يزداد التساؤل عن موعد تصحيح أسعار الأسهم عندما تكون الأسعار في حالة ارتفاع وبشكل متواصل كما هو الحال في الأسواق الأمريكية هذه الأيام، وبشكل أقل في السوق السعودية، فهل يمكننا معرفة متى يأتي التصحيح؟ وهل يكون تصحيحا مؤقتا ومن ثم معاودة المسار الصاعد، أم يكون تصحيحا حادا، أو انهيارا يستمر أعواما طويلة؟لا شك أن هذه التساؤلات مهمة للغاية والجميع يبحث عن الإجابة عليها، لأننا ببساطة لو علمنا أن هناك انهيارا مقبلا، أو حتى تصحيحا مؤقتا، فبالطبع هناك كثيرون ممن سيقررون الخروج من أسواق الأسهم والاتجاه إلى قنوات استثمارية أخرى إلى أن يحين موعد العودة إلى أسواق الأسهم. لكن الأمور ليست بهذه البساطة، ومعظم التحليلات التي تدعي معرفتها موعد هبوط الأسعار كانت تفشل المرة تلو الأخرى. لماذا؟التنبؤ باتجاه أسعار الأسهم مسألة في غاية الصعوبة، ومصدر الصعوبة ليس في عدم وجود الأدوات الفنية والطرق المالية والتحليلات الاقتصادية الكافية لتشخيص أوضاع الأسهم الفردية والأسواق عموما، بل مصدر الصعوبة يأتي في تحديد وقت التصحيح. ما الطرق المعروفة لاكتشاف تضخم الأسعار، وبالتالي احتمال حدوث الانهيارات أو على الأقل التصحيحات السعرية الحادة؟يأتي في المقام الأول مكرر الربحية كأحد أبرز المؤشرات لتضخم الأسعار، وهو بكل بساطة مقياس يقارن سعر السهم بربحية الشركة، ومن خلال تجميع مكررات الشركات نستطيع معرفة مكرر الربحية للسوق بشكل كامل. لذا عندما تكون ربحية السهم الواحد لأي شركة تساوي ريالين، على سبيل المثال، وسعر الشركة حاليا 50 ريالا، فإن مكرر الربحية يكون 25، وهذا يعني لو أن الشركة قامت بتوزيع جميع أرباحها على المساهمين، فإن العائد للمستثمر يكون 4 في المائة، أي ريالان تقسيم 50 ريالا. لكن هذه البساطة تخفي خلفها كثيرا من التفاصيل الدقيقة والمؤثرة في تفسير معنى مكرر الربحية، بدءا بالتساؤل عن أي أرباح نحن نتكلم؟ هل نقارن سعر السهم بأرباح العام المالي الماضي؟ أم بأرباح الـ12 شهرا الماضية، أم بمتوسط أرباح الخمسة أو العشرة أعوام الماضية، ما يعرف بمكرر cape؟ أم بالأرباح المتوقعة للـ12 شهرا المقبلة؟الحقيقة إن جميع هذه الطرق تستخدم في قياس مكرر الربحية، وكل واحدة تعطي نتيجة مختلفة، لذا أصبح الاعتماد على مكرر الربحية يحتاج إلى الاتفاق على بعض الفرضيات لتكون المقارنة سليمة. ورغم ذلك لا يزال مكرر الربحية المبني على نتائج أخرى أربعة فصول هو السائد. إذن كم يبلغ هذا المكرر بالنسبة للأسواق الأمريكية وبالنسبة للسوق السعودية؟بحسب مجلة “بارونز” الشهيرة يبلغ مكرر الربحية لمؤشر s&p500 نحو 29 وبالنسبة لمؤشر داو جونز 22، ومثل هذه القيم تعد مرتفعة عن المتوسطات التاريخية لهذين المؤشرين، لكنها ليست قيما حادة جدا، ولا تزال أقل من مكررات الربحية التي سبقت انهيارات عام 2000.ماذا عن السوق السعودية، كم هو مكرر الربحية للمؤشر العام للأسهم؟حاليا مكرر الربحية للسوق السعودية يبلغ 26، وهذا لا يشمل نتائج الشركات الخاسرة، ويعد هذا المكرر مرتفعا نسبيا، لكن ليس بشكل حاد.