تحت وطأة الذعر وانخفاض الطلب الحاد جراء الجائحة، هبطت أسعار عقود الخام الأمريكي "نايمكس" قبل عام بالضبط، وبالتحديد في العشرين من أبريل عام 2020، إلى ما دون الصفر، أي أن قيمتها باتت بالسالب في سابقة هي الأولى من نوعها.الخسائر التاريخية للنفط جاءت رغم توصل مجموعة "أوبك +" إلى اتفاق غير مسبوق في نفس الشهر، لخفض الإمدادات بمقدار 9.7 مليون برميل يوميًا، اعتبارًا من شهر مايو، في الوقت الذي توقعت فيها الوكالة الدولية للطاقة تراجع الطلب بمقدار 29 مليون برميل.إلى جانب الأساسيات الضعيفة والتي شملت عدم اليقين الاقتصادي في ظل تسارع انتشار العدوى وعمليات الإغلاق، كانت تعاني الأسواق من قلة أماكن التخزين مع تعاظم تخمة المعروض بالنظر إلى ضعف مستويات الطلب.هذه الخسائر كانت تتركز في عقود "نايمكس" تسليم شهر مايو والتي كانت على وشك أن تنتهي صلاحيتها مع ختام الجلسة التالية، ولم يكن يرغب المستثمرون أن يتسلموا الشحنات في شهر يتوقعون أن يشهد بالأساس أداءً اقتصاديًا ضعيفًا للغاية، حيث لن يتمكنوا من تصريف النفط وسيتحملون نفقات تأمين وتخزين.كل هذه المعطيات دفعت سعر البرميل تسليم شهر مايو إلى قرابة سالب 38 دولارًا (وصل إلى سالب 55 دولارًا خلال الجلسة) ومع ذلك، فإن الضغوط كانت غير مسبوقة في سوق النفط بأكمله وليس فقط الخام الأمريكي أو حتى العقود التي أوشكت على التسليم.على سبيل المثال، انخفض خام "برنت" تسليم يونيو في هذه الليلة بنسبة 9% إلى نحو 25.5 دولار للبرميل، وعمّق خسائره في الجلسة التالية بأكثر من 25% إلى قرابة 19 دولارًا، وحتى عقود خام "نايمكس" لشهر يونيو تراجعت في جلسة 21 أبريل إلى أقل من 13 دولارًا.الآن، وبعد عام بالضبط من زلزال الأسعار السالبة، يبدو السوق أكثر استقرارًا ورسوخًا والأسعار أقوى بكثير، فماذا تعلم المشاركون من أزمة أبريل 2020؟ وماذا أنجز السوق خلال هذا العام؟كيف يتذكر المتداولون الحادث؟- قال "بيورنار تونهاوجين" كبير محللي أسواق النفط في "ريستاد إنرجي": أثبت العام الماضي أننا لم نر كل شيء في عالم النفط، وفشل الكثيرون في إدراك خطورة ما كان قادمًا، بما في ذلك منتجو النفط ومنظمة البلدان المصدرة وحلفاؤها والحكومات والمحللون.- انخفاض "نايمكس" خلال جلسة 20 أبريل 2020 كان الأقوى خلال يوم استنادًا إلى السجلات التي تعود إلى عام 1983، وكان سعر التسوية هو الأدنى على الإطلاق، وفقًا لـ"داو جونز ***** داتا"، مما يمثل المرة الأولى والوحيدة التي يغلق فيه العقد بقيمة سالبة.- أحد المتداولين كان يعتقد أنه يجري صفقات رائعة عند مستوى 3.30 دولار ثم 50 سنتًا ثم سنت واحد، وجد نفسه في منتصف الليل مطالبًا بسداد 9 ملايين دولار بعدما بدأ تداولان ذلك اليوم بحساب فيه 77 ألف دولار، وذلك لأنه ببساطة، مع انهيار الأسعار في النطاق السالب لم تتمكن المنصة التي يستخدمها من إظهار السعر الفعلي وظل ثابتًا قرب السنت.- رؤية الأسعار تتحول إلى النطاق السالب، بسبب "مخاطر التخزين"، التي أبرزتها "ريستاد إنرجي" وغيرها في السابق، تعني اكتشاف حالة جديدة في السوق، كانت أشبه بقمة شاهقة، لكن في الاتجاه المعاكس، حيث لم تصل أسعار النفط إلى الحضيض فحسب، بل كسرت الحاجز أيضًا، وفقًا لـ"تونهاوجين".