[img2]https://i.servimg.com/u/f97/19/54/22/80/tm/hwaml_11.gif[/img2]
الشركة الكابوس .. "البيع على المكشوف" وكشف المستور في سوق الأسهم
في الأسابيع الأخيرة، سيطرت أخبار شركة إدارة المستشفيات "إن إم سي هيلث" وصاحبها الملياردير الهندي "بافاغو ثوراجورا مشيتي" على عناوين الصحف حول العالم وخصوصًا في المنطقة العربية، وذلك بعد الكشف عن تورط الشركة في مشاكل مالية جسيمة تهدد مستقبلها ومن ثم ثروة المساهمين.
وبعيدًا عن تفاصيل القضية وملابساتها التي لا تزال غير واضحة بشكل كامل حتى الآن، توجد هناك تفصيلة مثيرة جدًا للاهتمام في هذه القضية وهي شخصية مُفجرها. والحديث هنا عن شركة الاستثمار الأمريكية "مودي ووترز ريسرش" التي خرجت لأول مرة في ديسمبر الماضي لتتهم "إن إم سي" بالمبالغة في حجم حيازاتها النقدية وتقلل من قيمة ديونها في بياناتها المالية.
ولكن قد يسأل أحدهم، وما المثير للاهتمام في كون أن "مودي ووترز" تحديدًا هي التي فجّرت القضية؟ ببساطة، هذه الشركة – والتي تنشط بشكل أساسي في مجال البيع على المكشوف – لها سجل عجيب في كشف الشركات المتلاعبة بالبيانات المالية، مما جعلها بمثابة الكابوس للكثير من الشركات في سوق الأسهم.
مصدر رزق هذه الشركة هو الحفر والتدقيق في البيانات المالية للشركات المدرجة بسوق الأسهم من أجل الكشف عن أي مخالفات، قبل أن تخرج للعلن لتعلم القاصي والداني بما وجدته وفي نفس الوقت تبيع السهم على المكشوف، أي تراهن على انخفاضه.
والسطور التالية تحاول إلقاء نظرة سريعة على تاريخ هذه الشركة وطريقة عملها وأبرز ضحاياها.
الصدفة التي غيرت مسار المحامي الشاب
في وقت مبكر من عام 2010 طلب المضارب الأمريكي "ويليام بلوك" من نجله "كارسون" الذي كان يعمل محامياً خدمة بسيطة. والخدمة كانت السفر إلى الصين من أجل الوقوف على مدى جودة شركة صناعة الورق الصينية "أورينت بيبر" التي كان يعتزم "ويليام" الاستثمار فيها.
مثل أي ابن بار، استجاب "كارسون" لطلب والده وسافر مع صديق له إلى الصين لزيارة مقر الشركة المقصودة. وهناك اكتشف "كارسون" أنه على عكس ما توضحه البيانات المالية لا تمتلك الشركة سوى مجموعة من الآلات المعطوبة والمهترئة المتراصة في أرضية المصنع إلى جانب كومة من الورق المقوى. هذه "القمامة" كما وصفها "كارسون" تم إدراجها في القوائم المالية للشركة كمواد خام مقدرة بملايين الدولارات.
بمجرد رجوعه من رحلته كتب "كارسون" تقريرًا في الشركة وصف فيه ما اعتبره احتيالًا من جانبها وشجع المتداولين على بيع السهم على المكشوف، وهو نفس ما قام به. وعلى إثر تقريره تراجع سعر سهم "أورينت بيبر" المدرج في البورصة الأمريكية من 15 دولارًا إلى 4 دولارات فقط في 2010.
ومن هنا بدأت رحلة "كارسون" مع نشاط البيع على المكشوف الذي ترك من أجله المحاماة وبدأ في ممارسته من خلال شركته "مودي ووترز ريسرش" التي أسسها في يونيو 2010. وكجزء من عمله يفحص الرجل بنفسه ويوظف في بعض الأحيان محققين خاصين من أجل التدقيق في البيانات المالية الصادرة عن الشركات باحثًا عن أي مخالفات أو ثغرات، لكي يبيع سهمها على المكشوف.
ولمن لا يعرف، فإن البيع على المكشوف هو قيام المستثمر أو بالأحرى المضارب باقتراض سهم معين من إحدى شركات الوساطة قبل أن يبيعه بسعره السوقي الحالي بهدف شرائه لاحقاً بسعر أقل، وذلك على خلفية توقعه لانخفاض سعر السهم.
وإذا صحت توقعاته وانخفضت قيمة السهم، فيمكنه تحقيق ربح مساو للفرق بين سعر البيع المكشوف وسعر الشراء مطروحاً منه الفائدة التي يدفعها إلى شركة الوساطة نظير اقتراض السهم في الفترة ما بين البيع والشراء.
