استفادت قطاعات اقتصادية عدة من تسارع وتيرة التطور التقني حول العالم، ولعل أحد أهم المستفيدين كان قطاع التمويل، حيث ظهرت أنماط جديدة لإتمام نفس مهام المؤسسات التقليدية ولكن بوسائل أخرى مختلفة جعلت المعاملات المالية بسهولة تصفح منصات التواصل الاجتماعي.لا شك كان قطاع التكنولوجيا المالية أو "فينتيك" أحد أبرز نتائج المزج بين الثورة التقنية ومغامرات القطاع المالي، فظهرت أدوات الدفع غير التلامسية وتطبيقات الجوال التي تحفظ الأموال بشكل افتراضي وتسمح بالدفع وتحويل النقود بسرعة غير مسبوقة وعن بعد.في هذه الأثناء كان الاقتصاد الإسلامي آخذًا في التوسع ليشمل قطاعات ومنتجات أخرى غير معهودة مثل الضيافة والترفيه والأزياء وغيرها، وبطبيعة الحال لم يتخلف عن ركب ثورة "فينتيك" العالمية، ولعب دورًا واعدًا للغاية.لكن على عكس المعهود والمتوقع، فإن المبادرة في هذا الجانب "قطاع التكنولوجيا المالية الإسلامي" جاءت من الغرب وليس الشرق، في إشارة تعكس الثقة في الفرص التي يضمنها، وربما أيضًا الثقة في جودة المفهوم نفسه. يأتي ذلك بينما يشهد قطاع التمويل الإسلامي نشاطًا متسارعًا على الصعيد العالمي، وتتوقع وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية نمو الصناعة البالغ حجمها 2.2 تريليون دولار بنسبة تتراوح بين 10% و12% خلال الفترة 2021-2022 بسبب زيادة إصدار السندات الإسلامية والتعافي الاقتصادي المتواضع في أسواق التمويل الإسلامي الرئيسية.الإشارة الأفضل، هي أن الصناعة واصلت النمو العام الماضي على الرغم من الجائحة، وإن كان بوتيرة أقل من عام 2019، مع توسع الأصول الإسلامية العالمية بنسبة 10.6% في عام 2020 مقابل نمو 17.3% في العام السابق له.في ظل هذه الآفاق الواعدة والأساسيات الراسخة، ومع الثورة الرقمية التي يشهدها العالم، فإن الرهان على أعمال "فينتيك" الإسلامية، يبدو منطقيًا حتى لغير المسلمين.
بيئة خصبة وفرص هائلة- قال تقرير "Global Islamic Fintech" لعام 2021 والصادر عن شركتي "DinarStandard" للأبحاث و"Elipses" للرقمنة المالية، إن 56% من شركات التكنولوجيا المالية الإسلامية، تتوقع جمع التمويل عبر بيع الأسهم بما لا يقل عن 5 ملايين دولار للشركة.- قدر التقرير حجم معاملات سوق التكنولوجيا المالية الإسلامية العالمي بنحو 49 مليار دولار (0.7% من حجم المعاملات المالية العالمية) في عام 2020، لكنه توقع أن ينمو بنحو 161% إلى 128 مليار دولار بحلول عام 2025.- التقرير حدد معدل نمو سنوي مركب متوقع لأعمال هذا القطاع بنسبة 21% حتى عام 2025، وهو معدل أكبر من 15% المتوقعة لنمو أعمال شركات التكنولوجيا المالية التقليدية خلال نفس الفترة.- يستمد القطاع وغيره من مجالات الأعمال الإسلامية، القوة من وجود نحو 1.9 مليار مسلم يشكلون 20% من إجمالي عدد سكان العالم، ويوجد في جنوب شرق آسيا عدد كبير من المسلمين يجعلون المنطقة نقطة ساخنة للابتكار في التمويل الإسلامي.- عبّرت شركات ناشئة مثل "Kestrl" في المملكة المتحدة عن اهتمامها بالتوسع في نهاية المطاف إلى هذه المناطق، إندونيسيا هي موطن لأكبر جالية إسلامية في العالم؛ حيث تضم أكثر من 230 مليونًا، أي 87% من سكانها.
