يبدو للمستثمرين أحيانا أن الإعلانات التصحيحية الصادرة من الشركات المدرجة أكثر من الإعلانات أنفسها، وهي غالبا إعلانات إلحاقية لإعلانات صدرت في صباح اليوم أو قبل ذلك بيوم أو يومين، والهدف منها تصحيح كلمة أو جملة أو رقم مذكور في الإعلان السابق. ولا بأس أن تكون هناك حالات استثنائية يلزم معها المسارعة بتصحيح الخطأ، ونتفهم أن البشر خطاؤون ولا أحد كامل، لكن أن تصبح الأخطاء بهذا الكم الهائل فهو أمر يحتاج إلى مراجعة من قبل الجهات المعنية واتخاذ ما يلزم لإيقاف هذه الظاهرة.أهمية تقليص الإعلانات التصحيحية تأتي في كون المستثمر بحاجة إلى معلومات دقيقة وسليمة يمكن الاعتماد عليها فور قراءتها، لا أن يجد المستثمر أو المهتم نفسه بحاجة إلى الانتظار يوما أو يومين للتأكد من صحة الخبر، أين الخلل؟ وما الحل؟بداية تجب علينا الإشارة إلى أن هناك تنظيمات دقيقة وتفصيلية صادرة بهذا الشأن توضح كيفية إعداد الإعلانات ومحتوياتها، وتشمل نماذج وقوالب متعلقة بإعلانات النتائج المالية والتغيرات الإدارية والتغيرات في الهياكل المالية نتيجة زيادات رؤوس المال وانخفاضاتها، والاندماج والاستحواذ وتوزيع الأرباح النقدية، وغيرها. كما أن على الشركات الالتزام بصيغ محددة فيما يخص ترسية العقود والإعلان عما يرد من تطورات بشأنها، وكذلك عليها الالتزام بصيغ مذكرات التفاهم التي يعلن عنها، وصيغ الإعلانات عن أي دعاوى قضائية للشركة أو عليها، بل إن هناك تعليمات معينة لكيفية إعداد الإعلانات التصحيحية ذاتها.أين المشكلة إذن؟ المشكلة أن هناك تساهلا وتراخيا وربما لا مبالاة من قبل بعض الشركات في إعداد الإعلانات، حتى إن كانت الصيغ محددة والقوالب جاهزة، وسبب ذلك أنهم يجدون أن الإعلان التصحيحي كفيل بتصحيح أي خطأ قد يظهر في الإعلان الأصلي، والمشكلة مرة أخرى أن المستثمر لا يستطيع الاعتماد بشكل قاطع على الإعلان الأصلي إن كان هناك احتمال كبير نسبيا بتغييرات قريبة في محتويات الإعلان، لنأخذ بعض الأمثلة لتوضيح الخلل.إحدى الشركات ذكرت في الإعلان المرتقب عن النتائج المالية للشركة أن الخسائر المتراكمة للشركة بلغت (0.95% -) ، ومن ثم عادت في اليوم التالي لتصحح ذلك بفارق شاسع جدا وتصحيح الخسائر المتراكمة لتكون 0.95 % من رأس المال. وشركة أخرى عادت لتوضح أن رأسمالها ليس 950 مليار ريال، بل 950 مليون ريال، وقبل أشهر قليلة أوضحت شركة أن العقد الذي فازت به 4.4 مليون ريال وليس كما ذكر سابقا بأنه 4400 ريال، حيث تم استخدام النقطة العشرية خطأ بدلا من الفاصلة.وقبل نحو عامين ذكرت إحدى شركات الاتصالات أن هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات قد قامت برفع التعليق الصادر ضد الشركة لبيع بعض منتجاتها، لنتفاجأ باليوم التالي بتصحيح يؤكد عدم رفع التعليق، وتكذيب الخبر عن بكرة أبيه.في العام الماضي أصدرت إحدى الشركات نتائجها المالية المرتقبة بأهمية قصوى من قبل المستثمرين، وذكرت أن خسائرها التشغيلية بلغت 3,124 ألف ريال، بينما هي في الحقيقة لم تكن كذلك، بل كانت 5,845 ألف ريال، وتم تصحيحها بعد نحو ثلاثة أسابيع، وهذا يختلف قليلا عن الأخطاء التصحيحية التي تتم خلال يوم أو يومين. وللأمانة كانت الشركة ذكرت في ثنايا إعلانها الأصلي أن هناك إعادة تصنيف ستتم لاحقا.شركة أخرى اجتهدت في عرض الأرقام بالمليون ريال، بينما البيانات المالية دائما تعرض بالآلاف، ونتيجة ذلك أن تم تضخيم الأرقام بألف ضعف قيمها الفعلية، بينما شركة أخرى قامت بعكس ذلك تماما، فتم تقزيم أرقامها بنسبة 99.9 في المائة، شركة أخرى ربما حاولت تلميع أرقامها بالقول: إن سبب الانخفاض في صافي الربح يعود إلى انخفاض المبيعات، بينما في التصحيح الذي جاء سريعا قبل افتتاح السوق تبين أن سبب تحقيق صافي الخسارة (وليس انخفاضا في الربح) يعود إلى انخفاض المبيعات. وهناك فارق كبير بين انخفاض صافي الربح وبين الخسارة.إحدى شركات التأمين عادت بعد عشرة أيام لتوضح أن ربحية السهم المذكور سابقا أنها 1.08 ريال هي في الحقيقة خسارة 1.08 ريال للسهم الواحد، فانقلب الربح 180 درجة إلى خسارة -كيف فاتت عليهم هذه النقطة؟ شركة أخرى عادت بعد إغلاق السوق لتخبرنا أن البيانات المالية المعلنة هي للفترة المنتهية بتاريخ 30 حزيران (يونيو)، وليس بتاريخ الأول من حزيران (يونيو) .هذه فقط عينة من بعض الإعلانات إلى جانب أخطاء أخرى كثيرة متعلقة باختلاف النسخة العربية للإعلان عن النسخة الإنجليزية، وأخطاء في تواريخ مهمة أو في تحديد أوقات اجتماعات الجمعية العامة، وغيرها، لذا غني عن القول: إن هناك كما هائلا من الأخطاء في إعلانات الشركات رغم وجود ضوابط وتعليمات وقوالب جاهزة لإعدادها، والسبب في رأيي يعود لغياب أي رادع مالي أو عقوبات معينة، ولو بشكل رسائل توبيخية من الهيئة أو “تداول”، لا سيما أن معظم الأخطاء بسيطة ويمكن تداركها بسهولة لو أن الصيغة النهائية للخبر تم عرضها قبل إرسالها للسوق على بعض المسؤولين في الشركة، كالمسؤول المالي والمسؤول القانوني ومسؤول العلاقات العامة.أما طريقة معاقبة الشركات التي تستهين بصيغ إعلاناتها، فقد يكون من المناسب استخدام نظام النقاط الجزائية، حيث تتم زيادة عدد النقاط ضد الشركة المخالفة وحين يصل عدد النقاط إلى حد معين تكون هناك غرامة مالية محددة ضد الشركة. السبب مرة أخرى ليس للتضييق على الشركات ولا تحقيق مصادر دخل أخرى للهيئة و”تداول”، بل الهدف يعود لحاجة المستثمرين إلى أخبار ومعلومات وبيانات دقيقة يمكن الاعتماد عليه بشكل فوري لاتخاذ قراراتهم الاستثمارية بناء عليها، دون شكوك بصحتها ولا ترقب لتصحيح قد يصدر في أي لحظة.
مواقع النشر (المفضلة)