في الثاني من يونيو 2011 أصدرت "مودي ووترز" تقريرًا بحثيًا مكونًا من 39 صفحة ادعت خلاله أن شركة الأخشاب الصينية المدرجة بالسوق الكندي "سينو فورست" متورطة في عملية احتيال مالي ضخمة، وأشارت إلى أنها قررت بيع السهم على المكشوف. وعلى إثر هذا التقرير انخفض سهم "سينو فورست" من 18.21 دولار كندي في اليوم السابق على نشر التقرير إلى 1.99 دولار كندي في 21 من نفس الشهر.
وأوضح التقرير بشكل مفصّل مسار أموال الشركة وتضمن تحليلًا شاملًا لمصادر دخلها، وكشف عن مبالغتها بشكل كبير في تقييم قيمة أصولها، واختلقت على الورق وسطاء غير موجودين من أجل إخفاء إيراداتها الحقيقية. فعلى سبيل المثال، أشار التقرير إلى أن الشركة بالغت في تقدير قيمة مخزونها من الأخشاب في مقاطعة يونان الصينية بنحو 800 مليون دولارعلى الأقل.
علاوة على ذلك، وجدت "مودي ووترز" أنه من بين خمسة وكلاء صينيين للشركة يفترض وجودهم بمقاطعة يونان كما توضح البيانات المالية، لا يوجد على أرض الواقع سوى وكيل واحد حقيقي أما الباقي فهم عبارة عن وسطاء اصطناعيين تم إنشاؤهم فقط على الورق من أجل جعل البيانات المالية تبدو في شكل أفضل مما هي عليه في الواقع.
على الفور، خرج رئيس الشركة الصينية "ألنتشان" لينكر صحة الاتهامات التي وصفها بأنها "غير دقيقة ولا أساس لها من الصحة" مشيرًا إلى أن "كارسون" – مؤسس مودي ووترز – لا يفهم طبيعة عمل صناعة الأخشاب، وأنه فقط يريد أن يحقق مكاسب من خلال بيعه السهم على المكشوف، ولذلك يعمل على الإضرار بسمعة الشركة. وانضم إلى "تشان" محللون كثر جميعهم هاجموا "كارسون" وشككوا في تقريره.
ولكن هذه الاتهامات سرعان ما رد عليها "كارسون" قائلًا: "تقول الشركة أنت لا تفهم طبيعة عمل الشركة، ويقول المحللون أنت لا تفهم صناعة الأخشاب، أتعرفون ما هي الصناعة التي أفهمها جيدًا؟ إنها صناعة الاحتيال، لذلك لست بحاجة إلى معرفة طريقة عمل صناعة الأخشاب لاكتشاف الاحتيال".
كيف تبخرت أموال المساهمين؟
استمر سهم الشركة في التراجع إلى أن قررت البورصة الكندية إيقاف تداوله في السادس والعشرين من أغسطس 2011. وفي التاسع من مايو 2012 ألغي إدراج السهم في بورصة تورنتو. وفي نفس العام تقدمت الشركة بطلب لحمايتها من الإفلاس.
وفتحت السلطات الكندية تحقيقًا موسعًا في الأمر. وفي يوليو من عام 2017 أدانت هيئة الرقابة المالية الكندية 4 من المديرين التنفيذيين لـ"سينو فورست" بتهم الاحتيال، وذلك بعد أن خلصت تحقيقاتها إلى تورطهم في خلق معاملات وهمية باستخدام شبكة من الموردين لتضخيم أصول وعائدات الشركة على نحو مخالف للواقع.
في غضون شهرين فقط من صدور التقرير البحثي تبخرت قيمة الشركة الصينية وذلك بعد أن جمعت أكثر من 3 مليارات من المستثمرين الغربيين الذين كانوا طامعين في الحصول على نصيب من كعكة النمو الاقتصادي الصيني. الخاسرون كان من بينهم الملياردير الأمريكي "جون بولسون"، والذي فقد حوالي 500 مليون دولار في هذه الشركة.
لولا ظهور "مودي ووترز" في الصورة لظلت الشركة الصينية تخدع المستثمرين والمساهمين لسنوات دون أن يشك أحد في أي شيء. ولهذا ليس من المستغرب أن أصبحت "مودي ووترز" في السنوات الأخيرة كابوسًا بالنسبة للكثير من الشركات، وبالأخص الصينية. فآخر ضحاياها الصينيين كانت سلسلة القهوة "لوكين كوفي" المنافس الرئيسي لـ"ستاربكس" في الصين.
أخيرًا، رغم مرور ما يزيد على 8 سنوات، لا تزال هذه الحادثة راسخة في أذهان أغلب المتداولين في سوق الأسهم الكندي، لأن هذه هي المرة الأولى التي واجه فيها الكنديون شخصية مثل كارسون، "عنيد ومراوغ وقادر على تدمير شركة تجاوزت قيمتها في وقت ما حاجز الخمسة مليارات دولار من خلال تقرير بحثي واحد".
مواقع النشر (المفضلة)