عندما تكشفت تفاصيل تخلف صندوق "أركيجوس" الأمريكي عن الوفاء بالتزاماته المالية للبنوك التي سمحت له باقتراض الأموال و**** الأسهم باستخدام خاصية "الهامش"، كانت هناك مخاوف حقيقية من أن يترتب على الأمر انهيار مالي واسع النطاق.صحيح أن الأمر مر بسلام واستوعبت الأسواق في هدوء تام فكرة أن بعض البنوك تكبدت مليارات الدولارات من الخسائر بين عشية وضحاها، أو أن هذه المصارف اندفعت تمامًا مثل عديمي الخبرة للتخلص من حيازات الصندوق، وهو الوضع الذي أثر بشكل كبير على أسعار الأسهم.لكن الواقعة سلطت الضوء على بعض العيوب في الأسواق، وكيف مثلًا أن مجال إدارة ثروات العائلات تضخم دون رقابة كافية، وأيضًا تجادل الخبراء حول الجدوى والخلل في استخدام خاصية التداول بالهامش.مع ذلك، قلل "رالف هامرز" الرئيس التنفيذي لمصرف "يو بي إس" من الأمر، قائلًا إن انهيار صندوق "أركيجوس" شكل ضربة لأعمال البنك لكنها تعتبر "حدثًا فريدًا"، ولا يمثل فشلًا منهجيًا، حيث كان هناك نقص في الشفافية، ولن يتم قبوله بعد الآن، حيث تعلم المصرفيون الدرس.وذلك رغم أن البنك الذي يعد أكبر مدير ثروة في العالم، كشف عن ضياع 774 مليون دولار من الإيرادات خلال الربع الأول، بسبب تخلف "أركيجوس" عن السداد، مما قلل من نتائج أعمال البنك مقارنة بالتوقعات رغم النشاط المرتفع للعملاء.ربما يكون الأمر كذلك بالنسبة للبنوك فعلًا، وقد يكون من السهل عليها استيعاب الخسائر الفصلية بسبب "أركيجوس"، لكن حقيقة أن الواقعة كشفت عن عيوب أساسية في النظام، لا يمكن تجاهلها، تمامًا مثل مسألة إساءة استخدام الضمانات.خلل في المنظومة- قام صندوق التحوط "أركيجوس" ب**** الأسهم الصينية والأمريكية بشكل مصطنع نوعًا ما باستخدام المشتقات المعروفة باسم مقايضات حقوق الملكية ذات العائد الإجمالي.- لا تتطلب المعاملات خارج الميزانية العمومية دفع سعر ال**** الكامل، ولكن مجرد الموافقة على تلبية ما يسمى بطلبات الهامش، وهي مدفوعات يتم سدادها للطرف المقابل (المقرض) للمساعدة في تغطية الخسائر المحتملة في مراكز التداول.- عبر هذه الخاصية كان "أركيجوس" يودع مبلغًا مقدمًا، يعرف بالهامش الأولي، مقابل مخاطر حدوث تحرك كبير في السوق أو عدم سداد مدفوعات نداء الهامش، وهي مدفوعات على المستثمر سدادها حال انخفضت قيمة الأصول التي اشتراها باستخدام أموال مقترضة.- نظرًا لأن الهامش الأولي هو جزء بسيط من قيمة الأسهم، فإن مثل هذه المقايضات تسمح للمستثمر بإنشاء مركز كبير باستخدام رافعة مالية تصل إلى 10 أضعاف قيمة استثماره الحقيقي، وهو ما جعلها محل انتقاد دائم خاصة بعد انهيار الصندوق.- يسمح التداول بالهامش الذي لا يمتلك أموالا كافية بالحصول على تمويل من الوسيط لبناء المحفظة التي يريدها، ويكون الأصل الذي اشتراه هو الضمان. مثلًا يطلب من الوسيط (البنك) فتح حساب هامش ويضع فيه نصف أو ربع قيمة المحفظة المستهدفة ويقوم المصرف بتمويل المبلغ المتبقي.- تظل الأسهم المشتراة ضمانًا يمكن للمقرض التصرف فيها إما ببيعها أو تملكها مباشرة. يحدد المصرف مستوى لحساب المستثمر بالهامش لا يجب أن يقل عنه، وبالتالي إذا كانت الأسهم في حالة انخفاض سيكون على المستثمر إيداع المزيد من الأموال أو الأوراق المالية للحفاظ على الحد الأدنى للقيمة المطلوبة، وهذا يعرف بـ"هامش الصيانة".