اللاعبون الأصليون- يعتقد معدو تقرير "GIF" والذي ركز على دول منظمة التعاون الإسلامي فقط، أن السعودية والإمارات وإيران وماليزيا وإندونيسيا هي الأسواق الرائدة في هذه الصناعة، لكنه لفت إلى 3 تحديات رئيسية تواجههم، وهي نقص رأس المال، وثقافة المستهلك، وجذب المواهب.- في حين أن هذه الضغوط لا تختلف عن تلك التي تواجهها شركات التكنولوجيا المالية التقليدية، فإن التصنيف المنخفض نسبيًا لهذه البلدان على مؤشر التكنولوجيا المالية العالمية يمكن أن يزيد صعوبة جذب المواهب.- يعتبر التقرير السعودية من أفضل أسواق التكنولوجيا المالية الإسلامية أداءً حاليًا، وأحد اللاعبين الرواد، ويتوقع أن تحفاظ على هذه المكانة على المدى المتوسط، حيث يقدر قيمة سوقها حاليًا بـ17.8 مليار دولار، والذي يمكن أن يصل إلى 47.5 مليار دولار في 4 سنوات فقط.- مع ذلك، قال التقرير إنه وفقًا لمقاييس مثل النمو والتواتر، تعد الإمارات وماليزيا في مكانة أكبر كقادة للصناعة، في حين لا تزال السعودية وإيران والبحرين وإندونيسيا "تنضج".
تفوق غربي- المملكة المتحدة هي الآن أكبر لاعب في العالم، في مجال التكنولوجيا المالية الإسلامية؛ إذ إنها موطن لـ27 شركة، متقدمة على ماليزيا وإندونيسيا والإمارات والسعودية، اعتبارًا من يوليو 2020، وفقًا لـ"IFN FinTech"، وهي شبكة عالمية تمثل الجزء الإسلامي من صناعة التكنولوجيا المالية.- قالت الشبكة إنها سجلت بحلول التاريخ المشار إليه، 142 مؤسسة تكنولوجية مالية إسلامية حول العالم، وبعد بريطانيا تأتي ماليزيا ثانيًا ولديها 19 شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا المالية، تليها الإمارات بـ15 شركة، وإندونيسيا بـ13، والسعودية والولايات المتحدة بتسع شركات.- شهد قطاع الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية في المملكة المتحدة بعض الزخم الكبير من الشركات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وكان أحدث لاعب هو شركة "My Ahmed"، وهي منصة نقود إلكترونية، أدرجت ضمن صندوق الحماية التنظيمية لهيئة السلوك المالي في يوليو.- في نفس الشهر، أطلقت منصة الإقراض الإسلامي من نظير إلى نظير "Qardus" خدماتها في المملكة المتحدة، وكذلك فعلت منصة تداول الذهب المتوافقة مع الشريعة الإسلامية "Minted"، التي تخطط لإطلاق بنك رقمي في عام 2021، ولحق بهما "Kestrl"، وهو بديل مصرفي متوافق مع الشريعة الإسلامية.- تأمل مجموعة من الشركات الناشئة في المملكة المتحدة أن تلحق في الوقت المناسب بركب موجة النمو المتوقعة، ويتم تشجيعها من قبل السياسيين الذين يرون أنها وسيلة لتعزيز مكانة لندن كمركز مالي عالمي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.- تعتقد هذه الشركات أنها تتمتع بميزة تنافسية في جميع أنحاء العالم نتيجة تواجدها في بريطانيا، وتقول إنه كون التمويل الإسلامي شيئًا معتادًا في الشرق الأوسط، فهذا يعني أنه من غير المرجح أن يبذلوا قصارى جهدهم للابتكار في السوق العالمي.
السباق إلى العالمية- يمكن القول بأن منصة الاستثمار "Wahed Invest"، ومقرها الولايات المتحدة، هي الأقرب لأن تصبح أول شركة تكنولوجية مالية إسلامية عالمية حقًا؛ حيث إن لديها أكثر من 150 ألف عميل في 130 دولة وتقدر قيمتها بأكثر من 100 مليون دولار.- تخطط الشركة للاستفادة من الثورة التي تشهدها بريطانيا في هذا القطاع، وفي ديسمبر الماضي، وافقت على **** شركة "Niyah" البريطانية الناشئة، التي تبني بنكًا رقميًا منافسًا، لدعم سعيها لتصبح "المتجر الرائد الشامل" للمنتجات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.- المكانة الكبيرة في السوق العالمية هي الجائزة النهائية لكلتا العلامتين التجاريتين، حيث إن ما يقرب من نصف البالغين الذين لا يتعاملون مع البنوك في العالم والبالغ عددهم 1.7 مليار نسمة هم مسلمون، وفقًا للبنك الدولي، و4 من أعلى 10 اقتصادات نموًا في جميع أنحاء العالم هي دول ذات أغلبية مسلمة، وفقًا لصندوق النقد الدولي.المصادر: أرقام- فايننشال تايمز- فينتك مجازين- موقع فينتك فيوتشرز- رويترز- تقرير "GIF"
مواقع النشر (المفضلة)