لكل من يعتقد أن الدول محصنة ضد القوة الإعلامية الناعمة، وأنها تمتلك القدرات التحاورية الداعمة لمواقفها السياسية ورؤيتها التنموية، عليه قراءة الصحف العالمية التي فاق عددها 24 مليون صحيفة ورقية ومئات الملايين من الصحف الإلكترونية، ليجد معظمها خالية من المقالات المتزنة التي تحاكي العقول الغربية وتوضح مواقفنا الحقيقية، بل علينا متابعة الفضائيات الإعلامية العالمية، التي فاق عددها 7650 فضائية، أو الفضائيات العربية التي تخطت عتبة 1320 فضائية، أو الفضائيات الفارسية التي تبث سمومها الطائفية عبر 22 فضائية رسمية وسبع فضائيات مرتزقة، لنقتنع بأن أبواق الحقد وفلول الضلال تسعى جاهدة لتصب حممها على السعودية وأهدافها وبرامجها نهارا جهارا دون هوادة.ولشيوع هذه القوة الناعمة نتيجة تنامي ثورة الاتصالات وتقنية المعلومات ومدونات التواصل الاجتماعي، أصبحت مواقف الحكومات في معظم دول العالم أكثر ضبابية، لتصبح صورة الدول داخليا وخارجيا تتأثر بمدى قدرة وسائل القوة الناعمة على تشويهها أو تحسينها.ونظرا إلى أن العالم العربي أكثر شعوب الأرض تأثرا بالرأي والرأي الآخر، ازدادت وتيرة حيرتهم وأضرمت حدة شقاقهم وتفاقمت شدة مهاتراتهم، فأصبحت منطقتنا العربية مرتعا خصبا للحروب الإعلامية المفبركة والأقلام الصحافية الإنشائية المشوهة، والممزوجة بالأكاذيب والتحايل والتلاعب والتضليل، لتزيد من حدة تشويه مواقفنا المميزة ورؤيتنا الثاقبة وأهدافنا الخلاقة.لذا، أصبح من واجبنا التصدي لهذا الإعلام المغرض للدفاع عن قضايانا وتحصين مبادئنا وتوضيح مواقفنا، خاصة أننا نمتلك صحة مواقفنا وكامل حقوقنا، مستندين بذلك إلى القوانين الدولية والمعاهدات الإقليمية.من هذا المنطلق، تقع علينا مسؤولية عدم الاستهانة بالقوة الناعمة، حتى لا تنفرد ساحات الإعلام بالأعداء والمرتزقة والانتهازيين، وحتى لا تستخدم صورتنا من هواة وغلابة وقليلي الحيلة وضعاف الحجة من الإعلاميين، الذين أساؤوا لمواقفنا.وهذا يتطلب التصدي للحرب الإعلامية بحزم وقوة وبكامل قدراتنا، من خلال تنفيذ الخطوات المقترحة التالية، التي تم تنفيذ بعضها، أو هو قيد التنفيذ:أولا، اختيار فريق إعلامي سعودي مكون من الخبراء في التخصصات الدقيقة للعلوم السياسية والعسكرية والأمنية والقانون الدولي والاقتصاد وحقوق الإنسان وتمكين المرأة واحترام الأديان، على أن يكونوا ممن يتقنون اللغات الأجنبية بطلاقة ويجيدون فن الحوار ولباقة الخطابة. وتصب مهام هذا الفريق في توضيح الحقائق ونجاحات المملكة في القضايا الأساسية الموثقة والمدعومة بالأرقام، وذلك بالتحدث مع العالم باللغات المختلفة والقيام بزيارات ميدانية حول العالم لتقديم المحاضرات والإجابة عن التساؤلات في الجامعات العريقة والمنظمات الدولية والمشاركة في المؤتمرات والندوات العالمية.ثانيا، قيام وزارة الخارجية بالتعاون مع وزارة الإعلام بصياغة أوراق المواقف السعودية المدعمة بالحجج الدامغة والحقائق الموثقة، مع ترجمة هذه الأوراق إلى اللغات الأجنبية، لتوزيعها دوريا من خلال سفارات المملكة على وكالات الأنباء العالمية والفضائيات والصحف الدولية، لتفنيد مزاعم مرتزقة الإعلام وفضح نواياهم وكشف أكاذيبهم. وتشمل هذه الوثائق نجاحات المملكة في مكافحة الفساد وتقنين القضاء، وتنويع القاعدة الإنتاجية الاقتصادية وتحديث البنية التحتية، وتوطين الوظائف وتحقيق التنمية، واجتثاث شأفة الإرهاب داخليا وخارجيا، وزيادة نسبة تملك المواطنين للسكن، وتشجيع القطاع الخاص وفتح الأسواق السعودية للاستثمارت المحلية والأجنبية مع الالتزام بالمحافظة على البيئة والتنمية المستدامة، من خلال إطلاق المشاريع الكبرى الخاصة بالمملكة الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، ورفع مساهمة المملكة في مشاريع التنمية الدولية لتخفيض حدة الفقر والمرض العالمي.ثالثا، الاستمرار في دعوة مقدمي البرامج الإعلامية والمحللين الأجانب في القنوات الفضائية والصحف العالمية العريقة إلى زيارة المملكة واطلاعهم على التقدم الذي أحرزناه في مختلف المجالات، ومحاكاتهم باللغة التي يفهمونها، وإثراء معلوماتهم وتعديل آرائهم وتوجيه أنظارهم للحقائق الدامغة، التي لا تختلف عليها شعوب الأرض. ويتم خلال هذه اللقاءات إجراء الحوارات والمناظرات التلفزيونية مع أقطاب الفضائيات والصحف العالمية لنقل الصورة الواضحة عن المملكة ومشاريعها المستقبلية الهادفة.رابعا، البدء فورا بإنشاء محطات فضائية سعودية تتحدث باللغات الإنجليزية والفرنسية، وغيرها، مع ضرورة الاتفاق مع أقرانها الدولية ذات المصداقية لفتح مقار لها في المملكة. وتقوم هذه الفضائيات بالمشاركة الفاعلة في المحافل الدولية، من خلال دعوة المختصين الأكفاء لتقديم المحاضرات والإجابة عن التساؤلات في الجامعات العريقة والمنظمات الدولية والمؤتمرات والندوات العالمية. ويشكل ذلك التعاون بين وسائل الإعلام العالمية والكتاب الصحافيين المواطنين والأجانب، لنقل الوقائع الصحافية الموثقة وتوضيح الصورة الحقيقية للمملكة، ونشر المقالات التي تعكس مدى التطور الذي وصلت إليه المملكة في المجالات كافة، مع تيسير حصول الفضائيات العالمية المحايدة على مكاتب فرعية لها في المملكة لنقل التقارير وتلاوة الأخبار وإعداد البرامج.لا تستهينوا بقوة الإعلام الناعمة، ولكسب قضايانا والدفاع عن مقوماتنا وتوضيح مواقفنا، علينا مواجهة الحملات الإعلامية المغرضة بحزم العاصفة وعزم الصاعقة.
مواقع النشر (المفضلة)