مستقبل الاستثمار في انتاج البروتين العلفي من الحشرات بات واضح المعالم / للكاتب د محمد ابراهيم الغنيم
تحدثت تقارير علمية كثيرة عن الزيادة المتوقعة لعدد سكان الأرض في المستقبل القريب سيزيد الضغط على الموارد وخاصة المياه المعذبة وكذلك سيزيد من انبعاثات غازات الدفيئة المتهمة في قضايا الاحتباس الحراري والتغير المناخي وأحد أهم التحديات ذات العلاقة انتاج اللحوم كمصدر بروتيني للانسان، كما أن زيادة انتاج البروتين النباتي لأغراض تغذية الدواجن والمواشي والأسماك سيتناسب عكسيا مع مساحات الغابات في الكوكب وبالتالي تحييد وظيفتها بإنتاج مقادير لا يستهان بها من الأكسيجين واستهلاك ثاني أكسيد الكربون فضلا عن التأثيرات المحتملة غير المباشرة على معدلات هطول الأمطار وتوزعها وخلاف ذلك، لذا كانت ****** المؤتمرات المختصة بالتغير المناخي في جملتها تدفع نحو الجمع بين خفض الانبعاثات الضارة ذات العلاقة و تفعيل مبادرات استهلاك الانبعاثات من خلال مشاريع تثبيت غازات الدفيئة في الرقع الخضراء أو الأعلاف و الغذاء، فنشأت حالة من التسارع في قبول واعتماد الدول للمشاريع المستدامة عوضا عن تلك التي تؤثر سلبا على البيئة والمناخ ومنها مشاريع البحث عن بدائل غذائية أو علفية مستدامة ذات أثر منخفض على البيئة والموارد كالمشروع الرائد لانتاج البروتين العلفي اعتمادا على غاز الميثان والذي وقعه صندوق الاستثمارات العامة مع الشركة الدانماركية ( يونيبيو ) حيث سيتم انتاج البروتين وحيد الخلية من الكائنات المجهرية المتغذية على غاز الميثان في مفاعلات حيوية مزودة بتقنيات تسمح باحتجاز الغاز الطبيعي فيها ليتسنى للكائنات المجهرية بناء خلاياها مستغلة الكربون الموجود في الغاز وسيكون الناتج خلايا مجهرية تحوي كميات كبيرة من بالروتين الآمن الصالح للاستخدام كمضاف علفي.كما توجت وزارة البيئة والمياه والزراعة اهتمامها بإنتاج البديل العلفي من الطحالب والسيانوبكتيريا بانشاء مركز متخصص لأبحاث الطحالب التطبيقية بعد مجهودات كبيرة تبناها البرنامج الوطني لتطوير قطاع الثروة السمكية ، وثمة العديد من الأبحاث تجرى في بعض دول العالم لتطوير مفاعلات حيوية تجمع بين المنتجين السالفي الذكر من خلال انتاج بروتين علفي خليط بين الطحالب المجهرية والميكروبات النافعة ينتجهما مفاعل حيوي مشترك يمكن تثبيته في محطات الصرف الصحي لاستغلال الكميات المهدرة من الغاز الطبيعي الناتجة عن وحدات الهضم اللاهوائي للنفيات الصلبة المتولدة في محطات الصرف الصحي "الحمأة" والتي تحسب على البيئة كغازات دفيئة أو ثاني أكسيد كربون.ومن الملفت أنه على الرغم من ان تقنيات انتاج البروتين العلفي المعتمد على الأحياء الدقيقة والطحالب قد نشأت في أوروبا منذ سنوات عديدة إلا أنها لم تحض في الداخل الأوروبي بنفس الزخم الذي شهدته المبادرات ذات العلاقة بالبروتين الحشري التي حظيت كذلك بدعم سياسي أوروبي حيث وافقت مؤخرا " لجنة البيئة والصحة العامة وسلامة الأغذية بالبرلمان الأوروبي " في ٢٢ يوليو من العام ٢٠٢١ م على مقترح تغذية بعض الحيوانات باستخدام المنتجات الحشرية وذلك بالتزامن مع تأييد أممي من منظمة الزراعة والأغذية " الفاو"، ومن خلال مشاركتي لباحثين سعوديين في تجربة مصغرة لإنتاج بروتين حشري قبل عدة أشهر وخبرتي السابقة في تشغيل المفاعلات الحيوية البكتيرية لسنوات عديدة فأظن أن القبول الواسع لتقنيات انتاج البروتين الحشري في أوروبا يعود إلى جملة عوامل أهمها سهولة إدارة منشآتها اذا ما قورنت بمفاعلات البروتين الميكروبي ، وانخفاض كلفتها البيئية لكونها الأقل ضغطا على الموارد والأقل تسببا في الانبعاثات الضارة، وانخفاض محاذير السلامة الصناعية في منشآتها، وسلامة الحشرات المختارة من قبل الفاو والمنظمة الأوروبية لسلامة الغذاء من السموم ومسببات الحساسية، وسهولة السيطرة على نواحي الاصحاح أو سلامة بيئة