وصلت الصين إلى مرحلة متقدمة في مشوارها لتطوير عملة رقمية، حيث بدأت التجارب الفعلية لاستخدمها على نطاق واسع نسبياً، بغرض قياس تأثيرها ومعالجة المشاكل التي قد تطرأ أمام الاستخدام الفعلي، وفي هذه الأثناء يترقب العالم جهودها في المضمار.في حين تمضي دول أخرى بالفعل في سبيلها لدراسة مقترحاتها الخاصة لتطوير العملات الرقمية التابعة للبنوك المركزية، فإن الجميع يُبدي اهتمامًا بالتجربة الصينية المتقدمة؛ لغرضين، أولهما الاستفادة وتقييم الخطوة، أما ثانيهما وأهمهما فهو ترقب التداعيات على النظام المالي العالمي والدولار الأمريكي.تخطط الصين لجعل اليوان الرقمي قابلًا للاستخدام الدولي دون أي رابط بالنظام المالي العالمي الذي يهيمن فيه الدولار الأمريكي، وبالتالي وحال رواج هذه العملة الافتراضية، فإنها تشكل تهديدًا وربما تحدث زلزالًا في النظام المالي المسيطر منذ الحرب العالمية الثانية.أيضًا، يشكك مجلس الاحتياطي الفيدرالي في قدرة الصين على توفير الخصوصية اللازمة لعملتها الرقمية، ويقول "جيروم باول" رئيس البنك، إن الافتقار إلى الخصوصية كما في الحالة الصينية أمر غير مقبول، وإنه عند تطوير الدولار الرقمي، فسيكون أكثر خصوصية من اليوان.قالت عضوة مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي "لايل برينارد"، إن البنك المركزي الأمريكي مهتم بتقدم الصين في مشروعها الذي سيكون له "آثار عالمية". مع ذلك، يبدو اهتمام واشنطن بالعملة الرقمية المقترحة للصين، يتجاوز مسألة الخوف على خصوصية المستخدمين.كشفت تقارير إعلامية مؤخرًا، عن أنه رغم عدم قلق المسؤولين الأمريكيين في الوقت الحالي بشأن النظام المالي العالمي، فإنهم يتطلعون بحرص لفهم كيفية عمل اليوان الرقمي المقترح، وكيف سيتم توزيعه، وما احتمالات استخدامه في الالتفاف على العقوبات الأمريكية.يبدو من الأخبار والتقارير المتواترة قلق واهتمام المسؤولين الغربيين والعالم أجمع بما ستكشف عنه الصين في المستقبل المنظور، ومدى قدرته على تغيير الواقع العالمي، ما يطرح تساؤلات عن مدى تقدم الصين في هذا المشروع وقدرتها على تهديد النظام المالي الحالي.أين وصلت الصين؟- لم تعلن الصين عن جدول زمني رسمي لإطلاق نظام الدفع الإلكتروني بالعملة الرقمية (DCEP)، الذي ظهرت اللمحة الأولى عنه في أبريل 2020 عندما تم تسريب لقطة شاشة لنسخة اختبارية طورها البنك الزراعي الصيني للعملة الرقمية المقترحة.- بدأت تجارب اليوان الرقمي في مايو 2020 في أربع مدن، هي شنتشن وسوتشو وتشنغدو ومنطقة شيونغان بالقرب من بكين. وقع الاختيار على علامات تجارية استهلاكية أجنبية، مثل "ستاربكس" و"ماكدونالدز" و"صب واي" كمشاركين في البرنامج التجريبي الأولي.- كما شارك في التجربة "آنت فايننشال" و"تنسنت" و19 سلسلة مطاعم ومتاجر تجزئة محلية. ذكرت وسائل إعلام محلية أنه خلال التجربة، سُمح لأعضاء الحزب الشيوعي بدفع رسوم عضويتهم باليوان الرقمي مع بنك حكومي واحد لم يذكر اسمه.- في سوتشو، استخدم اليوان الرقمي لدفع نصف إعانات السفر المستحقة للموظفين العموميين، فيما قالت شركة "ديدي" لخدمات مشاركة الركوب في يوليو 2020 إنها دخلت في "شراكة استراتيجية" مع البنك المركزي بشأن خطة العملة الرقمية.- قال بنك الصين وبنك التعمير الصيني والبنك الصناعي والتجاري الصيني والبنك الزراعي الصيني أيضًا في أغسطس 2020 إنهم يعملون على اليوان الرقمي مع البنك المركزي في المدن الكبرى، بما في ذلك شنتشن.