تنظر الأسواق والمشاركون فيها دائمًا بعين الاهتمام إلى تحركات الملياردير الأمريكي "وارن بافيت" الاستثمارية، والتي كثيرًا ما عكست حكمته وكافأته بالأرباح، خاصة أنه يديرأصولًا مالية ضخمة لمستثمرين آخرين وليس فقط ثروته عبر شركة "بيركشاير هاثاواي".ورغم الضجة المثارة حول مستقبل الطاقة والادعاء بخلوه من المزيج الأحفوري، راهن المستثمر الشهير مؤخرًا على أعمال الغاز الطبيعي في صفقة بقيمة 10 مليارات دولار، إلى جانب رهان آخر بأكثر من 4 مليارات دولار على شركة النفط "شيفرون" صحيح أن شركات النفط الكبرى "بيج أويل" تحركت الخريف الماضي لإبرام صفقات اندماج واستحواذ لتوسيع نطاق أعمالها وتحسين أوضاعها المالية من أجل مواجهة الضغوط الأخيرة في القطاع، والأهم من ذلك مواجهة المستقبل الذي يبدو قاتمًا نوعًا ما.ويعتقد محللون بقوة، أن وول ستريت كانت متفائلة بشدة إزاء هذه الصفقات، والتي أفرزت واحدة من المنتجين المهيمنين في الولايات المتحدة مثل شركة "بايونير" بعد استحواذها على "DoublePoint Energy" في صفقة قيمتها 6.4 مليار دولار.لكن على المدى البعيد، هل يمكن للوقود الأحفوري، وخاصة الغاز الطبيعي (الأقل تلويثًا للبيئة) أن يكون رهانًا رابحًا في المستقبل المنظور، خاصة في ظل الموقف المتشدد نسبيًّا للإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة الديمقراطي "جو بايدن"؟في الثاني والعشرين والثالث والعشرين من أبريل الجاري، يعقد باين قمة مناخ رفيعة المستوى تضم 40 من قادة العالم، ولم يدع إليها أيًا من شركات الطاقة الكبرى، لمناقشة كيفية تسريع التحول بعيدًا عن الطاقة الملوثة، وهو حدث سيراقبه المراهنون على الغاز الطبيعي عن كثب.خطط واعدة- في الحقيقة، يرى المتفائلون تجاه الغاز الطبيعي، أنه ليس ضروريًا كجزء من مزيج الطاقة فحسب، ولكنه بمثابة "الجسر" للانتقال إلى عالم أكثر اخضرارًا، ومن بين هؤلاء شركات كبرى مثل "إكسون موبيل" و"شيفرون" و"رويال داتش شل" و"توتال" و"بي بي".- رفعت هذه الشركات حصة الغاز من إجمالي إنتاجها الهيدروكربوني من 39% عام 2007 إلى 44% في عام 2019، ولا تزال تتحرك لزيادة إنتاجها منه مع خطط استثمارية ضخمة.- تهدف شركة "شل"، أكبر متداول مستقل للغاز الطبيعي المسال في العالم، إلى زيادة قدرتها على إنتاجه، حيث ترى أن الطلب عليه يتضاعف تقريبا من 360 مليون طن العام الماضي إلى 700 مليون طن بحلول عام 2040.- تتطلع "شل" إلى توفير أكثر من 7 ملايين طن سنويًا من السعة الجديدة بحلول منتصف العقد الجاري وتتعهد بتقديم المزيد من شحنات الغاز الطبيعي المسال الخالية من الكربون، حيث تهدف إلى الحفاظ على كثافة انبعاثات الميثان دون 0.2% بحلول عام 2025، إلى جانب استخدام الطائرات دون طيار وتكنولوجيا الكشف بالليزر لتحديد هذه الانبعاثات والحد منها.- قالت "إكسون موبيل" في يوم المستثمر الشهر الماضي، إنها في وضع يمكنها من النجاح في صناعة الهيدروجين، مشيرة إلى أن الهيدروجين منخفض الكربون المولد من الغاز الطبيعي مع احتجاز الكربون وتخزينه له مزايا من حيث التكلفة والحجم مقابل البدائل.- فيما تريد "توتال"، التي تراهن على النمو المربح لأعمالها من الغاز الطبيعي المسال، توسيع إمداداتها من الغاز الطبيعي المسال، حيث تستهدف خدمة أكثر من 10% من سوق الغاز الطبيعي المسال العالمي.جسر أم طريق مسدود- تحقيق هدف "انبعاثات صفرية" بحلول عام 2050 الذي يركز عليه زعماء العالم، يتطلب تسريع التخلص التدريجي من جميع أنواع الوقود الأحفوري، بما في ذلك الغاز، ما لم يقترن بتكنولوجيا لالتقاط وتخزين الانبعاثات.