الهيمنة الاقتصادية العالمية تدخل مرحلة المواجهة بين القوى الكبرى / للكاتب محمد ****قري
تطورات متلاحقة في الساحة الدولية تميزت بشدة التجاذبات بين أكبر اقتصادات العالم في محاولة للحصول على نصيب أكبر في حجم التجارة الدولية والاستفادة من المناطق الواعدة بالنمو تحديداً في آسيا وإفريقيا بشكل عام، فالعالم اليوم يشهد تحركات متسارعة من المتنافسين الكبار وهم أميركا والاتحاد الأوروبي والصين وبدأ معهم نجم روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي بالظهور، بينما اختارت بريطانيا الابتعاد عن أوروبا وزادت من اصطفافها مع أميركا وانضم لهم أستراليا وكندا والتي تعد من الدول المهمة اقتصادياً ومن ضمن مجموعة العشرين، فالتحركات التي بدأت تأخذ منحى واضحاً بالاختلافات والخلافات منذ عشرة أعوام تقريباً وصلت لمرحلة من المكاشفة سقطت معها العديد من الاعتبارات التي كانت تغطي على اختلاف المصالح بين القوى الكبرى.لعل أبرز ما ميز المرحلة الحالية هو التباين الشديد في مصالح الاتحاد الأوروبي بقيادة فرنسا وألمانيا مع أميركا وهم الشركاء والحلفاء منذ الحرب العالمية الثانية قبل أكثر من سبعين عاماً فقد كان إلغاء أستراليا عقد **** غواصات فرنسية واستبدالها بأمريكية مع تشكيل حلف عسكري وأمني أمريكي أسترالي بريطاني سيعمل في منطقة المحيط الهادي قرب الصين نقطة تحول مهمة أظهرت أن أميركا ابتعدت عن أوروبا لدرجة أن الرئيس الفرنسي طالب شركاءه الأوروبيين بأن لا يكونوا ساذجين في نظرتهم وتقديرهم لحقيقة المواقف الأمريكية مما يشير إلى أن الطرفين باتا متنافسين لا شركين بالمفهوم الواقعي فالاتحاد الأوروبي يفوق ناتجه الإجمالي 17 تريليون دولار وأصبح يبحث عن مصالحه لتعزيز حضوره التجاري والاقتصادي في دول الشرق الأوسط وإفريقيا وتحركات فرنسا في القارة الإفريقية باتت واضحة لدرجة أنها تعمل على منع تغلغل قوى أخرى فيها مثل روسيا بينما تركز أميركا على كل ما يمكن أن يحجم تحرك الصين دولياً وأطلقت مبادرة إعادة بناء العالم المنافسة لمبادرة الحزام والطريق الصينية وتتجه أميركا لآسيا ولدولها بشرقها الأقصى لتشكل حصاراً ومنافسة مع الصين من تلك الدول بما يكبح نمو الأخيرة اقتصادياً ويمنع توسعها الدولي بينما تتحرك الصين عبر مبادرتها الحزام والطريق بثقة وهدوء حتى وصلت لتسيد التجارة الدولية وأصبح لديها حلفاء من هذه المبادرة بحدود 68 دولة وتتوسع بالسوق الإفريقي بتسارع يفوق أي قوى أخرى من أوروبا أو أميركا وروسيا التي بدورها تبحث عن مكانة لها في الاقتصاد العالمي وتحاول استثمار ما لديها من إمكانيات لتكون شريكاً لدول إفريقية وبالشرق الأوسط بما يسمح بتنويع اقتصادها وتطوير صناعاتها.لكن من الواضح أن العالم يدخل تدريجياً بمواجهة صريحة ومعلنة بين القوى الكبرى بعد الخروج التدريجي من الركود الذي ضرب اقتصاده بفعل جائحة كورونا والتي غيرت في توجهات الدول الاقتصادية نحو الاقتصاد الرقمي بشكل كبير وكشفت العيوب والثغرات في البناء الاقتصادي الدولي وفي هذه الدول تحديدا فالأزمات الفرعية تظهر بين فترة وأخرى من حرب تصنيع وتصدير اللقاحات إلى أزمة الطاقة الحالية التي كشفت عن خلل بمزيج الطاقة لدى الاقتصادات الأوروبية وأميركا والصين من حيث تقليل الاعتماد السريع على الوقود الإحفوري والاتجاه للطاقة المتجددة والنظيفة بفترة قصيرة ظهر الخلل فيها بالأزمة الحالية عندما تناقص إنتاج الكهرباء من الطاقة المتحددة واضطروا للعودة للوقود الإحفوري وارتفعت بسبب ذلك أسعار النفط والغاز بمدة قصيرة جداً نتيجة الطلب الكبير المفاجئ بل ومع نقص اندادات الغاز بدأت بعض الأوساط الأوروبية تغمز من جهتها إلى أن دول كبرى منتجة للغاز مثل روسيا تسيس الغاز وهو ما نفته روسيا وقالت إن الأزمة هي بإنتاج الكهرباء القليل قياسا بنمو الطلب وليس بإمدادات الغاز التي تصل كما هو متعاقد عليه وذات الأمر بالنسبة للنفط، فالكميات المنتجة تتوافق مع حجم الطلب يُضاف لذلك أزمات سلاسل الإمداد وإنتاج الرقائق الإلكترونية التي عطلت العديد من الصناعات وخفضت الإنتاج فيها كالسيارات والأجهزة الإلكترونية إلا أن مثل هذه الأزمات ستزيد من عمق التباين بين هذه القوى الكبرى وتحركها أكثر باتجاه المناطق التي تتوافر فيها المواد الخام والتي تحتاج اقتصاداتها لتنمية واسعة ومكلفة لكنها ستغطى من إيرادات ما تملكه من ثروات طبيعية وتحاول القوى الكبرى أن تقدم نفسها كمخلص لتلك الدول الفقيرة في إفريقيا تحديداً مستفيدة من امتلاكها للتقنية ولشركات عملاقة كي تسيطر على إنتاج تلك الثروات مما يسمح لها بتوسيع قاعدة أسواقها خارجياً وتقوم شركاتها بتنفيذ مشاريع البنية التحتية لتلك الدول إضافة لبيع الأسلحة وغيرها من المعدات والتجهيزات.العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين سيرسم خريطة العالم الاقتصادية وسيظهر بنهايته من سيتربع على عرش الاقتصاد العالمي هل تبقى أميركا أم ستزيحها القوى الأخرى كأوروبا أو الصين فالمواجهة أصبحت واضحة ومعلنة وستزداد وتيرتها في الأعوام القادمة وستظهر الاستقطابات والاصطفافات الدولية والتحالفات بنطاق كبير ولن يبقى شيء من حقبة مرحلة الحرب الباردة وما أفرزته من تحالفات وأيديولوجيات فالكلمة اليوم للتكتلات الاقتصادية والمصالح التجارية فقط.
مواقع النشر (المفضلة)