1227 دولارًا عن كل رأس! .. كيف حاولت شركة أمريكية إقناع الحكومة التشيكية بفوائد التدخين؟
بينما تمشي إلى جانب طفلك الصغير بالشارع يقترب منك أحد الباعة الجائلين ويعرض عليك شراء حلوى للطفل مصنوعة من مواد تجهلها ومقلية في وعاء ممتلئ بالزيوت المهدرجة، حرصًا على صحة طفلك وحماية له من الضرر المتوقع من أكله لهذه الحلوى تعرض عن البائع وترفض بأدب أن تشتري منه.
ولكن البائع لا يستسلم، وفي محاولة منه لإقناعك بالعدول عن قرارك يباغتك قائلًا: "أنا أتفق معك أن هذه الحلوى ستضر الطفل صحيًا، ولكن لماذا لا تنظر إلى الجانب المشرق في الأمر؟ فأكل طفلك للمزيد من هذه الحلوى ربما يؤدي لوفاته وهو لا يزال في مقتبل عمره، مما يخلصك من أعباء الإنفاق عليه لسنوات!!."
هذا المنطق الغريب هو ذاته حرفيًا الذي لجأت إليه شركة التبغ الأمريكية الشهيرة "فيليب موريس" في عام 2000 أثناء سعيها لإقناع الحكومة التشيكية بالعدول عن إجراءات صارمة تهدف لتضييق النطاق على التدخين والمدخنين في البلاد.
كيف ستفيد الدولة المدخنين؟
في عام 1999 تقدمت وزارة الصحة التشيكية بخطة إلى الحكومة تقترح خلالها فرض إجراءات صارمة لمكافحة التدخين، كان من بنودها على سبيل المثال حظر بيع السجائر للمراهقين، ومنع التدخين في مكاتب البريد والمحاكم والحافلات والترام، فضلًا عن حظر بيع السجائر في الأكشاك والمطاعم والفنادق ومحطات البنزين.
في ذلك الوقت كانت الحكومة ترغب في أن تخفف الأعباء المالية التي تتحملها نظير الرعاية الصحية للمرضى من المدخنين، لكن خوفًا من التأثير السلبي لتلك الإجراءات على إيراداتها، سارعت شركة التبغ الأمريكية "فيليب موريس" التي كانت تسيطر على أكثر من 80% من سوق السجائر في التشيك إلى محاولة إقناع الحكومة بعدم تنفيذ هذه الخطة لما ادعت أنه ضرر اقتصادي واضح.
وفي عام 2000، قامت الشركة الأمريكية المالكة للعلامة التجارية "مارلبورو" بتكليف شركة "آرثر ليتل إنترناشونال" بإجراء دراسة لقياس آثار التدخين على الميزانية العامة لجمهورية التشيك في عام 1999.
وفي نوفمبر من نفس العام انتهت الشركة من الدراسة التي خلصت فيها إلى أن التدخين مفيد اقتصاديًا للدولة التشيكية؛ لأنه حقق لها صافي ربح قدره 5.8 مليار كورونة تشيكية (حوالي 150 مليون دولار) في عام 1999، وهي الأرباح التي تحققت بفضل عدة عوامل أهمها؛ تتسبب السجائر في الموت المبكر للآلاف من المدخنين سنويًا مما يوفر للدولة الأموال التي كانت تدفعها لهم في صورة معاشات ورعاية صحية.
بحسب الدراسة، كلّف التدخين الدولة 15.6 مليار كورونة (403 ملايين دولار) في عام 1999، ولكن في المقابل جنت الدولة خلال نفس العام 22 مليار كورونة (522 مليون دولار) من الضرائب التي تفرضها على السجائر، بالإضافة إلى توفيرها لحوالي 1.2 مليار كورونة (31 مليون دولار) من أموال المعاشات؛ لأن مستحقي هذه الأموال (22 ألف شخص) ماتوا بسبب التدخين.
