على مدى التاريخ الإنساني وجد صراع خفي بين جيل الشيوخ وجيل الشباب..الشباب - في الأعم - يشكون من تحكُّم الآباء، وعدم تفهمهم، وربما من تشددهم وجمودهم ومطالبتهم بعودة عقارب الساعة إلى الخلف..وجيل الشيوخ يتهم الشباب - في الغالب - بالاستخفاف وعدم الجد والتفريط في الكثير من العادات الموروثة والميل للترف والكسل والانبهار بسلوك جديد لا تقبله نفوس الشيوخ..وقديماً قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(لا تُجبروا أولادكم على أخلاقكم، فإنهم خُلقِوا لزمانٍ غير زمانكم..)والفاروق من العباقرة النوادر في تاريخ البشر: أقواله عميقة وقليلة، وأعماله عظيمة وجليلة..ونجد في تراثنا الأدبي - وفي المأثور الشعبي أيضاً - أن كل جيل يذم الجيل القادم، ويتحسر على الجيل المندثر.. إلا ما ندر..ويحسن بجيل الشيوخ أن يعوا حكمة الفاروق ويعملوا بها، فلا يجبروا أولادهم على عاداتهم هم، فإن الزمن يتغير وإذ لا يشعر الشيوخ بهذا التغير فإن الشباب يشعرون به جيداً لأنهم هم الذين يواكبونه ويعيشونه بل ويشاركون في إحداث التغيير..ومن صالح الأجيال أن يظل هناك خيط رفيع يصل بين الجيل القديم والجيل الجديد، بحيث يستفيد الشباب من تجارب الآباء والأجداد، ويلقى الآباء القبول من أولادهم والانسجام معهم عبر هذا الخيط الذي يشبه (شعرة معاوية) في مرونته..إن الجيل الجديد إذا قطع ذلك الخيط الرفيع مع الجيل القديم أصبح أشبه بالبالون الكبير المنطلق في أغوار الفضاء بدون خيط مرن يتيح له حرية الحركة والوقوف على أرضٍ صلبة.. وبدونه يضيع البالون في الكون الفسيح.كما أن الجيل القديم إذا أراد ربط الجيل الجديد بقيد غليظ ثقيل فإنه سيقطعه وينعدم التواصل وتضيع الأواصر.
مواقع النشر (المفضلة)