولو دولارًا واحدًا من هذا المبلغ. بدون هذا المبلغ كانت إيرادات الشركة خلال الربع الثالث ستكون أقل من نظيرتها في الربع نفسه من العام السابق، وأدنى كذلك من توقعات المحللين. إذا تم إلغاء أثر هذا المبلغ تنخفض أرباح الشركة من 14 مليون دولار إلى 3 ملايين دولار فقط.
رغم صعوبة كشف التلاعب الذي قامت به شركة "ترامب هوتلز" إلا أن المستثمرين والمحللين كان يجب أن يلفت انتباههم عدم احتواء التقرير الفصلي الخاص بالربع الثالث من عام 1999 على أي معلومات أو بيانات تفصيلية للإيرادات ومصادرها كما هو الحال في التقرير الفصلي الخاص بنفس الربع من عام 1998. كان واضحًا أن الشركة تخفي أمرًا ما.
المساهمون .. الضحية دائمًا
حين تمت مواجهته بالأمر، رفض الرئيس التنفيذي للشركة الاعتراف بأن الإدارة تعمدت إخفاء حقيقة أن الزيادة التي شهدتها أرباحها خلال الربع الثالث ما هي إلا نتاج حدث غير متكرر وليس أنشطتها التشغيلية الطبيعية، مشيرًا إلى أنه فضل التحدث عن الأمر حين يتم توجيه سؤال مباشر له حوله.
كالعادة، لم يتحمل العواقب في النهاية سوى جمهور المساهمين، حيث انخفض سعر سهم الشركة بنسبة 56% على مدار الأشهر الـ12 المنتهية في مايو من عام 2000. خسر المستثمرون الذين اعتمدوا فقط على التقارير المالية الدورية الصادرة عن الشركة والمصدق عليها من قبل شركة المراجعة، جزءًا كبيرًا من أموالهم المستثمرة بها.
في السادس عشر من يناير 2002، وافقت إدارة "ترامب هوتلز" على تسوية التهم الموجهة إليها من قبل لجنة الأوراق المالية والبورصات والتي شملت تضليل المساهمين عن عمد، وذلك دون أن تعترف الشركة أو تنفي النتائج التي توصلت إليها تحقيقات اللجنة.
المصادر: أرقام – لجنة الأوراق المالية والبورصات– نيويورك تايمز
كتاب: Financial Statement Analysis: A Practitioner's Guide
مواقع النشر (المفضلة)