- يرى "تونهاوجين" أن الأسعار السالبة كانت نتيجة "تأجيل السوق لرد فعله، معتقدًا أن المشكلة ستختفي من تلقاء نفسها"، مشيرًا إلى أن المنتجين لم يريدوا وقف الإنتاج، على أمل ألا تدوم الأسعار المنخفضة طويلًا وأن "أوبك +" لم تتمكن على الفور من الاتفاق على السياسة.- في الوقت نفسه كان مخزون النفط يتزايد بسرعة، مما أجبر ناقلات النفط على أن تصبح مخازن عائمة، وعندما أوشكت الفقاعة على الانفجار، ساد الذعر بين التجار الذين لم يتمكنوا من **** وتخزين منتج غير قادرين على بيعه، لذا حاولوا التخلص من التزاماتهم الزائدة، لكن لم يرغب أحد في ال****.أين وصلت الأسواق؟- الآن وبعد 12 شهرًا من الانهيار المفاجئ، تحوم أسعار الخام الأمريكي حول 63 دولارًا للبرميل، أي أكثر بنحو 100 دولار من المستوى المسجل آنذاك، ويأتي هذا كإشارة على التعافي المستمر للاقتصاد العالمي من الأزمة الصحية، وبفضل جهود المنتجين بقيادة السعودية التي قدمت تخفيضات طوعية كبيرة هذا العام.- ارتفعت مخزونات النفط في الاقتصادات المتقدمة إلى مستوى قياسي بلغ 3.2 مليار برميل حتى أغسطس الماضي، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، وكان ذلك أعلى بـ256 مليون برميل من متوسط الخمس سنوات، لكن تقلص الفائض إلى 28 مليون برميل فقط بحلول فبراير، أي أنه أصبح أقل بنسبة 80% الآن.- انخفض حجم التخزين العائم عالميًا (سفن الناقلات التي تخزن النفط) إلى 76 مليون برميل، وهو أدنى مستوى منذ بدء الوباء، وفقًا لشركة "كليبر داتا"، وهذا انخفاض حاد عن الذروة البالغة 200 مليون برميل الصيف الماضي.- انخفض إجمالي مخزونات النفط الخام والمنتجات في أمريكا بحلول أواخر فبراير إلى 1.28 مليار برميل، وهو المستوى الذي شوهد آخر مرة قبل ظهور فيروس كورونا، ولا يزال يحوم هناك، كما تراجعت المخزونات في الساحل الشرقي إلى أدنى مستوياتها منذ 30 عامًا، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة.- لامست أسعار النفط أيضًا في مارس الماضي أعلى مستوياتها منذ يناير 2020، وتشير توقعات المحللين إلى استمرارها حول هذه المستويات أغلب الأوقات من العام، مع بعض التقديرات الجامحة التي تشير إلى تجاوزها مستويات غير مسبوقة منذ سنوات، لكن ذلك سيكون على المدى الطويل.هل يتكرر هذا السيناريو؟- الأسعار السالبة بشكل عام كانت نتيجة "عدم خبرة السوق واستعداده لما هو قادم"، ورغم أن الجائحات لا تأتي عادة أكثر من مرة في كل جيل، لكنها تظل ممكنة الحدوث، وحتى إذاعاد الطلب على النفط إلى المنطقة الحمراء مرة أخرى، فإن منتجي النفط وأوبك والحكومات أصبح الآن لديهم الخبرة للتعامل معه.- بناءً على ذلك يرى "تونهاوجين" أن تكرار سيناريو الأسعار السالبة "غير مرجح"، لكن "مارشال ستيفيز" محلل أسواق الطاقة في "آي إتش إس ماركيت" يقول إنه من المحتمل حدوث هبوط حاد آخر نظرًا لخصائص التسليم لخام "نايمكس" في كوشينغ.- يضيف "ستيفيز" أن هناك كمية محدودة من القدرة الاستيعابية لخط الأنابيب لنقل الخام داخل وخارج مراكز التخزين في كوشينغ، وإذا عانى عقد النفط الآجل مع قرب نهاية صلاحيته من انخفاض في الفائدة المفتوحة والسيولة، فقد يتسبب ذلك في تحركات مبالغ فيها للأسعار، لكن يظل من الصعب توقع مشهد مماثل لما حدث في ظل غياب حدث عالمي آخر مثل "كوفيد 19".المصادر: أرقام- ***** ووتش- سي إن إن- سي إن بي سي- بلومبيرغ
مواقع النشر (المفضلة)