تحدثت سابقا عن ضرورة تشديد الرقابة على الموازين، ليس من قبل هيئة "المواصفات والمقاييس" فقط بل حتى من قبل جهات رقابية أخرى مثل وزارة التجارة والأمانات، فالجهود واضحة من قبل هيئة المواصفات عند مراقبتها دقة الميزان والمكاييل المستخدمة، ولديها نشاط ملحوظ، لكن المشكلة ليست في دقة الميزان بل في استخدامه، واستخدام قياس متفق عليه معلن وشفاف عند البيع والشراء فهذه تعد من العبادات التي أمرت بها الأمة المسلمة، ونزلت سورة كاملة في الوعيد الشديد بشأن مخالفة الميزان، والتلاعب فيه. ومع ذلك فإن الأسواق تعاني ظاهرتين معا هما ظاهرة إهمال الميزان والبيع دون قياس، وهذا شاهده كثير في أسواق الخضار، وفي أسواق الماشية، والظاهرة الثانية هي بخس الناس أشياءهم عند البيع والشراء وهذا شاهده واضح في أسواق الذهب والأحجار الكريمة، وهناك ظاهرة أخرى لا تقل شأنا وهي بيع السلعتين المتفاوتتين وزنا وقيمة، بسعر أغلاها، وعدم فصل بعضهما عن بعض عند البيع، وهذا شاهده في أسواق الذهب كثير. ولا بد من ضبط هذه الأمور ميدانيا، ذلك أنه في كل مرة نناقش هذه القضية يخرج من يقول إن هناك قرارات وتعاميم، ونعم هناك مثل هذه التشريعات الملزمة، لكن التطبيق في الواقع لم يزل دون المأمول، وهذه من القضايا المهمة التي لا تخفى.
في محال الخضار والمواشي، ينتشر البيع دون وزن معلوم، ولا سعر محدد للوزن، بل هي محل نظر المشتري وخداع البائع، من يدخل هذه الأسواق وهو صاحب تجربة يمكنه الفوز بصفقة جيدة، ومن يدخلها وهو يجهل السوق وأحوالها وناسها، فإنه حتما سيخرج بصفقة خاسرة، تجاهلت أسواق الخضار الميزان بشكل ملحوظ، فأصبح البيع بالصندوق، دون ضمان المساواة ودون إغلاق الصندوق لضمان عدم التلاعب بوزنه، وكميته من الخضار أو الفواكه، أنت وحظك كما يقال. وهذا بالذات في المنتجات المحلية. وفي سوق المواشي لا يوجد ميزان نهائيا، فلا تعرف وزن الماشية ولا تعرف سبب اختلاف السعر بين هذه وتلك، ومع ارتفاع الأسعار نتيجة التغيرات الاقتصادية فإن الأمر أصبح يثقل على الأسر بشكل كبير، وهذا أثر في أسعار اللحوم في محالها، ولا تفسير منطقي لسبب التفاوت بينها. فالأمر يحتاج إلى حسم بشأن البيع من خلال الميزان وأن تحدد الأسعار بشكل علني من قبل مؤسسة منظمة للسوق خاصة أن مثل هذه القضايا تسهم في بناء أسواق السلع ودخول المستثمرين الأكفاء فيها.
في سوق الذهب المشكلات أكبر من أن تحصر، فإذا استقصيت عن سعر شرائك للجنيه الذهبي فإنه يتجاوز 2500 ريال وإذا سألت عن السعر إذا قمت ببيعه فإنه أقل من 1500 ريال، أي أن الفرق أكثر قليلا من ألف ريال، وهذا كبير جدا، وهضم لحقوق الناس لا جدال فيه، وإذا كنا نعرف أن أسعار الذهب عند الشراء من السوق تتحكم فيها الأسعار العالمية من جانب واتفاق البائعين من جانب، فإن بيع الذهب للمحال التجارية لا يخضع لهذه المقاييس، فهو يختلف جذريا عن أسعار السوق العالمية، ولا توجد آلية واضحة، ومن الصعب أو غير مجد التفاوض نظرا لاتفاق المحال فيما بينها، ما يضطر الناس إلى البيع تحت ضغط السوق والحاجة، لكن الفرق الكبير بين سعري الشراء والبيع ليس له ما يفسره، فيتم خصم مبلغ يتجاوز 15 ريالا في كل جرام من الذهب "لك أن تتصور هذا الرقم" باسم المصنعية، والأشد من ذلك هو حالة الاتفاق بين البائعين التي تتم من خلال "الواتساب والقروب"، فبمجرد دخولك السوق للبيع يتم تعميم القطعة على الباقين والسعر الذي تم عرضه عليك، وأنت الضحية، وهذا يتكرر بشكل واضح جدا في أسواق بيع السيارات المستعملة ما يجعل صاحب السيارة الراغب في بيعها تحت رحمة الاتفاق بين صناع السوق. وهذه الظواهر تحد كثيرا حتى من فرص دخول منافسين للسوق، وتحد من المنافسة العادلة التي تضمن وصول الأسعار إلى المستوى العادل. فلا بد من تطوير إجراءات تحد من هذه التصرفات العابثة.
من الظواهر السارية أيضا بيع الجرام من الذهب بالسعر نفسه مهما اختلف عياره، وكذلك بيع الذهب مخلوطا بالزجاج، ورغم التعميم بعدم تجاوز الزجاج نسبة 5 في المائة إلا أن هناك تجاوزا ظاهرا للعيان، حتى لو قلنا إن البعض يلتزم بذلك فإن 5 في المائة في ذهب وزنه 50 جراما، تعني وجود زجاج بوزن 2.5 جرام وعند الأسعار الحالية فإن ذلك يعني 650 ريالا، ولك أن تتصور حجم خسارة المشتري وهو يدفع 750 ريالا "650 + 15 في المائة ضريبة" مقابل 2.5 جرام من الزجاج، في اعتقادي أن هذا الأمر لم يعد مقبولا بأي شكل، وإذا تصورت هذا، فإن الخسارة تكون أشد إذا كانت المشغولات الذهبية من نوع 18 قيراطا، وفيها زجاج يتجاوز 5 في المائة بل قد يكون المشغول الذهبي كله زجاجا، ورغم أن النظام ينص صراحة على الفصل في الفاتورة إذا تجاوز الزجاج نسبة 5 في المائة فإنه وكما لاحظت لا أحد يلتزم بذلك. والأمثلة أكثر من أن تحصى بشأن إهمال الميزان، والموازين، والقياسات، وانتشار ذلك، ففي كثير من السلع المعلبة يتم إخفاء الوزن بطريقة مزعجة، لا تكاد تجده إلا بصعوبة، وذلك حتى لا يلفت انتباهك الفرق في الوزن بين هذه المعلبة وبين المنافسين.
مواقع النشر (المفضلة)