"في بداياتي بالسوق كنت أقضي أغلب وقتي في تتبع حركة مؤشرات القيمة التقليدية كمكرر الربحية ومضاعف القيمة الدفترية، ولكنني تبت عن ذلك الآن، ولم أعد أهتم بتلك المؤشرات كما كنت أفعل سابقا، وذلك بعدما اكتشفت أن تقييم الأسهم بتلك الطريقة يقودني دون أن أشعر إلى الأسهم الرخيصة في حين أن ما كنت أبحث عنه هو أسهم القيمة، والأمران ليسا بالضرورة نفس الشيء".
وردت العبارات السابقة على لسان المستثمر الأمريكي "روبرت فينال" أثناء شرحه لتجربته مع "فخاخ القيمة" أو الأسهم التي يشتريها المستثمرون لا لسبب سوى لأنها رخيصة.
الرخيص الذي يكلفنا الكثير
المستثمرون في سوق الأسهم السعودي، ربما مر أكثرهم بالتجربة التالية: يشترون على سبيل المثال السهم "س" لأن نسبة مثل مكرر الربحية تشير إلى أنه رخيص بالمقارنة مع متوسطها لدى الصناعة، قبل أن يفاجأوا لاحقاً بأن ذلك السهم الرخيص يتدهور سعره ليصبح أرخص فأرخص.
هذا السهم كان مجرد "فخ قيمة" أو (Value Trap)، ولكن ما سر هذه التسمية، أو لماذا نقول "فخ قيمة" تحديداً؟ ببساطة لأن من يقع في هذا الخطأ هو مستثمر كان يبحث عن أسهم قيمة، ولكن بسبب اعتقاد مترسخ لديه مفاده أن أسهم القيمة الرخيصة، قام بشراء سهم بدا له من الخارج أنه سهم قيمة بسبب رخص سعره، ولكنه في الحقيقة سهم رديء.
من بين الأسهم التي تعتبر أيضاً "فخاخ قيمة" هي الأسهم التي يظل سعرها ثابتا تقريباً لفترة طويلة، بحيث لا تحقق أي مكسب لحاملها. هذا السهم على الرغم من أن تقييمه ثابت لا يتغير إلا أنه يعد فخاً للمستثمر لأنه في ظل ثبات الأموال الموضوعة في هذا السهم يزداد معدل التضخم، ويخسر المستثمر أيضاً قيمة الفرصة البديلةسبب وقوع المستثمر في هذا الفخ هو أنه على الأغلب لا يفهم معنى أسهم القيمة أصلاً. باختصار، أسهم القيمة (الحقيقية) هي تلك الأسهم التي يتم تداولها دون قيمتها الجوهرية، أي أنها رخيصة. ولكن ما سبب رخصها؟ هذا هو السؤال. ببساطة هذه الأسهم رخيصة إما بسبب عوامل مؤقتة أو لأن السوق لم يدرك بعد إمكاناتها الحقيقية.
وربما أبرز ما يميز أسهم القيمة عن غيرها هو أن أساسياتها المالية قوية وصلبة جداً في أغلب الأحيان، ولكن رغم ذلك يتم تداولها دون سعرها العادل. وبالمناسبة لا يمكننا الإشارة إلى أي سهم باعتباره سهم قيمة إلا إذا كان بالإمكان شراؤه بهامش أمان كبير.
لا تتذاكى من فضلك
هناك نقطة تأصيلية بسيطة ولكنها مفصلية جداً إن فهمها مستثمر سوق الأسهم سيرتاح ألا وهي طبيعة الميكانيزم التي تمكننا من الربح في الأسهم. ببساطة، أنت كمستثمر تربح الأموال في سوق الأسهم فقط إذا اختلفت مع السوق ثم عاد السوق ليتفق معك.
التوضيح: لنفترض مثلاً أنك أجريت فحصاً شاملاً لأساسيات السهم "ص" قادك إلى الاستنتاج أن هذا السهم يتم تداوله دون قيمته العادلة بنحو 40%. في هذه اللحظة أنت توصلت إلى استنتاج مخالف للسوق، لأن السوق لو كان يدرك تلك المعلومة لتم تداول السهم بقيمته العادلة.
وهكذا قررت شراء هذا السهم. ولكن على أي أساس اشتريته؟ ببساطة أنت اشتريته على أمل أن ينتبه السوق لاحقاً لقيمته الحقيقية، مما سيؤدي إلى ارتفاع تلك القيمة لتساوي القيمة العادلة أو تتجاوزها. وحينها ستحقق أنت مكسبا مساويا لقيمة الفارق بين السعر الذي دفعته في السهم وبين القيمة العادلة التي ارتد إليها
لكن ماذا لو لم يتفق معك السوق؟ بغض النظر عن دقة تقييمك للسهم نقول لك ببساطة إنه في هذه الحالة لا قيمة لرأيك ولا لتحليلك كمستثمر فرد. دعنا نفترض أن تحليلك صائب 100%، وبالفعل تشير الأساسيات إلى أن هذا السهم مقوم بأقل من قيمته، ولكن ما لم يتفق معك السوق ويرى ما تراه فلن يتزحزح السعر من مكانه قيد أنملة، وبالتبعية رأس مالك، بل يصبح للهبوط أقرب.
قد يقول أحدهم إن السوق غبي لأنه لا يرى الشمس الساطعة والحقيقة الواضحة والحكمة الكامنة التي يراها عقله النيّر ويدركها ذهنه المتقد، وقد يكون هذا صحيحا فعلاً ولكن السوق مرة أخرى لا يأبه بما يعتقده هو كفرد. وللأسف هذه العقلية هي التي تدفع بعض المستثمرين للتشبث أكثر من اللازم بأسهم رديئة.
