قبل 26 عامًا وتحديدًا في عام 1995 انهار بنك "برينجز بنك" البريطاني الذي كان يعد واحدًا من أكبر بنوك العالم وأكثرها استقرارًا، ولديه عملاء مرموقون مثل ملكة بريطانيا "إليزابيث الثانية"، وذلك بسبب تهور وسوء سلوك متداول شاب، مما تسبب في خسارة البنك لمليارات الدولارات وإفلاسه في نهاية المطاف.
قصة انهيار "برينجز بنك" هي مثال كلاسيكي على عواقب غياب الحوكمة داخل الشركات الكبيرة، وخصوصًا تلك التي تعمل بالقطاع المالي الذي قد تتكبد الشركات فيه خسائر بالمليارات كنتيجة لخطأ بسيط أو ثقة في غير محلها، وهي في الوقت ذاته تعد دليلًا حي على خطورة ****اد في سوق الأسهم ورفض الاعتراف بالخسائر، ووضع حد لها قبل فوات الأوان.
متداول يحول التراب إلى ذهب!
في عام 1989 حصل "نيك ليسون" على وظيفة في بنك "برينجز بنك" وذلك على الرغم من افتقاره إلى التعليم العالي. كل ما كان لدى "ليسون" هو خبراته السابقة التي جناها أثناء عمله في بنكي "كوتس" و"مورجان ستانلي"، حيث عمل في الأخير مساعدًا في المكتب الخلفي المختص بأنشطة التسوية والمقاصة، مما أكسبه بعض المعرفة حول طريقة عمل الأسواق المالية.
بعد فترة وجيزة من انضمامه إلى فرع البنك بسنغافورة، قام رؤساؤه بترقيته إلى متداول يمارس عمله في قاعة التداول، وذلك قبل أن توكل إليه مهمة الإشراف على معاملات العقود المستقبلية الخاصة بالبنك في البورصة السنغافورية. كانت بداية الرجل أكثر من رائعة، حيث حقق وحده أكثر من 10% من أرباح البنك في عام 1993.
بسبب هذا النجاح الاستثنائي وغير المسبوق، اكتسب "ليسون" الثقة العمياء للإدارة العليا مما منحه استقلالية مطلقة عن الجميع بما في ذلك المراجعون الداخليون والخارجيون للبنك. شركة "كوبرز آند ليبراند" المعينة كمراجع خارجي للبنك كانت حريصة على عدم إزعاج "ليسون" من خلال إجباره على تسليم أوراق ومستندات معينة لخوفها من خسارة "برينجز بنك" كعميل.
حتى البورصة السنغافورية نفسها، كانت تخشى أن يؤدي تدقيقها بشكل عميق في بيانات ونتائج "برينجز بنك" إلى مضايقة البنك البريطاني ودفعه للانتقال لإحدى البورصات المنافسة. كل هذا ساهم في تمهيد الطريق أمام خرق "ليسون" للوائح والقوانين بشكل قاده هو والبنك في النهاية إلى حتفهما.
البعض قد يتساءل أين الموظفون العاملون بالبنك الذين يزاملون "ليسون" بشكل يجعلهم مط**** ولو بشكل جزئي على أنشطته وطبيعة الصفقات التي يدخل بها؟ في الحقيقة، نجح "ليسون" في جعل موظفي البنك الذين يعملون تحته بفرع سنغافورة يدينون له بالولاء، حيث كان يغطي على أخطائهم وفي نفس الوقت يمنحهم مكافآت ضخمة على أدائهم الجيد، وفي المقابل يخلصون له بشدة.
كما حصل الرجل على ثقة المتداولين الآخرين في البورصة السنغافورية والذين كانوا ينظرون إليه باعتباره أحد نجوم السوق بفضل الصفقات الضخمة التي كان ينفذها لعملائه، والتي اتضح لاحقًا أنها لم تكن موجودة في الواقع.
الطريق إلى الهاوية
في أواخر عام 1994 بدأ "ليسون" يتعثر" حيث تكبد خسائر ضخمة، وفي سعيه لتعويض خسائره دخل "ليسون" في أوائل عام 1995 بأموال البنك في رهانين بقيمة إجمالية تقدر بنحو 29 مليار دولار. الرهان الأول كانت قيمته 7 مليارات دولار وكان عبارة عن مركز **** لمجموعة من العقود الآجلة للأسهم في البورصة اليابانية، أما الرهان الثاني فقد بلغت قيمته 22 مليار دولار واتخذ شكل عقود آجلة تمثل سندات حكومية يابانية واستثمارات في العملات. وكل هذه صفقات غير مصرح بها، لم يكن لمثله القيام بها لو لم يحظ بثقة إدارة البنك.
لسوء حظ "ليسون"، ضرب زلزال هانشين أواجي الكبير الأراضي اليابانية في السابع عشر من يناير 1995 مسببًا خسائر كبيرة في الأرواح والمنشآت مما أثر سلبًا على سوق الأوراق المالية اليابانية، لتفشل رهاناته ويخسر البنك بسببها أكثر من 1.4 مليار دولار ويصبح على حافة الإفلاس في غفلة من الزمن.
من خلال تلاعبه بأنظمة المحاسبة الداخلية، تمكن "ليسون" من إخفاء الأمر عن الإدارة في لندن عبر تحريف الخسائر وتزوير سجلات التداول، ولكن في النهاية انكشف الأمر واضطر الرئيس التنفيذي للبنك الاستثماري الأكبر في بريطانيا بالاعتراف بما حدث في الثالث والعشرين من فبراير 1995، وهو ذات اليوم الذي هرب فيه "ليسون" من سنغافورة.
بعدها بثلاثة أيام، انهار البنك تمامًا قبل أن تستحوذ عليه مجموعة "آي إن جي" الهولندية مقابل مبلغ رمزي قدره واحد جنيه إسترليني. أما "ليسون" فقد تم القبض عليه وحكم عليه بالسجن لمدة ستة أعوام ونصف في سنغافورة بعد إقراره بالتورط في خداع مدققي حسابات بنك "بارينجز" وغش البورصة السنغافورية.المصادر: أرقام – نيويورك تايمز – سي إن بي سي – ذا أيرش تايم
كتاب: Corporate Fraud Exposed
مواقع النشر (المفضلة)