[CENTER] ببساطة ودون تعقيد .. كيف تتعرف على أفضل صناديق الـ"ريت" الموجودة في السوق؟
قبل نوفمبر 2016 لم يكن في سوق المال السعودي أي صندوق من صناديق الاستثمار العقاري المتداولة المعروفة اختصارًا باسم الـ"ريت"، ولكن في غضون أربع سنوات تقريبًا تبدّل الحال وارتفع عدد تلك الصناديق من صفر إلى سبعة عشر، ويبدو أن المزيد في الطريق.
وكعادة أي أداة استثمارية جديدة تظهر في السوق، تحوّل الأمر إلى مباراة كرة قدم، ويوجد الآن بالمقصورة اليمنى الكثير من المتحمسين جدًا لصناديق الريت والذين يرون أنها أفضل اختراع بعد الكهرباء، بينما يتواجد في جنبات المقصورة اليسرى أعداد غير قليلة من المشككين في جدوى وفاعلية تلك الصناديق، والتي يعتقدون أنها ليست سوى مؤامرة من أجل "تصريف للعقارات" على حد تعبير بعض "العالمين ببواطن الأمور".
وبين صيحات هؤلاء وصرخات أولئك يخبو صوت التفكير العقلاني والتحليلي السليم تجاه أداة تعتبر اليوم أحد أهم وأشهر الأدوات الاستثمارية المتاحة في السوق السعودي، والتي يضع فيها عشرات الألوف من السعوديين أموالهم التي ربما لم يكسبوها إلا بشق الأنفس.
وإدراكًا لحالة الإحباط التي يعاني منها كثير من المشاركين في السوق وبالأخص ضعيفي الخبرة منهم حين يحاولون فهم كيفية تحليل وتقييم صناديق الريت المتاحة في السوق بشكل موضوعي بعيدًا عن الكلام المرسل الدارج بين كثير من غير المتخصصين، ستحاول السطور التالية أن توضح ببساطة شديدة وبلغة السوق كيف يمكن تقييم صناديق الريت والمفاضلة بينها.
هذا الموضوع يأتيكم في جزأين؛ الجزء الأول – وهو ما بين أيديكم الآن – سنتناول فيه بشكل سريع العديد من معايير ومقاييس التقييم الموضوعية لصناديق الريت التي يجب أن ينتبه إليها كل مستثمر يفكر في وضع أمواله في أي من تلك الصناديق، أما الجزء الثاني والذي سيأتيكم بإذن الله في الأسبوع المقبل سنوضح فيه كيفية تقييم الوضع المالي للصندوق من واقع بياناته.
لنتجاوز الآن مقدمة كان لا بد منها وندخل في الموضوع.
تفاصيل التفاصيل .. حيث يسكن الشيطان!
أول سؤال يجب أن تسأله لنفسك حين تفكر في شراء وحدات صندوق ريت هو "ما الذي يشتغل فيه هذا الصندوق؟"، البعض يعتقد خطأ أن الأمر لا اختلاف فيه، بمعنى أن كل الصناديق المتداولة في السوق متشابهة، ولا فائدة من المفاضلة بينها، ولكن هذا غير صحيح، فباستثناء الإطار القانوني الحاكم لتلك الصناعة يوجد لكل صندوق في السوق سماته المميزة.
العقارات بحر واسع، يوجد به العديد من فئات الأصول والاستراتيجيات المختلفة، ولذلك فإن خطوتك الأولى يجب أن تكون هي معرفة تخصص الصندوق الذي تقوم بتحليله، يجب أن تعرف: هل يركز على الفنادق أم على المساحات المكتبية أم المباني السكنية أم غير ذلك؟ ما استراتيجيته الاستثمارية؟ هل يقوم بتطوير مبانٍ جديدة من الألف إلى الياء أم يشتري مباني قائمة؟
الأسئلة السابقة تأخذنا إلى نقطة أخرى في غاية الأهمية وهي تكوين محفظة الصندوق، بسهولة يمكنك معرفة الأصول العقارية المدرجة في محفظة كل صندوق من صناديق الريت السعودية وذلك من خلال الاطّلاع على التقارير المالية التي تصدر عن تلك الصناديق بشكل دوري.
