كم جوالاً ذكيًا تمتلك؟ وما طول المدة التي تحتفظ خلالها بهاتفك الذكي قبل أن تفكر في استبداله بآخر؟ السؤالان السابقان وجها إلى 500 أسرة سعودية قبل ما يقرب من ثمانية أعوام وتحديدًا في مارس من عام 2013 في إطار استبيان أدرجت نتائجه ضمن أطروحة مقدمة لجامعة فيكتوريا الأسترالية تحت عنوان: "إطار متكامل لنمذجة إدارة المخلفات الإلكترونية في المملكة العربية السعودية"."نمتلك هاتفين أو ثلاثة" هكذا أجابت أكثر من 70% من الأسر السعودية المستطلعة آراؤها، فيما أشارت نحو 83% منها إلى حرصها على استبدال جوالاتها خلال فترة لا تزيد على ثلاث أعوام. ولم تختلف الإجابات كثيرًا حين تم سؤال ذات الأسر حول حيازاتها من أجهزة الكمبيوتر، حيث وضح ما يقرب من 57% منها امتلاكها لثلاثة أجهزة كمبيوتر، يتسبدلها 95% من تلك الأسر في غضون 28 شهرًا تقريبًا.الآن، هناك سؤال يتبادر إلى ذهن كل من يطلع على نتائج هذا الاستبيان، وهو ما مصير الجوالات وأجهزة الكمبيوتر القديمة والمستبدلة؟ على سبيل المثال، هناك اليوم أكثر من 30 مليون مستخدم للهواتف الذكية في المملكة، جزء كبير من هؤلاء يحدثون هواتفهم باستمرار، مستغنين عن القديم منها، إلى أين يُذهب بها؟ السؤال نفسه يجب أن يطرح حول المتقادم من الأجهزة المنزلية الكهربائية، ما مصيرها أو كيف يبدو مثواها الأخير؟في الحقيقة إن إجابة هذا السؤال تثير في النفس شجونا لأنها ترتبط بمشكلة لا تحظى بالتسليط الإعلامي الكافي وبالتالي لا يوجد لدى شريحة كبيرة من الرأي العام في البلاد وعيًا كافيًا بأهميتها وخطورتها فضلًا عن وجودها بالأساس، وهي مشكلة التعامل غير السليم مع النفايات الإلكترونية والكهربائية. والمفارقة هو أنه في ذات الوقت الذي تشكل فيه تلك النفايات خطرًا بيئيًا داهمًا حال التعامل معها بشكل عشوائي، فإنها تمثل أيضَا فرصة استثمارية ممتازة بإمكانها أن توفر الكثير الفوائد الاقتصادية للمملكة.أربعة ملايين طن!في علم الأصول يهتم العلماء بتحرير المصطلحات وضبط معانيها قبل الخوض في تفاصيل المسائل أو الإغراق في الفرعيّات العملية، ومن هذا المنطلق نشير إلى أن مصطلح النفايات الإلكترونية والكهربائية يطلق عادة على الأجهزة الإلكترونية والكهربائية التي انتهى عمرها الافتراضي ولم تعد صالحة للاستخدام، وهو ما يدفع أصحابها للاستغناء عنها ومحاولة التخلص منها.الهاتف الذكي والكمبيوتر والآيباد والغسالة والثلاجة والتلفاز وجهاز التكييف والبطارية وجهاز البصمة والكاميرا والمسجل والسماعة، كل هذا وأكثر يسمى نفايات إلكترونية وكهربائية حين ينتهي عمره الافتراضي. إجمالًا تنتج المملكة سنويًا نحو 4 ملايين طن من النفايات الإلكترونية والكهربائية وذلك وفقًا لتصريحات ناصر الذويب العضو المنتدب لشركة تدوير البيئة الأهلية "تدوير"، مما يجعل السعودية تتصدر العالم العربي من هذا الجانب.ولكن المشكلة ليست في الحجم الكبير لتلك النفايات بقدر ما هي في طريقة التعامل معها. للأسف ينتهي الحال بالجزء الأكبر من النفايات الإلكترونية والكهربائية مطمورة وملقاة في مكبات النفايات المنتشرة في أنحاء متفرقة من المملكة، وهو ما يخلق مشكلة مزدوجة، فمن جهة يتم هدر موارد ثمينة يمكن الاستفادة منها إذا خضعت تلك النفايات لإعادة التدوير وفق المعايير الدولية، ومن جهة أخرى يتم تعريض البيئة والناس للخطر بسبب التعامل العشوائي مع المواد الخطرة التي تحتوي عليها كثير من هذه النفايات.