المنشأة، وندرة الممرضات المشتركة بين الانسان والمفصليات عموما، وانعدام احتمال انتقال الممرضات المنقولة من انسان لآخر بواسطة تلك الحشرات المختارة لأسباب عديدة منها أنها غير ماصة للدم بطبعها، وإمكانية تجاوز التحديات ذات العلاقة بتراكم المعادن والمبيدات في أجسام الحشرات من خلال تغذيتها على نفايات الغذاء البشري الآمن أصلا ، ومن جهة أخرى فإن المواد الخام المستخدمة في صناعة البروتين الحشري هي في ذاتها نفايات تشكل عبئا بيئيا وماديا وقد أصبحت بفضل هذه الصناعة خاما مجانيا لمنتج استراتيجي بديل عن مادة أنتجت بكلفة باهظة بيئيا على حساب الغابات والمياه العذبة.وفي هذا السياق أجده مناسبا أن أشير إلى الاجتماع الذي عقدته الهيئة الأوروبية لسلامة الغذاء efsa في ١٢ مايو من العام 2020م حول " إنتاج وتسويق الحشرات كغذاء جديد في الاتحاد الأوروبي" والذي كان من مخرجاته تسميه الحشرات المجازة كغذاء للحيوان وتقييدها بنوع الحيوان وطور نمو الحشرة وكذلك الحشرات المجاز استهلاكها من قبل الانسان، و قد شاركهم في مؤتمرهم ذاك ممثلو ٦٤ منشأة زراعية أو صناعية -معظهم من دول الاتحاد - مختصة بهذا النوع من المنتجات، وقد يظن البعض أن هذه المشاريع لا تعدوا كونها مشاريع صغيرة الإنتاج لمزارعين أو عوائل منتجة ولكن الحقيقة أنها لاستثمارات برأسمال يتراوح بين النصف مليون يورو إلى الخمسة ملايين يورو، ومنها ما هو ضخم الإنتاج كالمشروع الذي افتتحه جلال الملك الهولندي وليام الكسندر في العام 2019م، ومشاريع ضخمة أخرى ببلجيكا أو خارج الاتحاد كما في كندا ، وبعضها قد وظفت به تقنيات ذكية وروبوتات لتوزيع الغذاء في بطاريات تنمية الحشرات كما هو الحال في مشروع بريطاني لإنتاج حشرة " صرار الليل"، ومن الطريف أن بعض تلك المشاريع خصص لإنتاج الجراد كوجبة خفيفة" سناك" للإنسان في عدة دول مثل ألمانيا وإسرائيل، ولم يتوقف الأمر عند مزارع الجراد بل تجاوزه إلى مشروع هولندي تقدمت به شركة بروتيكس لصيد الجراد الأفريقي المهاجر لاستخدامه كغذاء في شكل مجمد ومجفف ومطحون كوجبة خفيفة وكمكون غذائي في عدد من المنتجات وقد اجيز ذلك في منتصف العام ٢٠٢١م من قبل الهيئة الأوروبية لسلامة الغذاء، وفي 11 أكتوبر 2021 م صوتت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على مسودة اللائحة التنفيذية التي تهدف إلى السماح بتسويق المنتجات التي تحتوي على الجراد المهاجر.هذا وتشير الدراسات إلى أن ٩ ملايين فرد في أوروبا قد استهلك منتجا حشريا خلال العام ٢٠١٩ ومنهم زبائن شركة إسكندنافية شهيرة مختصة في صناعة الأثاث تبنت برنامجا لدعم أنماط الحياة المستدامة تعرض من خلاله في مطاعمها الملحقة بمعارضها في بعض البلدان الأوروبية وجبة برغر من البروتين الحشري، وقد أشارت بعض التقارير إلي أن بعض زبائنهم قد زار معرض الاثاث خصيصا لتناول هذه الوجبة وتجربتها مما يعكس القبول التدريجي للتوجه الأوروبي.ولم تخل البلدان العربية من تجارب و مبادرات ممنهجة في ذات السياق ربما من أولها مشروع "ناكست بروتين" بتونس و المشروع البحثي المصري الذي تشغله شركة "إيجي ماج" في مدينة طوخ بمحافظة بنها، كما دشنت الإمارات العربية المتحدة في العام ٢٠١٨م مشروعا لتحويل النفايات البلدية العضوية الى بروتين حشري تشغله شركة سيركا بيوتيك ، وثمة تجارب أفريقية لا يستهان بها في كينيا ومدغشقر أما دولة جنوب افريقيا فقد تجاوزت ذلك لتقدم نفسها كبائع ومطور للتقنيات ذات العلاقة.وعموما فإن الصورة المصاحبة للمقال لحلوى مصاص تباع في السوق الألماني وتوزع اونلاين في أنحاء أوروبا ومجازة كحلوى للأطفال، إحداها به يرقة جراد والأخرى به جرادة بالغة بعد تجفيفها بالحرارة ينتجها مستثمر الماني شاب في ستوت قارد، وقد كان من الممكن طحن الحشرة واضافتها لمكونات الحلويات ولكن يبدوا أن المستثمر قد أراد منها أن تحمل رسالة ما.
مواقع النشر (المفضلة)