تسريب واعتذار
بهدوء وفي سرية تامة قدمت "فيليب موريس" الدراسة إلى الحكومة التشيكية بغرض إقناعها بالعدول عن الإجراءات الصارمة التي تعتزم اتخاذها لمكافحة التدخين، ولكن في يوليو 2001 حدث ما كانت تخشاه الشركة الأمريكية، حيث سرب أمر الدراسة للصحافة في التشيك والولايات المتحدة.
وشنّت الصحف التشيكية والأمريكية وكذلك المنظمات النشطة في مجال مكافحة التدخين هجومًا كاسحًا على "فيليب موريس" دفعها للمسارعة بتقديم الاعتذار علنًا، والاعتراف بأنه ما كان ينبغي لها أن تجري دراسة مثل هذه.
في السادس والعشرين من يوليو 2001 أصدرت "فيليب موريس" بيانًا قالت فيه "إن قيام واحدة من الشركات التابعة لنا بإجراء هذه الدراسة هو خطأ فادح، كل مَن في الشركة يشعر بالأسف الشديد تجاه هذه الدراسة، لا يمكن لأحد أن يستفيد أبدًا من الأمراض الحقيقية والخطيرة التي يسببها التدخين، إن الدراسة تجاهلت بشكل تام وغير مقبول القيم الإنسانية الأساسية".
في الوقت نفسه أكدت المتحدثة باسم "فيليب موريس" أن الشركة الأمريكية التي تتخذ من نيويورك مقرًا لها أرسلت خطاب اعتذار إلى كل من وزير الصحة ورئيس البرلمان التشيكيين، وداخليًا، سارعت الشركة إلى إلغاء دراسات مشابهة كانت تنوي تقديمها إلى حكومات كل من بولندا وسلوفاكيا والمجر وسلوفينيا.
"وحشية" و"سيئة للغاية"
في الولايات المتحدة كان للدراسة صدى إعلامي أكبر من نظيره في التشيك؛ ففي إطار تنديدها بالدراسة نشرت إحدى المنظمات المناهضة للتدخين إعلانًا في جميع الصحف الأمريكية تقريبًا تظهر فيه جثة لشخص ربط في الإصبع الأكبر لإحدى قدميه ورقة مكتوب عليها 1227 دولارًا وذلك في إشارة إلى المبلغ الذي قالت الدراسة إن التشيك ستوفره عن كل مدخن يموت.
في سياق آخر، أشار أكاديميون إلى أن الدراسة التي أجرتها "آرثر ليتل إنترناشونال" اعتمدت على تحليل اقتصادي معيب وغير مكتمل، حيث إنها لم تأخذ في اعتبارها سوى واحد من الأبعاد الاقتصادية للتدخين، وهكذا قدم التحليل صورة مضللة للعواقب الاقتصادية لاستهلاك السجائر في التشيك.
على سبيل المثال، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة ميتشيجان "كينيث وارنر": "إن الدراسة معيبة بشكل خطير لأنها أغفلت مثلًا الأثر الاقتصادي الذي سيحدث لو توقف المدخنون عن شراء السجائر وأنفقوا أموالهم بدلًا من ذلك على سلع أخرى".
وربما أفضل ما يختم به هذا التقرير هو تعليق صحيفة "ملادا فرونتا دينس" التشيكية على الدراسة والتي وصفتها بأنها "وحشية و"سيئة للغاية"، مضيفة أن "فيليب موريس" لا تجرؤ على إجراء دراسة مثل هذه في الولايات المتحدة، كما أشارت إلى أن الشركة الأمريكية حين لاحظت انخفاض عدد المدخنين بالبلاد في منتصف التسعينيات قامت في هدوء بالتركيز على المراهقين، وأقنعتهم بأن التدخين من صفات الرجولة، ليرتفع عدد المدخنين بالبلاد مرة أخرى.
مواقع النشر (المفضلة)