في الكمبيوتر والتلفاز .. مواد سامة!تحتوي النفايات الإلكترونية والكهربائية على تركيبة متنوعة ومعقدة من ****اصر والمواد. على سبيل المثال، تشكل عناصر مثل الحديد والألومنيوم ومواد مثل البلاستيك والزجاج حوالي 80% من وزن النفايات الإلكترونية والكهربائية، أما الجزء الباقي فيضم عادة عناصر ثمينة مثل الذهب والفضة والبلاتين والبلاديوم، ومواد خطرة وسامة مثل الرصاص والزرنيخ والكادميوم والسيلينيوم والكروم سداسي التكافؤ ومثبطات اللهب، وهي جميعها مواد تشكل خطرًا على البيئة والبشر.تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن كل 215 طنًا من نفايات أجهزة الكمبيوتر يحتوي على طنين من الزرنيخ وثلاثة أطنان من الزئبق وعشرة أطنان من الرصاص، كما أن 40% من إجمالي الرصاص الموجود في مكبات النفايات مصدره الإلكترونيات الاستهلاكية. هناك حوالي 22 مادة ضارة تدخل في تكوين الإلكترونيات يمكنها تلويث المياه الجوفية وتشكيل مخاطر أخرى.باختصار، هذا الكم الكبير من المواد السامة والخطرة يؤكد أهمية الحاجة إلى إدارة النفايات الإلكترونية بشكل مناسب لتجنب الأضرار المحتملة على البيئة وصحة الناس. الرصاص على سبيل المثال يمكنه أن يسبب أضرارًا للجهاز العصبي ونظام الدم والكلى عند الإنسان، كما أن له تأثيرات سامة على النباتات والحيوانات والكائنات الحية الدقيقة.المخاطر التي تواجهها المملكةالتعامل مع تلك النفايات وإعادة تدويرها يحتاج إلى جهات وشركات لديها المعرفة والخبرة التي تمكنها من التعامل مع هذا الكم من المواد الخطرة باحترافية ووفق المعايير الدولية. ولكن تلك الحقيقة لم تمنع أنشطة إعادة التدوير غير الرسمية التي تتم بشكل عشوائي في مكبات النفايات، والتي لا يجيد القائمون عليها التعامل مع المواد الخطرة الداخلة في تكوين الأجهزة المتقادمة، فيتسببون في إطلاقها في البيئة بغير قصد.كيف يضع هؤلاء أيديهم على تلك النفايات؟ هذا ببساطة إحدى نتائج افتقار المملكة لسياسة شاملة أو إطار تنظيمي واضح يضبط كيفية التعامل مع هذا النوع من النفايات، مما يترك الباب مفتوحًا أمام ممارسات تضر بالبيئة وفي نفس الوقت يساهم في إهدار ****اصر الثمينة التي يصعب على غير المتخصصين استخراجها مما يخلق مشكلة عدم استدامة.منذ أواخر القرن العشرين ومع تسارع وتيرة التطورات العلمية والتكنولوجية زادت القدرة على استخراج الموارد الطبيعية ومعالجتها واستخدامها ضمن العملية التصنيعية. وللأسف، لفترة طويلة لم يحدث تطور مواز في طرق إعادة هذه الموارد إلى أصلها البيئي من أجل إدخالها مرة أخرى في دورة جديدة من الاستخدام، لينتهي الحال بالجزء الأكبر منها مدفونًا كنفايات، مما يؤدي إلى استنزاف المتاح في باطن الأرض من هذه الموارد.إذا استمر هذا النهج، فقد ينتهي الأمر باستنزاف مواردنا الطبيعية بالكامل. والطريقة الوحيدة لتجنب هذا الطريق المسدود هي من خلال اعتماد أحدث تقنيات وأساليب إعادة تدوير النفايات الإلكترونية والكهربائية من جهة، وسن تشريعات داعمة وزيادة الوعي العام بما يشكله هذا النوع من النفايات من خطر من جهة أخرى.ومن أهم الشركات العاملة في هذا القطاع هي شركة تدوير البيئة الأهلية "تدوير" حيث ساهمت تدوير بشكل فعال بتحقيق رؤية ولي العهد منذ إنشائها في عام 2017م في تدوير ما يقارب 100 ألف طن من النفايات الإلكترونية والكهربائية من خلال منظومة متكاملة وبأحدث التقنيات في هذا المجال.
يتبع
مواقع النشر (المفضلة)