بعد تجاوزها 9 تريليونات دولار .. كيف سيتصرف الفيدرالي في "أصوله" بعد رفع الفائدة؟ (argaam.com)
مع ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يوم الأربعاء الماضي، رفع سعر الفائدة لأول مرة منذ عام 2018، حيث رفعه بمعدل ربع في المئة ليتراوح بين 25.0% و5.0%، مضيفا في بيان له أن تمرير مزيد من الزيادة "سيكون مناسبا".
ويتوقع الكثير من المحللين استمرار الاحتياطي الأمريكي في رفع الفائدة بشكل متدرج هذا العام لتصل إلى مستوى 1.75%، بمعنى أنه من المنتظر رفع الفائدة ربعاً في المائة لست مرات أخرى لمحاولة السيطرة على التضخم، وسط توقعات ببلوغ الفائدة مستوى 2.8% العام المقبل.
"أصول الفيدرالي"
وكان هذا استخدام من جانب المركزي الأمريكي لأداة سعر الفائدة، فماذا عن أداة ميزانيته التي تضخمت بفعل برنامج كورونا الطارئ، التي يتوقع كثيرون خفضها بما سيؤدي إلى سحب سيولة من السوق المالية؟
وتعبر ميزانية مجلس الاحتياط الفيدرالي عن كل الأصول التي يشتريها. والسؤال يبقى (لماذا يتدخل البنك في شراء الأصول في اقتصاد يفترض به أن يكون "حرا"؟).
والإجابة أنه في وقت الأزمات الاقتصادية غالبا ما يميل الناس للحفاظ على مدخراتهم بشكل آمن بعيدا عن شراء السندات الحكومية أو للشركات، ولذا يكون هناك تمويل أقل لسندات الشركات وبالتالي لا تستطيع تمويل مشاريعها وتضطر للتخلي عن العمالة بما يدعم دورة الانكماش للاقتصاد.
ولكي يتجنب البنك ذلك يقوم بشراء بعض الأصول والسندات لكي تبقى الأسعارعند مستوى مقبول يضمن عدم دخول الاقتصاد في دورة انكماشية جديدة، ويبقى القطاع الخاص قادرا على المنافسة، أي أنه يقوم بشكل ما بـ"تعويض دور الطلب على الاستثمار والأصول".
والمشكلة في ذلك أنه من المفترض أن يقوم البنك الفيدرالي بشراء الأصول بحيث يحافظ على سعرها ويساهم في زيادة المعروض النقدي في الأسواق وبالتالي يساهم في حالة من الرواج، ولكن يفترض به أن يبيع تلك الأصول مع تحقق الرواج وهو ما لم يحدث بالضبط في الحالة الأمريكية.
توسع كبير
فالشاهد أن ميزانية مجلس الاتحادي الفيدرالي شهدت توسعا لافتا بسبب المخاوف من كساد يشبه الكساد الكبير مع الأزمة المالية عام 2008 لترتفع في خلال عام واحد حينها من 900 مليار إلى تريليوني دولار في زيادة لافتة للغاية.
أما مع عامي كورونا فقد دخل البنك عام 2020 بميزانية تبلغ 4.1 ترليون دولار، وظلت ترتفع باستمرار حتى بلغت 8.8 تريليون دولار مع نهاية العام المنصرم بزيادة أكثر من الضعف في عامين (مع استمرار ضح 120 مليار دولار في الاقتصاد تخطت الأصول حاجز 9 تريليونات دولار بالفعل في 2022).
لذا فقد ثارت انتقادات عدة عن سبب استمرار مجلس الاحتياط الفيدرالي في استخدام ميزانيته في الإنفاق في الوقت الذي حققت فيه الولايات المتحدة أطول دورة اقتصاد توسعية في تاريخها بعد عام 2009 (تحديدا شهر يوليو).
ففي هذا الوقت كان ينبغي -وفقا للمنتقدين- أن يبيع البنك ما لديه من أصول بشكل تدريجي في السوق، بحيث لا يضر بحالة الرواج القائمة وفي نفس الوقت يعيد "التوازن الطبيعي" بين العرض والطلب في السوق للعمل بدلا من الإبقاء على تدخله كعنصر مؤثر طيلة هذا الوقت.
لا وعود صريحة
وكان هذا غريبا بالتحديد بسبب استخدام "شيكات كورونا" وبرامج التمويل التحفيزي التي ضخت في الاقتصاد الأمريكي قرابة 3 تريليونات دولار في شرايين الاقتصاد الأمريكي لتجنيبه الركود، لذا فقد كان إنفاق الاحتياط الفيدرالي المستمر محل تساؤل لأنه ربما يكون مفيدًا بشكل آني لتلافي الركود لكنه ضار مستقبليًا بالتأكيد بالوصول لتضخم محقق.
ولم يذكر مجلس الاحتياط الفيدرالي صراحة خطته المستقبلية بشأن أصوله، ولكن رئيسه "جيروم باول" كشف عن أن مايو المقبل سيكون موعد "صفر إنفاق" من جانب البنك، لكنه لم يتناول خطط لبيع الأصول "الضخمة" المملوكة للبنك بالفعل.
وربما يكون إعادة بيع بعض أصول الاحتياط الفيردالي مهمة بعد أن وصل التضخم الآن إلى أعلى مستوياته في أربعة عقود عند 8٪ على الأقل، وسط توقعات بأن يرتفع أكثر، ربما فوق 10٪ بسبب تداعيات حرب أوكرانيا ورفض "بايدن" الحد من قواعده المقيدة لإنتاج النفط في الولايات المتحدة، والذي كان محركًا رئيسيًا لارتفاع التكاليف منذ اليوم الذي تولى فيه منصبه.
ماذا سيحكم المستقبل؟
ولكن الأزمة التي ستواجه البنك المركزي الأمريكي، والذي يعتبره البعض بمثابة أكبر مؤسسة منفردة تؤثر على الاقتصاد العالمي، أن الأمر لم يعد يتعلق فقط بالتضخم، ولكن الركود الذي يلوح في الأفق قد يقيد عمليات بيع الأصول (رغم توقع البنك نمو الاقتصاد بنسبة 2.8% في 2022).
فلا أحد يريد سحب السيولة من أسواق تواجه شبح الركود لأسباب عدة منها: تداعيات "كورونا"، ومشاكل سلسلة التوريد، وهوامش الربح المفرطة لبعض الشركات في ظل "عدم اليقين" وآثار الحرب التجارية للرئيس الأمريكي السابق "ترامب" مع الصين، والقيود الحمائية التي ظهرت بشكل متصاعد مؤخرا، والحرب الأوكرانية.
إذن فالأزمة الحقيقية التي تواجه الفيدرالي الأمريكي أنه لم يسيّل ما لديه من أصول مع الدورة الاقتصادية النامية، لتصبح مشكلته الحقيقية حاليًا في دورة اقتصادية "غير قاطعة" تعطي إشارات النمو وعلامات الانكماش في آن.
ليبقى الكشف عن مستقبل الاحتياطات مرهونا بعدة عوامل أولها نجاعة الفائدة منفردة في علاج التضخم (وهو أمر غير متوقع بحال)، ومدى تحقق توقعات الركود في ظل اقتصاد روسي سينكمش بشدة وأوروبي يعاني وصيني في موضع شك، ليبقى ما تشكل قيمته 43% تقريبا من قيمة الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي "رهينة" في يد "الاحتياط الفيدرالي" إلى حين.
المصادر: أرقام - تقرير لـ"المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية"- نيويورك بوست - ذا هيل - بارون
مواقع النشر (المفضلة)