- إذا لم يتمكن المستثمر عند مرحلة ما الوفاء بهذا الالتزام، تحين وقتها لحظة "نداء الهامش" أو "طلب الهامش"، ويحق للوسيط استخدام الأصول في محفظة المستثمر للوصول إلى حد التغطية أو ببساطة استرداد قيمة القرض، وقد ينتهي الأمر بالمستثمر مدينًا بالمال للوسيط حتى بعد تصفية حيازته كاملة.عيوب الممارسة- في أعقاب عام 2008، سارع المنظمون إلى تسريع استخدام الضمانات لتأمين تعرض المصارف "للمشاركين في ما يعرف ببنوك الظل" مثل صناديق التحوط، ومع ذلك، ظل النظام المالي دائمًا معيبًا.- أولًا، قد يكون الهامش الأولي منخفضًا جدًا، حيث إنه يعتمد على التقلبات التاريخية، وهناك فترات ممتدة من الاستقرار غير العادي والمخلق بشكل مصطنع، وهذه الأسواق الصعودية تزيد من مخاطر عدم كفاية الهوامش الأولية.- يؤدي الضغط لزيادة حجم أعمال البنوك إلى التقليل من القلق بشأن السلامة والرافعة المالية المفرطة، ويقوم الوسطاء في كثير من الأحيان بخفض مستويات الضمانات لصناديق التحوط في سباق نحو اجتذاب العملاء.- ثانيًا، تحدث نداءات الهامش اللاحقة بعد تحرك السعر مع إعطاء الأطراف المقابلة وقتًا للوفاء بالمدفوعات اللازمة، وعندما تكون هناك تحركات كبيرة وسريعة في اتجاه واحد، يمكن أن تتآكل الحماية الممنوحة بسرعة.- في هذه الحالة، انخفض سهم "Viacom"، أحد الحيازات الأساسية التي راهن عليها "أركيجوس"، بشكل حاد عند الإعلان عن بيع أسهم بقيمة 3 مليارات دولار وتراجع تصنيف المحللين، وبمجرد أن تتجاوز الخسائر هوامش الربح المعلنة، يتعرض مزود المشتقات لمخاطر ائتمانية.- ثالثًا، كانت النقدية أو الأوراق المالية عالية الجودة (الحكومية عادةً) هي الشكل الرئيسي للضمانات المقبولة، لكن على نحو متزايد، أصبحت مجموعة واسعة من الأوراق المالية بما في ذلك الأسهم مؤهلة.- يعني ذلك أنه يمكن تقليل القيمة المعترف بها كضمان. لسوء الحظ، فإن هذا يعرض العملية برمتها لنفس المشاكل في تحديد الهوامش الأولية، كما أنه يقدم "ارتباطًا خاطئًا"، حيث تزداد المخاطر الأساسية في نفس الوقت الذي تنخفض فيه قيمة الضمان.نقاط الضعف مجتمعة- يحتاج النظام بأكمله إلى القدرة على تداول الأوراق المالية المكتسبة والضمانات في إطار زمني قصير، وهذا الافتراض مشكوك فيه حيث يتم استخدام المقايضة للوصول إلى لأسهم في بيئة السيولة المتناقصة، وفي حالة "أركيجوس"، ربما تفاقمت المشاكل بسبب حافظة عالية التركيز في الأسهم الأقل تداولًا.- يبدو أن جميع العوامل المذكورة أعلاه كانت موجودة في تجربة "أركيجوس" وكانت هناك مكونات أخرى مألوفة مثل جشع البنوك لتوليد الرسوم، والتراخي في إدارة المخاطر، والخبرة غير الكافية، وأوجه القصور في نماذج المخاطر والقضايا التشغيلية.- كالعادة، بعض البنوك المتضررة الحريصة على حماية نفسها، هرعت إلى تصفية مراكز الصندوق. قد يؤدي هذا الهلع والتحرك غير المنظم إلى زيادة المشكلة، والمفارقة هنا هي أن الخسارة الإجمالية، التي يقال إنها بلغت 10 مليارات دولار، قد تكون على الأقل 50 إلى 100 ضعف الرسوم المكتسبة من هذه المعاملات.- يبدو أن المشاكل في "أركيجوس" حتى الآن قد تم احتواؤها، مع استيعاب المؤسسات المتضررة ومساهميها للخسائر، لكن المشاكل النظامية حول استخدام الضمانات لا تزال قائمة، ورغم إبداء المنظمين للقلق فإنه من غير المرجح حتى الآن أنهم سيتعاملون مع القضية الأساسية المتمثلة في أن النظام المبني على المضاربة بالرافعة يضر بالاستقرار المالي.المصادر: أرقام- فايننشال تايمز- إنفستوبيديا- رويترز
مواقع النشر (المفضلة)