هل تفهم استثمار القيمة أصلاً؟
قد يكون من المفيد مراجعة بعض المفاهيم الأساسية حول الاستثمار بشكل عام واستثمار القيمة بشكل خاص. أولاً، إن منهجية المستثمر البريطاني الشهير "بنيامين جراهام" الذي يعتبر "أبا استثمار القيمة" والتي يدعي أكثرنا اتباعها تتلخص في العثور على أسهم مقومة بأقل من قيمتها، وتكوين محفظة بها، ولكن بشرط واحد...
الشرط هو أن تكون غفلة السوق عن القيمة العادلة لذلك السهم مؤقتة، وأنه عاجلاً أو آجلاً (فترة معقولة طبعاً) سيدرك جمهور المستثمرين القيمة الحقيقية للسهم ويقبل عليه فيشتريه فيرتفع سعره فتحقق أنت المكاسب.
كل ما في الأمر أنك سبقت السوق بخطوة، وبمجرد أن لحق بك حصلت استفادتك. لكن لو لم يمض السوق في الطريق الذي سلكته فمن الأفضل لك أن ترجع ولا تجلس هناك تنتظر ما قد لا يأتي أبداً.
الآن وقد وضحت كيفية عمل السوق، يمكن العودة إلى فخاخ القيمة وقصة الأسهم الرخيصة، ونوضح كيفية تجنب الوقوع في هذه الفخاخ.
إن أفضل طريقة لتجنب فخاخ القيمة هو أن يوجه المستثمر لنفسه السؤال المنطقي التالي: ما سبب رخص هذا السهم؟ كلما كان هذا السهم أرخص بكثير من نظرائه بالسوق كان ذلك إشارة على أن السوق يخبرك بأن هناك شيئًا ما خاطئا حول ذلك السهم.
على سبيل المثال لنفترض أن سهم الشركة "س" العاملة بقطاع الإسمنت يتم تداوله مقابل مكرر ربحية قدره 7 مرات في حين أن متوسط مكرر ربحية قطاع الإسمنت نفسه يبلغ 20 مرة. للوهلة الأولى يبدو لك السهم "س" وكأنه سهم قيمة، حيث إنه رخيص جداً بالمقارنة مع نظرائه بالسوق.
بشكل مبدئي هناك احتمالان، إما أن يكون هذا السهم "فخ قيمة" وإما "سهم قيمة"، ولا يمكننا الجزم بأنه هذا أو ذاك إلا بعد إجراء الفحص المناسب.
لكي لا تزل قدماك
كيفية التعرف على أسهم القيمة وضحناها على نحو مختصر بالأعلى. والآن سنلقي نظرة سريعة على بعض العلامات الشائعة التي تشير إلى أن السهم هو في حقيقته ليس سوى "فخ قيمة".
أولاً: تدهور الأرباح: إذا لاحظت أن أرباح الشركة وتدفقاتها النقدية تستمر في التراجع على مدار العامين الماضيين، فهناك احتمال كبير أن ذلك السهم فخ قيمة. لأن رخص سعره له سبب وهذا السبب هو أن السوق لا يثق في آفاق النمو المستقبلية للشركة. وكما وضح بالأعلى، الرأي الجمعي للمشاركين بالسوق هو مربط الفرس دائماً.
ثانياً: سوء الإدارة: فالإدارة السيئة وغير الكفؤة للشركة هي علامة أكيدة على أن السهم فخ قيمة. لأنه إذا كانت الإدارة لا تمتلك رؤية ولا استراتيجية فإن الاتجاه الوحيد المنطقي الذي سيتحرك فيه هذا السهم هو الأسفل. وهذا ما يفسر أيضاً سبب رخص سعر هذا السهم.
ثالثاً: ارتفاع الديون: إذا كان حجم الديون لدى الشركة مرتفعا جداً وكذلك حجم رافعتها المالية فإن هذا يفسر سبب عزوف المستثمرين عن السهم وبالتبعية انخفاض سعره مقارنة مع نظرائه بالسوق، وذلك لإدراكهم أن الشركة ترقد حرفياً على قنبلة موقوتة تسمى الديون.
رابعاً: الفشل الاستراتيجي: فانخفاض الحصة السوقية للشركة أو تآكل ميزتها التنافسية وعدم قدرتها على احتواء تكاليفها كلها عوامل تشير بقوة إلى أن ذلك السهم هو على الأرجح فخ قيمة.
بالطبع هناك علامات أخرى كثيرة، ولكننا حرصنا هنا على الإشارة فقط إلى أهمها.
كل ما سبق يمكن تلخيصه بالشكل الآتي: "أسهم القيمة" و"فخاخ القيمة" كلاهما أسهم رخيصة، ولكن الفارق هو أن الأولى ترتد لاحقاً ويرتفع سعرها ليعكس قيمتها الجوهرية، في حين أن الثانية إما تتراجع (وهذا هو الأغلب) وإما تظل ثابتة مكانها لا تتحرك. هذه نقرة وتلك نقرة.
وربما أفضل ختام لهذا التقرير هو العبارة الشهيرة التي وردت على لسان "توماس جفرسون" الرئيس السابق للولايات المتحدة وأحد آبائها المؤسسين، والتي قال فيها: "لا تشتر أبداً ما لا تريده، فقط لأنه رخيص؛ فمهما كان رخيصاً فهو لا يزال غاليا".
مقال اعجبني فاحببت ان اشارككم به واتمني ان نستفيد مما نقراء
مواقع النشر (المفضلة)