بدأت أسعار النفط موجة صاعدة كبيرة وطويلة المدى منذ قاعها الذي تكون في شهر نيسان (أبريل) العام الماضي عندما وصلت إلى مستوى 16 دولارا للبرميل، والحديث عن بيع عقود النفط الآجلة ذلك الوقت بالسالب بمستويات 40 دولارا للبرميل، كان ذلك الانهيار الكبير الذي حدث في وقت وجيز بسبب آثار جائحة كورونا، حيث عطلت الطلب بسبب قيود الإغلاقات التي فرضتها أكبر الدول المستوردة والمستهلكة للنفط.منذ ذلك الحين بدأت أسعار النفط بالصعود، وبشكل متسارع، إلى أن وصلت إلى مستوى 86 دولارا للبرميل محققة ارتفاعا بنسبة 450 في المائة، ولا تزال الأسعار في موجة صاعدة، ومن الطبيعي جدا أن تتخللها عمليات جني أرباح بين فترة وأخرى، فلا يوجد صعود ولا هبوط متواصل لأي موجة كانت.عندما وصلت أسعار البرميل للسبعينيات صدر بعض التصريحات من مسؤولين صينيين باحتمالية اللجوء إلى المخزون الاستراتيجي لهدفين: الأول منهما، أن الأسعار تعد مرتفعة ومبالغا فيها بشكل أو آخر، حيث تؤثر في الاستهلاك والإنتاج الصيني. والهدف الثاني، أنها تحاول الضغط على أسعار النفط من خلال بيع كميات من مخزونها، وتطرقنا إليها في مقال حينها أن الصين لن تقدم على هذه الخطوة حتى لو أقدمت فلن يكون لذلك تأثير في الأسعار، وبالفعل ارتفعت الأسعار ووصلت إلى 86 دولارا.وقبل يومين أعلن الرئيس جو بايدن؛ السماح باللجوء إلى المخزون الاستراتيجي من خلال استخدام 50 مليونا من براميل النفط المخزونة ولمدة موزعة على ثلاثة أشهر، في خطوة تهدف إلى السيطرة على أسعار النفط المرتفعة، كذلك وعد الرئيس باتخاذ مزيد من الإجراءات لمحاربة ارتفاع أسعار الطاقة، وانضم بعض الدول؛ كاليابان والصين والهند، بالتلويح باستخدام خطوات مماثلة لتحقيق الهدف نفسه.وفيما يتعلق بإعلان سماح الرئيس بايدن باستخدام جزء من المخزون، هناك خطوات أخرى يمكن القيام بها في بلاده لمحاربة ارتفاع أسعار مشتقات الطاقة؛ كخفض الضرائب عليها، وتخفيض نسبة الصادرات الأمريكية من النفط الصخري التي لا تزال من أكبر المنتجين له في العالم.وحقيقة سواء الولايات المتحدة أو اليابان والصين لم تصل إلى مراحل التقدم التي يعيشونها الآن إلا بامتلاكهم الذكاء والنظرة طويلة الأمد، لذلك هم يعلمون جيدا أن ارتفاع أسعار النفط الحالية مدفوعة بزيادة الطلب التي تجاوزت مستوياتها قبل الجائحة، فضلا عن أن التوقعات تشير الى ارتفاع الطلب خلال الأعوام المقبلة بأكثر مما هو عليه الآن، وإن مرت ببعض المنعطفات الطبيعية خلال ذلك، كذلك النمو السكاني، والثورة التقنية التي يعيشها العالم تشير إلى استمرار الطلب واتساعه بشكل كبير. لذلك لن تكون بيوت الخبرة العالمية وأكثرها شهرة التي توقعت وصول سعر البرميل مستقبلا الى مستويات أعلى من 120 دولارا بأعلم من هذه الدول المتقدمة التي تلوح باستخدام المخزون، فهي تعلم أن تفريطها فيه عند سعر 80 دولارا سيكلفها كثيرا مستقبلا عندما ترغب في استعادة مخزونها.لذلك ما يتم بثه والتلويح به عبر وسائل الإعلام العالمية من استخدام ورقة المخزون الاستراتيجي هي ورقة تستخدم لتهدئة الشارع العام لتلك الدول، وإلا فالجميع يعلم أن ارتفاع الطلب سيحرق ورقة التلويح باستخدام المخزون عاجلا أم آجلا.
مواقع النشر (المفضلة)