بالتزامن مع الاتجاه العالمي نحو مكافحة التغير المناخي، انعقدت منذ أيام قمة المناخ "جلاسكو 2021"، وأغلب التحليلات والتوقعات ذهبت إلى أن القمة سوف توجه ضغوطها على المصانع وشركات السيارات على اعتبار أنها أكبر مصادر تلوث المناخ، لكن القطاع الذي لم ينل الاهتمام بالقدر الكافي هو قطاع الصناعات الغذائية ومعها النشاطات الزراعية المرتبطة بها، لكن ما علاقة الطعام بمشكلة التلوث والتغير المناخي؟.
رغم الشكل الجميل والمنظر الخلاب للزراعة والمزارع واللون الأخضر الذي يبعث على الراحة والطمأنينة والسعادة، إلا أن هذا الجمال يختبئ وراءه الكثير من الخطر، حيث وجد العلماء في دراسة أجرتها الوكالة الفيدرالية لحماية البيئة في الولايات المتحدة، بأن مسببات الاحترار المناخي هي خمسة عناصر رئيسية: الإنتاج الكهربائي، الزراعة، البناء، المواصلات/النقل، الصناعة، لكن حصة كل عنصر من ****اصر الخمسة كانت مفاجئة بعض الشيء فالجميع توقع أن تستحوذ الصناعة والسيارات (أي المواصلات) على الأغلبية لكن المخرجات من هذه الدراسة كانت كالآتي.إذًا الزراعة وكل ما يرتبط بها من تربية ماشية وإنتاج حيواني وصناعات غذائية تتسبب مجتمعة في حوالي ربع الاحترار المناخي المولد سنوياً والذي بسبب نتائجه الوخيمة تنتشر المعاناة والخسائر الصحية والاقتصادية المفجعة مثلما حدث الصيف الماضي، كل شيء بداية من زرع البذور حتى تعبئة وتغليف علب الطعام ثم شحنها إلى المستهلكين تتسبب في مشكلة أكبر للمناخ، ولو كنت تأكل هذه الأطعمة فأنت أصبحت جزءًا من المشكلة.
كيف تساهم الزراعة في الاحترار؟1. عندما نقوم بقطع الأشجار لتوفير المساحات للزراعة وتربية الماشية.2. عندما تهضم الماشية والحيوانات أطعمتها وتُخرج غازات.3. عندما تقوم الماشية بعمليات الإخراج (الفضلات).4. عندما نقوم بتصنيع الأسمدة وطعام الماشية.ولكي تتأكد المؤسسات الدولية والبيئة المعنية بهذه القضية أننا قد شعرنا بالذنب بشكل كامل وأننا ندرك بشكل واضح مساهمتنا اليومية في التلوث والتغير المناخي، يجب أن تعرف ما هي الأطعمة بالتحديد التي تساهم بشكل أكبر من غيرها في هذا التلوث وهي أطعمة اللحوم ومنتجات الألبان التي تساهم بـ 14.5% من إجمالي الانبعاثات السنوية على كوكبنا، لكن تختلف نسبة الانبعاثات من كل نوع طعام بحسب طبيعة زراعته وصناعته.
ومع ذلك، كيف يمكن أن نتوقف عن تناول لحوم البقر أو اللحوم بشكل عام!، هل يجب على الجميع أن يتحول ناحية التغذية النباتية!، ليس هذا شرطاً في نظر العديد من الباحثين؛ حيث يكفي أن يقوم البعض بالتحول ناحية نوع آخر أقل تلويثاً وأقل في بصمة التلوث التي يخلفها وراءه، فمثلاً يمكن استبدال قشريات المزارع السمكية بالدجاج، أو حتى تناول جميع الأنواع لكن بكميات أقل نسبياً.وفقاً لمحللي وباحثي معهد الموارد العالمية World Resources Institute، لو كل أمريكي قام باستبدال ثُلث الكمية التي يتناولها من اللحوم بالدجاج أو البقول، فإنه يكون قد ساهم بخفض الانبعاثات المرتبطة بالزراعة بمقدار 13% تقريباً في السنة!.من وجهة نظر العلماء، لو كنا نريد فعلاً إحراز نجاح في حربنا لمكافحة التغير المناخي فعلى جميع المزارعين ومربي الماشية أن يجدوا الطرق والوسائل لتقليل الانبعاثات الزراعية وأن يجعلوا أسواقهم أكثر كفاءة وأكثر إنتاجية بمساحة أراضٍ أقل مع تقليل اجتثاث الغابات، ومع زيادة عدد السكان الكبير كل عام فلا بد من السير بالتوازي على صعيدين:1. رفع الإنتاجية الزراعية على مساحات أقل دون الاقتراب من الغابات.2. الترويج لأنظمة التغذية التي تحتوي على لحوم أقل، مقصود اللحوم الملوثة وليست المطورة في المعامل.لكن في السنوات الأخيرة ظهر حل ثالث وهو اللحوم المصنعة معملياً، أي نفس اللحوم التي نأكلها من البقر أو الماشية لكنها مصنعة في معامل طُورت خصيصاً لهذا الغرض لمراعاة النمو السكاني والانبعاثات الكربونية، كانت أول براءة اختراع لهذا النوع من الأطعمة / الابتكارات المعملية صدرت في عام 2001 بالولايات المتحدة ومنذ ذلك الحين والصناعة في نمو مستمر.هذا النمو المستمر لم يكتسب زخماً إلا مؤخراً مع انتشار الظواهر المناخية القاسية خلال العام الجاري من فيضانات في ألمانيا وانهيارات للتربة في الصين والهند وسيول وفي نيجيريا وثلوج في البرازيل وطقس حار في فنلندا المتجمدة، مما نتج عنه تدهور كبير في إنتاجية المحاصيل الزراعية وإصابة وموت الآلاف حول العالم، بالإضافة إلى الخسائر في البنى التحتية للدول والتي تكلفت مئات المليارات.