ولكنّ كثيرين يجدون صعوبة في تكوين رأي تجاه حالة تلك المحافظ ولا يدرون ما إذا كانت مشجعة على الاستثمار في تلك الصناديق أم لا، والأكثر من ذلك هو أن بعض المستثمرين وبالأخص ضعيفي الخبرة منهم تغرّهم أحيانًا الطريقة الجذابة بصريًا التي تعرض بها تلك الصناديق أصولها في تقاريرها الدورية وربما يتخذون قراراتهم على هذا الأساس.
المستثمر الذكي الحريص على أمواله حين يطلع على محفظة الصندوق يدقق في أربعة أمور؛ الأول هو حجم المحفظة، والثاني هو التوزيع الجغرافي للمحفظة، أما الثالث فهو جودة الأصول، في حين أن الرابع والأخير هو حالة تلك الأصول، بمعنى هل هي داخل الخدمة أم خارجها.
إذا بدأت بالأول، ستجد أن حجم المحفظة يقاس بعدد المباني المدرجة بها وعدد الأمتار المربعة، ويعد حجم المحفظة نقطة في غاية الأهمية، لأنه كلما كبرت المحفظة زدات إمكانات التنويع، ولكن هذا يعني أيضًا أن التعقيد في إدارة المحفظة سيزيد هو الآخر.
بالنسبة للتوزيع الجغرافي، توجد هناك صناديق ريت تركز استثماراتها في مناطق معينة من البلاد أو في أسواق ذات أحجام معينة، وهناك صناديق أخرى لها محفظتان واحدة محلية وأخرى دولية، وبالتالي يجب أن ينتبه المستثمر إلى النطاق الجغرافي الذي تتواجد به الأصول، لأن هذه من الممكن أن تكون نقطة ضعف أو قوة بالنسبة للصندوق.
نأتي الآن للأمر الثالث وهو جودة الأصول، العقارات مثلها مثل غيرها من فئات الأصول المختلفة يوجد بها أصول عالية الجودة يطلق عليها الفئة "A" وأخرى منخفضة الجودة تسمى الفئة "C"، وبينهما الفئة "B" معبرة عن الأصول متوسطة الجودة.
امتلاك الصندوق لعقارات من الفئة منخفضة الجودة ليس أمرًا سيئًا يحسب على الصندوق، بل على العكس، قد تكون استراتيجية الصندوق هي شراء أصول منخفضة الجودة بسعر منخفض ثم إعادة تطويرها لتصبح من الأصول عالية الجودة، كيف تكتشف الأمر؟ ببساطة تتبع تكوين محفظة الصندوق على مدار السنوات الماضية من خلال الاطلاع على تقاريره الدورية المصدرة سابقًا.
نختم هذا المحور بالأمر الرابع والأخير وهو حالة الأصل، من أهم الأمور التي يجب أن ينتبه إليها المستثمر حين ينظر إلى المحفظة هو عدد المباني قيد الخدمة التي يمكنها أن تدر دخلًا بالفعل مقابل عدد المباني التي لا تزال قيد التطوير كأن تكون في مرحلة التصميم أو التشييد، هذه نقطة جوهرية لأنها ستعطيك فكرة عن مصادر دخل الصندوق، وأهم الأصول التي تساهم في ذلك الدخل.
عقود الإيجار .. كنز معلومات لا تتجاهله
هناك مقاييس رئيسية يمكنك كمستثمر استخدامها في تقييم الأداء التشغيلي للمحفظة العقارية للصندوق وإمكانية تنامي قيمتها في المستقبل أو تراجعها، ومن بين هذه المقاييس: نسب الإشغال والشغور.
يتم حساب نسبة الإشغال من خلال قسمة عدد الأمتار المربعة المشغولة على إجمالي الأمتار المربعة بالمحفظة، بينما يتم حساب نسبة الشغور من خلال قسمة عدد الأمتار الشاغرة على إجمالي الأمتار المربعة بالمحفظة، ويتم التعبير عن كلتيهما بالنسبة المئوية، إذا كان معدل الإشغال يساوي 90%، فإن معدل الشغور بالتبعية هو 10%.
للوهلة الأولى، ينظر الكثير من المستثمرين إلى معدل الشغور المرتفع باعتباره شرًا محضًا، ولكنه في الحقيقة له وجهان؛ الوجه الأول هو أن ينبئ عن أصول ضعيفة لا تدر الكثير من الدخل وربما لا أمل فيها في المستقبل، والوجه الثاني هو أنه قد يعني أن هذا الصندوق توجد أمامه فرصة لزيادة دخله التشغيلي بشكل كبير من خلال السعي لتأجير المساحات الشاغرة.