- في أكتوبر 2020، أنفق أكثر من 47 ألف مستهلك في شنتشن 8.8 مليون يوان (1.3 مليون دولار أمريكي) خلال تجربة استمرت أسبوعًا للعملة الرقمية السيادية للصين. تقدم 1.9 مليون شخص بطلب للحصول على 50 ألف "حزمة حمراء" رقمية، تحتوي كل منها على 200 يوان (30 دولارًا أمريكيًا).- في ديسمبر 2020، منحت حكومة بلدية سوتشو في مقاطعة جيانغسو أيضًا 20 مليون يوان للمقيمين لاختبار النظام الذي يشار إليه عادةً باسم "E-yuan" أو اليوان الإلكتروني. جرت تجربة ثانية في شنتشن في يناير 2021 شملت 20 مليون يوان.- في أبريل 2021، بدأ بنك الشعب الصيني وسلطة النقد في هونغ كونغ "الاختبار الفني" للاستخدام العابر للحدود لليوان الرقمي، وتسارعت وتيرة التعاون الدولي بين البنك المركزي الصيني ونظرائه في تايلاند والإمارات العربية المتحدة.- وفقًا لتقرير صادر عن شركة "برايس ووتر هاوس كوبرز" الاستشارية، تحتل الصين المرتبة الثالثة بعد جزر الباهاما وكمبوديا في ترتيب نضج مشروعات العملة الرقمية بالتجزئة للبنوك المركزية.تهديد النظام العالمي- يقول "كايل باس"، كبير مسؤولي الاستثمار في "Hayman Capital Management"، إن أكبر تهديد للغرب هو ظهور اليوان الرقمي، والذي وصفه بأنه حصان طروادة يمكن أن يقوض الدول الغربية المتقدمة، خاصة إذا فرضته الصين للتجارة والاستثمار لديها، وما لم تحظره الولايات المتحدة والغرب أو ترفضه بشكل أساسي.- اليوان الرقمي هو أكبر تهديد يواجهه الغرب في السنوات الثلاثين أو الأربعين الماضية، وذلك لأنه يسمح للصين بالوصول فعليًا إلى كل شخص في الغرب ويسمح لهم بتصدير "الاستبداد الرقمي"، على حد قول "باس".- رغم حالة الترقب في الولايات المتحدة واهتمام مجلس الاحتياطي الفيدرالي وجموع المستثمرين والمحللين، علاوة على بعض التحذيرات من تهديد النظام المالي العالمي الحالي على غرار "باس"، تقول الصين إن اليوان الرقمي ليس محاولة لاستبدال الدولار كعملة احتياط عالمية.- في الشهر الماضي، قال نائب محافظ البنك المركزي الصيني "لي بو" إن اليوان الرقمي للبلاد كان يستهدف الاستخدام المحلي، مضيفا: من أجل تدويل اليوان، قلنا مرات عديدة إنها عملية طبيعية، وهدفنا ليس استبدال الدولار الأمريكي أو العملات الدولية الأخرى".- أما مسألة الخصوصية التي أثارها "باول"، فرد عليها المدير السابق لمعهد العملة الرقمية في بنك الشعب الصيني " ياو تشيان" بالقول إن مراقبة مدفوعات المواطنين لم تكن أبدًا دافع الصين لتطوير عملة رقمية سيادية، مشيرًا إلى أن السبب منذا البداية كان مواجهة تأثير منصات الدفع الخاصة التي أصبحت شائعة بشكل متزايد.- يجب على اليوان الرقمي أن يحقق التوازن بين حماية خصوصية المستخدمين والقضاء على جرائم مثل غسل الأموال والتهرب الضريبي وتمويل الإرهاب، وفقًا لـ"ياو" الذي يشغل حاليًا منصب مدير مكتب الإشراف العلمي والتكنولوجي في لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية.- حتى الآن، لا يبدو من التصريحات العامة أو التقارير الإعلامية أن هناك قلقا حقيقيا داخل الإدارة الأمريكية بشأن تقدم الصين في تجربتها لإطلاق اليوان الرقمي، فقط اهتمام بما ستؤول إليه الأمور عند نجاح التجربة.- لكن مع الأخذ في الاعتبار أن الغرب حاليًا عند أضعف مراحل ثقته في بكين، إلى جانب وصول تجربتها إلى المستوى الدولي في ظل انتظار الكثير من الإجابات، فإن هذا الملف قد يصبح شرارة صدام جديد بينهما (الصين والغرب، وأمريكا بالتحديد).المصادر: أرقام- ساوث تشاينا مورنينج بوست- ***** ووتش- بلومبيرغ
مواقع النشر (المفضلة)