لماذا يجب تحفيز نمو اللحوم المصنعة معملياً؟لأن اللحوم الآتية من الماشية في المزارع تستهلك 33% من الأراض و16% من المياه العذبة وتسبب 15% من الانبعاثات الكربونية (هذا بخلاف الزراعة والصناعات المرتبطة)، في العام الواحد يتم إنتاج 320 مليون طن من هذه اللحوم لتلبية الطلب العالمي، ولو أخذنا بالاعتبار الزيادات السكانية الهائلة فإنه من المتوقع أن تتزايد تربية المواشي بـ 70% حتى نصل إلى 2050.
*المقصود أن لو اللحوم المنتجة عبر ذبح الماشية تستهلك فدانًا من الأراضي فإن اللحوم المعملية تستهلك 1% من هذه المساحة، وهكذا على باقي المعايير الأربعة.
قبول الناس للمنتجات الجديدةهل سيتقبل المستهلكون هذه النوعية من اللحوم المستنبتة معملياً؟! وماذا لو حدث رفض هل سيفشل السوق الصاعد؟، في الحقيقة هذه الأسئلة الملحة والضرورية تفرض نفسها على مستقبل صناعة معامل اللحوم التي تستكشف طريقها نحو المستقبل وما زالت في مرحلة مبتدئة، لكن قبل 500 عام لم يكن الأوروبيون يتقبلون البطاطس على سبيل المثال، بعدها بعقود أصبحت طعاماً لذيذاً وشهياً في نظرهم، الأمور تتغير وتتبدل ومع وجود آلة إعلامية أكثر تطوراً مقارنة بما كنا عليه قبل خمسة قرون، فبالتأكيد الأمور ستكون أسهل.
تحالف الرأسماليين والمجتمع المدنييقول الملياردير "بيل جيتس" على مدونته الخاصة: "ببساطة، لا يمكن توفير طعام لتسعة مليارات نسمة مستقبلاً، وأيضًا لا يمكن الطلب من الجميع أن يصبحوا نباتيين، لهذا نحتاج إلى خيارات لإنتاج اللحوم بدون استنفاذ مواردنا"، كما أن آخرين قد انضموا لطابور الداعمين لتطوير معامل تصنيع اللحوم ومنهم جمعيات تناهض ذبح الحيوانات لأكل لحومها مثل جمعية PETA أو People for Ethical Treatment of Animals.
وهذا التنوع في مصادر الدعم الذي تحظى به هذه الصناعة الناشئة من المليارديرات الرأسماليين إلى جمعيات مناهضة ذبح الحيوانات إلى منظمات حماية البيئة والأحزاب الخضراء، كل هذا يعطي زخمًا كبيرًا في أنه يومًا ما قريبًا سوف تتوصل البشرية بعد جهود متراكمة من البحث والتطوير إلى منتجات مُصنعة معملياً قد تساعد في مواجهة الزيادة السكانية الهائلة المنتظرة مستقبلاً، والأهم أنها ستكون بسعر تجاري مساوٍ أو أقل من سعر لحوم الماشية، وطعم لذيذ يضاهي نظيرتها المنتجة من ذبح الماشية.المصادر: أرقام - الوكالة الفيدرالية الأمريكية لحماية البيئة - معهد موارد العالم – ذا إيكونوميست – وول ستريت جورنال.
مواقع النشر (المفضلة)