تضم مقاييس الأداء التشغيلي أيضًا طبيعة العقود الإيجارية الموقعة من قبل الصندوق، من الضروري أن تنتبه للإيجارات التي يدفعها المستأجرون الحاليون مقابل المساحات المختلفة من محفظة الصندوق، والسؤال المهم في هذا الإطار هو: هل هذه الإيجارات أعلى أم الأقل من الإيجارات السائدة في السوق؟
إذا كانت الإيجارات قريبة من أسعار السوق، فهذا يعني أن إدارة الصندوق قامت بعمل جيد أثناء التفاوض مع المستأجرين وحصلت منهم على أعلى سعر ممكن، ولكن في الوقت نفسه هذا يعني أنه لم يعد هناك مجال كبير لارتفاع قيمة تلك الإيجارت.
في المقابل، إذا كانت الإيجارات الفعلية أقل بكثير من الأسعار السائدة في السوق فهذا يعني أن الصندوق يمكنه تحقيق دخل أكبر إذا قامت الإدارة في المستقبل بفرض إيجارات أعلى على المستأجرين.
نستمر مع عقود الإيجار، ولكن ننتقل من قيمتها إلى مدتها، في صناعة صناديق الريت يوجد هناك مصطلح يسمى "rollover schedule" أو "جدول التمديد" وهو يعبر عن النسبة المئوية لعقود الإيجارات التي تنتهي مدتها خلال فترة زمنية معينة.
على سبيل المثال، إذا كان المبنى به مساحات مكتبية تبلغ 50 ألف متر مربع، من بينها 10 آلاف متر مربع ينتهي عقد إيجارها خلال عام، فهذا معناه أن 20% من إجمالي مساحة المبنى ستصبح شاغرة خلال عام، وهذا في الحقيقة قد يكون خبرًا جيدًا أو سيئًا بالنسبة لإدارة الصندوق، ولكن كيف؟
إذا كان السوق العقاري يمر بفترة ازدهار، فإن انتهاء جزء كبير من عقود الإيجار سيساهم في تحقيق عوائد كبيرة للصندوق الذي سيبرم عقودًا جديدة بسهولة وبأسعار أعلى مستفيدًا من قوة السوق، ولكن العكس صحيح أيضًا، بمعنى أن انتهاء عقود الإيجار في وقت يمر فيه السوق العقاري بأزمة أو بحالة ركود من شأنه أن يؤثر سلبًا على عوائد الصندوق والذي لن يجد مفرًا من التأجير بأسعار أقل تماشيًا مع حالة السوق، وربما لا يجد مؤجر أصلًا.
هذه النقطة تحديدًا تبرز أهميتها في ظل أزمة كورونا الحالية، أسوأ شيء ممكن أن يحدث لصندوق ريت هو أن ينتهي جزء كبير من عقوده الإيجارية هذه الأيام، في ظل حالة الشلل التي أصابت أغلب القطاعات الاقتصادية في كل دول العالم وفي القلب منها القطاع العقاري، صناديق كثيرة لا تزال صامدة في وجه الأزمة الحالية بفضل انخفاض نسبة عقودها الإيجارية منتهية الصلاحية، وهو ما يساهم في استقرار تدفقاتها النقدية.
من النقاط المهمة أيضًا في هذا الإطار هي القوة المالية للمستأجرين، والتي تعبر عن قدرة المستأجرين لأصول الصندوق على سداد التزاماتهم المالية في موعدها، الصندوق الذي يؤجر أغلب أصوله لشركات كبرى أو جهات حكومية بالتأكيد سيكون أكثر استقرارًا من نظيره الذي يؤجر أغلب أصوله لشركات ناشئة مثلًا أو لشركات تعمل في صناعات شديدة التقلب.
فالعقار الذي تؤجره شركة مثل أرامكو بالتأكيد ستكون إيراداته أكثر استقرارًا من ذلك الذي تؤجره الشركة "س" حديثة العهد بالسوق، ولحسن الحظ، تكشف معظم صناديق الاستثمار العقاري المتداولة في السوق عن هوية أبرز المؤجرين والنسب المئوية التي تشكلها إيجاراتهم من إجمالي الإيرادات لكي يستطيع المحلل التأكد من مدى تركيز وجودة قائمة المؤجرين لأصول الصندوق.
مواقع النشر (المفضلة)