.
القرآن إذا حكى الأقوال فإنه يأتي بألفاظٍ تعبر عن مقصود القائل تمامًا، وإن اختلفت لغته
عندما نقول عن هؤلاء المحرفون أنهم يطعنون فنحن لا نتهمهم بالتعمد والقصد، ولكن نبين أن هذا ما يؤدي له كلامهم، فمن تبين له أن هذا يؤدي إلى الطعن فعليه أن يترك هذا الإسلوب.
فنحن علينا أن نكشف ما تنطوي عليه هذه التحريفات من الخطأ والخطر .
تابع :
قال علي منصور كيالي : أن إبراهيم عليه السلام طلب من الكافر أن يعكس دوران الأرض .
أقول : لا يستقيم هذا القول إلا إذا افترضنا أن إبراهيم عليه السلام والمدعي الكافر ، يقولان بدوران الأرض وأن لديهما علم بهذا الأمر .
ولكن لو قلنا بهذا القول، فإن هذا فيه طعن في عقل إبراهيم عليه السلام وفي فطنته وإضعاف لحجته ، كيف ؟
هذا القول فيه اتهام لإبراهيم عليه السلام بالعي وأنه لا يعرف كيف يعبر عما في نفسه، وفيه أيضًا اتهام لإبراهيم عليه السلام بأنه ضعيف في المناظرة وأنه أُغلق عليه وارتج فبدلًا من أن يقول : اعكس دوران الأرض ، طلب منه أن يعكس دوران الشمس !
فإذا كان هو والكافر يعلمان أن الشروق والغروب نتيجة دوران الأرض ، فكيف يتكلم عن الشمس ؟
ثم أن الآيات بينت وأوضحت أن هذا الكافر من أصحاب المغالطات ، فحتى لو فهم المقصد فإنه يتظاهر بعدم الفهم ويحاول تشتيت المستمعين بما يضعف الحجة !
فعندما قال إبراهيم عليه السلام: ( ربي الذي يحيي ويميت ) بالرغم أن المقصود واضح، قال الكافر : أنا أُحيي وأُميت ! فتظاهر بعدم الفهم، ونقل المعنى إلى معنى آخر بقصد التشتيت .
لكن الخليل عليه السلام تفطن لهذا، فلم يشرح له مقصده لأن مقصده كان معلومًا، وتبين له أن هذا مُغالط ويجادل حتى لو فهم المقصود، فجاء بلفظ صريح وبيان واضح لا يقبل المغالطة فقال: ( فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب )
فلو كان المطلوب أن يعكس دوران الأرض، لقالها بلفظ صريح ( اعكس دوران الأرض ) أو لقال كما يقول المهووسون بالنظرية ( فإن الله يرينا الشمس تأتي من المشرق فاجعلنا نراها تأتي من المغرب )
فلو كان هذا المطلوب فإن الجملة التي قالها إبراهيم عليه السلام ليست صريحة، ولاستغلها هذا الكافر في المغالطة والتشتيت ، فسيسخر ضاحكًا كما يسخر بعض الناس اليوم ولقال: يا إبراهيم الأرض تدور وحركة الشمس حركة ظاهرية، فهي لا تأتي ولا يؤتى بها، وهذه حقيقة علمية ثابتة ..... إلخ !
ولقال بعض أدعياء العلم منهم أن إبراهيم - عليه السلام - جعل المؤمنين به سخرية وأضحوكة !
فهذه عادة أهل الباطل إلى اليوم فبمجرد أن يغلط أحد من أهل الحق في كلمة أو يفهموها هم فهمًا خاطئًا لرأيت السخرية والتهكم والضحك منه، بقصد التنفير عنه، بل حتى وإن فهموها فهمًا صحيحًا فإن وجدوا إمكانية للتحريف لفعلوا وسخروا آلتهم الإعلامية للسخرية والاستهزاء، ولا يمكن أن نعتقد في إبراهيم عليه السلام أن يترك لهم فرصة، فكيف وهو في مناظرة عن ربوبية الخالق؟!
فتبين بهذا، أن هذا القول فيه طعن في الخليل عليه السلام وإضعاف لحجته ! ونحن نعلم أن إبراهيم عليه السلام أعلم من هؤلاء المهووسون بما يقول، وأنه أفصح لسانًا منهم .
وكلامي هنا يتناسب مع كلا قولي علماء الأصول والتفسير ، فسواءً قيل أن إبراهيم عليه السلام انتقل من حجة إلى حجة أو قيل أنه عليه السلام طلب من الكافر أن يطرد دعواه، فلا يتعارض ردي هذا مع أحدهما، وإن بدأ في ظاهره مع القول الأول.
لنا لقاء أخير بمشيئة الله
<
.
مواقع النشر (المفضلة)