لماذا عاد "وارين بافيت" للاستثمار في النفط؟ (argaam.com)
مر سوق النفط بالعديد من التقلبات خلال الفترة الماضية، فمع ارتفاع نسبي في سعره بسبب بدء التعافي من عامي كورونا، جاءت الحرب الأوكرانية والعقوبات على روسيا لتزيد الأسعار ارتفاعا، قبل أن تتسبب الخطوة الأمريكية الأوروبية بالسحب من الاحتياطات النفطية في أكبر انخفاض لسعر النفط منذ عامين.
ثم جاء شراء شركة "بيركشاير هاثاواي" لأسهم في شركتي نفط أمريكيتين ليثير العديد من التساؤلات عما إذا كان رئيسها التنفيذي "وارين بافيت" يرى توسعا محتملا في سوق النفط واستقرارا لسعر البرميل قرب مستوياته المرتفعة الحالية.
"بافيت" يتوسع
خلال شهر مارس المنصرم رفع "بافيت" حصته في شركة "أوكسيدنتال بتروليوم" والتي تعتبر أكبر منتج للنفط في ولاية "تكساس" وأكبر منتج للغاز في ولاية "كاليفورنيا" إلى 15% بشرائه 118.3 مليون سهم، وحصوله على خيار شراء أكثر من 80 مليون سهم أخرى.
وليست هذه المرة الأولى التي يستثمر فيها "بافيت" في تلك الشركة الأمريكية، بل سبق له أن دعمها بـ10 مليارات دولار عام 2019 كي تتمكن من شراء منافستها آنذاك "أناداركو بترليوم" في صفقة استحواذ مولها "بافيت" جزئيا.
والشاهد أن "بافيت" لم يستثمر في "أوكسيدنتال بتروليوم" فحسب بل قام بالاستثمار في الشركة العملاقة "شيفرون" أيضا، على الرغم من سابق دعمه للأولى في مواجهة الثانية عام 2019 لدى تنافسهما على ضم "أناداركو بترليوم".
واللافت للنظر أن هذا السلوك يختلف عن توجهات "بافيت" المعتادة بشراء أسهم الشركات في قيعان سعرية، حيث إن سعر سهم "أوكسيدنتال بتروليوم" تضاعف خلال السنة الأخيرة، بينما زاد سعر شركة "شيفرون" بنسبة 55% خلال الفترة ذاتها بما يعني أن "بافيت" يقبل على شراء الشركتين رغم أنهما في قمة سعرية (قياسا بما سبق وليس اللاحق).
تجربة "صينية" مربحة
ويشير محلل في بنك "رياموند جيمس" إلى أن توقع ارتفاع سعر سهم شركة "أوكسيدنتال بتروليوم" ليصل إلى 85 دولارا في المدى المنظور، بدلا من توقعه السابق بوصول السهم إلى 60 دولارا (السهم في مستويات سعرية فوق 55 دولارا خلال آخر أسبوعين).
وليست هذه هي المرة الأولى التي يثير فيها النفط اهتمام "بافيت"، حيث بدأ أول مرة في الاستثمار في شركة نفطية كانت شركة "بتروتشاينا" الصينية، في عام 2002، وكان ذلك بمثابة تحول عن نهج المستثمر الشهير في الشراء في شركات مالية أو غذائية.
وفي عام 2002 اشترت شركة "بيركشاير هاثاواي" ما قيمته 11% من الأسهم الخاضعة للتداول العام للشركة الوليدة حينها مقابل 488 مليون دولار، قبل أن يبيعها في عام 2007 على أجزاء مقابل قيمة تخطت 3.3 مليار دولار أي بربحية تفوق 570% في خمس سنوات فحسب.
والشاهد هنا أن "بافيت" رفض حينها الربط بين أية أسباب سياسية متعلقة بتعدين الشركة في إقليم دارفور السوداني وبيعه لأسهم الشركة بل أكد أنه اتخذ قرارًا استثماريًا ببيع الشركة بسبب ارتفاع سعر السهم بشكل جيد في فترة زمنية ممتدة، بل وقال بعدها إنه يرى أنه باع الأسهم "مبكرًا" بعض الشيء بعد أن استمر سعر سهم الشركة في الارتفاع.
لماذا العودة للنفط؟
ومن وقت تخارجه من "بتروشاينا" لم يقم "بافيت" بصفقات كبيرة في قطاع النفط باستثناء شراء وبيع في "إكسون موبيل" عام 2014، وصفقة "عابرة" عام 2019 ومشترياته الأخيرة بما يثير التساؤل عن السبب.