- من ناحية الطلب، يظل الغاز مغامرة معقولة من بعض النواحي، إذ تنتج محطة توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز نحو نصف انبعاثات المحطة التي تعمل بالفحم، كما يستفيد الوقود من مصادر الطلب المتنوعة، حيث يستخدم الغاز في صناعة الأسمدة وتوليد الحرارة للمباني والصناعة، وتوليد الهيدروجين، الذي قد يعمل بدوره كشكل من أشكال تخزين الطاقة على المدى الطويل.- مع ذلك، فإن استثمارات الشركات لا تسير دائمًا كما هو مخطط لها، وكان الاندفاع نحو الغاز بين عامي 2008 و2014 مدعومًا بارتفاع أسعار الطاقة التي حفزت الاستثمارات مع القليل من الاهتمام بالتكاليف.- في أواخر عام 2019، قالت "شيفرون" إنها ستشطب أصولًا بقيمة 11 مليار دولار، ويرجع ذلك إلى ضعف أداء أصول الغاز الصخري في أبالاتشيا، وشكل الغاز الجزء الأكبر من خفض قيمة الأصول المتراوح بين 15 مليارا و22 مليار دولار الذي أعلنت عنه شركة "شل" في يونيو الماضي.- في نوفمبر، قالت "إكسون موبيل" إنها ستخفض قيمة محفظتها من الغاز بما يتراوح بين 17 مليار و20 مليار دولار، وهو أكبر انخفاض لها على الإطلاق، ويُعتقد أن **** "إكسون موبيل" لشركة الغاز الصخري "XTO Energy" بقيمة 41 مليار دولار في عام 2010، أسوأ صفقة لشركة نفط كبرى في العشرين عامًا الماضية.مصير محفوف باللا معلوم- عملية استخراج الغاز وتسييله ونقله ينتج عنها انبعاثاتها الخاصة، بالإضافة إلى الانبعاثات الناتجة عن احتراقه النهائي، كما تطلق عملية الإنتاج غاز الميثان، أحد الغازات الدفيئة أقوى بنحو 80 مرة من ثاني أكسيد الكربون، وهي نقاط ضعف خاصة في ظل تحسن مصادر الطاقة البديلة من حيث الكفاءة والتكلفة.- تعتقد الوكالة الدولية للطاقة أن نمو الطلب سيتباطأ إلى 1.2% سنويًا حتى عام 2040، من 2.2% في المتوسط خلال العقد الماضي، وإذا تحركت الحكومات بقوة أكبر لكبح درجات الحرارة، فقد ينخفض الطلب في عام 2040 عما كان عليه في عام 2019.- تقول "بي بي" عن السيناريو الأكثر تشاؤمًا: إذا كان العالم سيصل إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، فإن الطلب على الغاز سيبلغ ذروته في غضون السنوات القليلة المقبلة، وينخفض إلى النصف تقريبا بحلول منتصف القرن.- يعيش نحو ثلثي سكان العالم في أماكن تسمح بأن تكون الطاقة من مزارع الرياح والطاقة الشمسية أرخص من محطات الغاز الجديدة، كما أن الغاز المحتوي على الكربون وعمليات تخزينه، قد يصبحان أكثر تكلفة من الهيدروجين الناتج عن الكهرباء المتجددة.- ثم هناك مسألة العرض، حيث يعني النفط الصخري الأمريكي أن العالم لديه الكثير من الغاز، وسيكون على الشركات الخاصة التنافس مع الشركات الحكومية في قطر وروسيا، التي يمكنها استخراج الغاز بتكلفة زهيدة، كما أن السوق الفوري المتنامي والطلب المهتز جعلا مشتري الغاز الطبيعي المسال أقل اهتمامًا بالعقود التقليدية طويلة الأجل.- بخلاف تطلعات شركات الطاقة الكبرى، فإن شركة الشحن العملاقة "إيه بي مولر- ميرسك" تتخلى عن الغاز الطبيعي المسال كوقود بحري، وهو سبب آخر يجعل من الصعب العثور على إجابة واضحة حول مستقبل رهانات شركات الطاقة على الغاز الطبيعي بين الرؤى المتباينة، لكن الأكيد أن مستقبلها بات رهين السياسات الحكومية المرتقبة إلى حد كبير.المصادر: أرقام- الإيكونوميست- أويل برايس- بارونز
مواقع النشر (المفضلة)