هذا ما يخص النظر إلى مكرر الربحية كوسيلة لاكتشاف تضخم أسعار الأسهم، لكن هناك مؤشرات أخرى ينظر إليها كذلك، ومنها نسبة الأرباح الموزعة التي عندما تكون منخفضة عن المتوسط التاريخي تدل على ارتفاع سعر السهم أو ارتفاع سعر السوق ككل، وذلك لأن طريقة حسابها تتم بقسمة الأرباح الموزعة على سعر السهم، فكلما ارتفع سعر السهم مع بقاء الأرباح الموزعة بالمقدار نفسه، تنخفض النسبة، وهي في السوق السعودية لا تزال بحدود المتوسط عند نحو 2.5 في المائة.أحد المؤشرات الأخرى عبارة عن مقارنة القيمة السوقية لسوق الأسهم بالناتج المحلي الإجمالي للدولة، فإذا كانا متساويين أو قريبين جدا لبعض تكون أسعار الأسهم معقولة، فمثلا لو أن القيمة السوقية للأسهم 1.5 ضعف حجم الاقتصاد فيؤخذ ذلك على أن هناك تضخما في أسعار الأسهم. حاليا حجم الاقتصاد السعودي يقارب ثلاثة تريليونات ريال، والقيمة السوقية الكلية للأسهم نحو ثلاثة تريليونات ريال، دون شركة أرامكو. أما بالنسبة لأمريكا، فهذا المؤشر أعلى من 1.0 وذلك بقياس القيمة السوقية لمؤشر “ويلشاير” الذي يمثل جميع الأسواق الأمريكية، ومقارنة ذلك بالناتج الأمريكي، حيث تأتي قيمة المؤشر حاليا عند نحو 1.25.ما تأثير التضخم الاقتصادي في مكرر الربحية؟هناك علاقة بين مكرر الربحية المقبول للمستثمرين ومستوى التضخم الحالي والمستقبلي، بمعنى لو أن شركة لديها ربحية حاليا بمقدار دولار للسهم الواحد، وسعر السهم 20 دولارا، فتكون قيمة مكرر الربحية 20، لكن لو أنه معروف أن هناك تضخما في الأسعار بنسبة 10 في المائة، فبهذه الحالة نعلم أنه لو بقي سعر السهم 20 دولارا كما هو عليه الآن، فسينخفض مكرر الربحية العام المقبل لأن الأرباح سترتفع بالمتوسط 10 في المائة بسبب التضخم. أي: ستكون ربحية السهم الواحد 1.10 دولار، ويكون مكرر الربحية 18، لذا فإن بعض المستثمرين يتغاضون عن مستور مكرر الربحية الحالي لأنه سينخفض لاحقا بسبب التضخم الاقتصادي المتوقع للعام المقبل.نحتاج كذلك إلى النظر إلى أسعار الفائدة لما لذلك من تأثير في أسواق الأسهم من عدة جوانب، أهمها أن ارتفع أسعار الفائدة يرفع من العوائد على السندات، الحكومية وغير الحكومية، وبالتالي يكون هناك تنافس بين الاستثمار في السندات وبين الاستثمار في الأسهم. لا تزال أسعار الفائدة منخفضة في المملكة وفي أمريكا، لكن هناك بوادر تحركات من الفيدرالي الأمريكي لرفع مستويات الفائدة لمواجهة تضخم الأسعار، وبالتالي فإن أي ارتفاع في عوائد السندات سيسحب معه نسبة معينة من المستثمرين من الأسهم إلى السندات. ومع ذلك حتى الآن لا تزال عوائد السندات منخفضة، حيث نجد أن عوائد السندات الحكومية الأمريكية لمدة عشرة أعوام لا تزال بحدود 1.5 في المائة.الخلاصة هي أن محاولة معرفة توقيت تصحيح أسعار الأسهم غير ممكنة، لكن هناك مؤشرات تستخدم لهذا الغرض، وعندما تشير إلى وجود تضخم كبير في الأسعار، يتبقى تحديد موعد حدوث ذلك، وهو أمر صعب للغاية، إضافة إلى أن معظم المؤشرات حاليا لم تصل إلى المستويات الحرجة التي تسببت في حركات تصحيحية حادة في الماضي.وأخيرا بالنسبة للسوق السعودية فجميع المؤشرات تدل على أن السوق السعودية بأفضل حال عن السوق الأمريكية، حيث رأينا مكرر الربحية أقل، ونسب توزيعات الأرباح معتدلة، ومقارنة حجم سوق الأسهم بحجم الاقتصاد ليس بأعلى من 1.0.
مواقع النشر (المفضلة)