ولعل السبب يظهر في أحدث تقارير الوكالة الدولية للطاقة التي أشارت إلى عجز متوقع بحاولي 3 ملايين برميل في سوق الطاقة خلال شهر أبريل الحالي، وقد يمتد خلال 2022 مع استمرار الحرب الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية بسبب مشاكل متعلقة بالإنتاج الروسي للنفط و"قبول" الدول الغربية به.
وعلى الرغم من أن الوكالة رجحت انخفاض الطلب بحوالي 1.1-2.1 مليون برميل بفعل النقص الفعلي للمعروض وزيادة الأسعار التي تسهم في الحد من الطلب على النفط ولو بشكل محدود إلا أن "أوبك" كان لها رأي مغاير.
فائتلاف منتجي النفط أبقى على توقعاته بارتفاع الطلب على النفط بـ4.15 مليون برميل خلال عام 2022، وذلك اتساقا مع تحول الكثير من الاقتصادات من النمو السالب في فترة كورونا إلى النمو الموجب بما يدعم توقعات ارتفاع الطلب.
إصلاح لتوقعات خاطئة؟
ويشير "مات نيبلاك" الخبير في صندوق "هايت" للتحوط إلى أنه يبدو أن "بافيت" وعددا آخر من المستثمرين يراهنون على أن الصراع الروسي – الغربي الاقتصادي الحالي سيستمر ولن يتم حل الأزمة الأوكرانية سريعًا، كما أن الإغلاقات الصينية التي ساهمت في تراجع النفط إلى مستويات قرب 100 دولار للبرميل بعد وصوله لمستويات فوق 120 دولارا ستنتهي سريعا.
ولكن وحتى إذا انتهت الحرب الأوكرانية سريعا من خلال نجاح المفاوضات الجارية، فإن "نيبلاك" يتوقع أن تستمر أسعار النفط مرتفعة بفعل تعهدات الاتحاد الأوروبي بالبحث عن مصادر بديلة للنفط الروسي الذي يشكل ربع الاستهلاك الأوروبي للنفط (فضلا عن الغاز الروسي الذي يشكل 45% من الاستهلاك الأوروبي).
ويمكن القول بأن أوروبا تعرضت لـ"صدمة" تتعلق بصعوبة استبدال الوقود الأحفوري بالطاقة المتجددة، حيث لا يمكن بحال استبدال 155 مليار متر مكعب حصلت عليها أوروبا من الغاز الروسي العام الماضي بالوقود المتجدد، بل إن الخطط الأوروبية الطموحة للغاية لا تتحدث عن استبدال أكثر من 20 مليار متر باستخدام الطاقة المتجددة هذا العام مع توسع قياسي في إنتاج توربينات الرياح وخلايا الطاقة الشمسية (يشكك البعض في قدرة الاتحاد الأوروبي على الإيفاء بمتطلبات تلك الخطة ولو مرحليا).
ويرى "شين فييلر" الخبير في "إيكونوكس بارتنرز" للتحوط والتي تدير أصولا تقدر بـ700 مليون دولار، أن "بافيت" وبعض المستثمرين بدأوا يصححون الخطأ باعتبار النفط "صناعة بلا مستقبل"، حيث إن هذا التصور بلا أساس وينافي أساسات العرض والطلب في السوق.
وعلى الرغم من مضاعفة قيمة قطاع النفط في "ستاندرد آند بورز" منذ عام 2020 حتى وقتنا الحالي إلا أن "فييلر" ما يزال يرى أن شركات النفط مقدرة بأقل من قيمتها الحقيقية في القمة السعرية التي بلغتها عام 2014 مع بلوغ سعر البرميل 100 دولار في هذا الوقت.
ويبدو أن "بافيت" -المعروف عنه الاحتفاظ بالأسهم لفترات ليست بالقصيرة- يتفق مع "فييلر" في تقديراته بأن شركات النفط والطاقة ما زال أمامها أفق جيد للنمو، وأن ما عده البعض "قطاعا بلا مستقبل" أصبح بين ليلة وضحاها قطاعا يمكن المراهنة على صعوده مستقبلا في نظر المستثمرين.
المصادر: أرقام- "سي.إن.إن"- أويل برايس- رويترز- فوربس
مواقع النشر (المفضلة)