مع ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها في عدة أعوام، يراهن البعض على تجاوزها عتبة الـ 100 دولار للبرميل بحلول نهاية هذا العام. في الواقع، بعد أن وصلت الأسعار في الأيام الأخيرة إلى أعلى مستوياتها في عدة أعوام، لا تزال لديها فرصة للارتفاع أكثر هذا الشتاء. أساسيات السوق قصيرة الأجل تشير إلى ذلك. حيث انخفضت المخزونات العالمية إلى ما دون متوسط الخمسة أعوام قبل الوباء مع استنفاد المخزونات، مع ارتفاع الطلب وسط ضعف استجابة العرض من المنتجين.في الأشهر المقبلة، تضيف أزمة الطاقة في أوروبا وآسيا والارتفاع القياسي لأسعار الغاز الطبيعي والفحم مزيدا من الدعم إلى الحالة الصعودية لأسعار النفط، حيث يجري بالفعل التحول من الغاز إلى منتجات النفط مثل زيت الوقود والديزل، خاصة في آسيا. كما أن هيكل منحنى أسعار النفط المستقبلية بعد عام من الآن يشير إلى تشدد السوق وإمكانية ارتفاع أسعار النفط. وعلى جانب الطلب عزز تعافي الاقتصادات والتنقل في الأشهر الأخيرة الطلب العالمي على النفط، ما أدى إلى انخفاض المخزونات العالمية إلى ما دون معدلاتها الأخيرة.في هذا الجانب لاحظ محلل السوق في "رويترز" أن مخزونات النفط التجارية في كل من الولايات المتحدة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية انخفضت إلى ما دون متوسطات الخمسة أعوام لما قبل الجائحة، وألغت بذلك بناء المخزون الضخم خلال ربيع وصيف العام الماضي.حسب آخر بيانات إدارة معلومات الطاقة، بلغت مخزونات النفط الخام التجارية الأمريكية 426.5 مليون برميل، أي: أقل بنحو 6 في المائة من متوسط الخمسة أعوام لهذا الوقت من العام. أظهر أحدث بيانات الإدارة أن مخزونات البنزين كانت أقل من متوسط الخمسة أعوام بنحو 2 في المائة، وانخفضت مخزونات نواتج التقطير 9 في المائة، بينما كانت مخزونات البروبان/ البروبلين أقل بنسبة 21 في المائة من متوسط الخمسة أعوام لهذا الوقت من العام.من جانبها، قالت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري الأخير: إن المخزونات التجارية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية كانت في آب (أغسطس) أقل من متوسط الخمسة أعوام قبل الجائحة بنحو 162 مليون برميل. تظهر البيانات الأولية للولايات المتحدة، وأوروبا، واليابان أن مخزونات الصناعة البرية تراجعت بمقدار 23 مليون برميل أخرى في أيلول (سبتمبر). على الصعيد العالمي، ذكرت الوكالة أن مخزونات المنتجات في الربع الثالث شهدت أكبر سحب خلال ثمانية أعوام، وهو ما يفسر الزيادة القوية في هوامش المصافي في أيلول (سبتمبر) رغم ارتفاع أسعار النفط الخام بشكل ملحوظ. وأشارت الوكالة إلى أن أزمة الطاقة في أوروبا وآسيا يمكن أن تعزز الطلب العالمي على النفط بمقدار 500 ألف برميل يوميا مقارنة بالسوق "العادية" دون أزمة الغاز والفحم، ما يرفع توقعاتها للطلب العالمي على النفط في 2021 و2022.تشير هذه الأرقام إلى انتعاش الطلب رغم ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا في الولايات المتحدة وآسيا خلال الصيف، لكن إضافات العرض إلى سوق النفط لم تواكب وتيرة الطلب المتزايد. أولا، حد إعصار إيدا من إمدادات النفط الأمريكية من خليج المكسيك من نهاية آب (أغسطس) حتى معظم أيلول (سبتمبر). ولن تعود الإمدادات إلى طاقتها الكاملة حتى أوائل العام المقبل، حيث ستظل منصة شركة شل خارج الخدمة حتى نهاية عام 2021.في الوقت نفسه، تواصل مجموعة "أوبك +" الإبقاء على سياستها الإنتاجية، مضيفة 400 ألف برميل فقط كل شهر إلى إجمالي المعروض. هذا رغم دعوات الولايات المتحدة والدول المستهلكة الأخرى لزيادة الإنتاج وكبح أسعار النفط المرتفعة، ورغم أزمة الطاقة التي أجبرت المرافق على التحول إلى الوقود النفطي وسط ارتفاع قياسي في أسعار الغاز الطبيعي، ما أدى إلى زيادة الطلب على المنتجات النفطية.في المقابل، يشير المنتجون الرئيسون في مجموعة "أوبك +" إلى توقع زيادة المعروض العام المقبل وإلى الحاجة إلى النظر إلى ما بعد الشهرين المقبلين في قرارهم بالاستمرار في إضافة الـ 400 ألف برميل في اليوم شهريا. في هذا الجانب، استبعد الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي في حديثه في أسبوع الطاقة الروسي في موسكو، خيار استجابة التحالف على ارتفاع أسعار النفط من خلال إضافة مزيد من المعروض أكثر مما كان مخططا. وخلال منتدى "سيرا ويك الهند" للطاقة، قال: "إن أزمة الطاقة الحالية لا ترجع إلى نقص النفط الخام"، وأضاف: "حتى لو جعلناه متوافرا بأطنان وأطنان، فمن سيحرقها؟ من يحتاج إليها؟ وهل هم في حاجة إلى النفط الخام أم يحتاجون، على سبيل المثال، إلى الغاز؟".علاوة على ذلك، تشير أرقام العرض إلى حقيقة أن "أوبك +" تضخ بالفعل أقل بكثير من سقف الإنتاج الجماعي، مع فشل بعض أعضاء التحالف - بما في ذلك أنجولا ونيجيريا وأذربيجان - في زيادة الإنتاج بما يتماشى مع حصصهم في الاتفاق. نشأت هذه الصعوبات من مشكلات فنية ونقص الاستثمارات وانخفاض نشاط الاستكشاف في الأعوام الأخيرة. وفقا لتقديرات "بلومبيرج" إذا التزم جميع أعضاء التحالف بسقوف الإنتاج الخاصة بهم في أيلول (سبتمبر)، فإن الإنتاج الإجمالي للمجموعة سيكون 747 ألف برميل يوميا أعلى مما كان عليه.لكن، يبدو أن المجموعة ليست قلقة بشأن تدمير الطلب عند 85 دولارا للبرميل، على الأقل ليس في الوقت الحالي. يؤكد قادة المجموعة أهمية رؤية طويلة المدى واستقرار في السوق، ويتوقعون زيادة العرض عام 2022 من داخل "أوبك +" ومن النفط الصخري في الولايات المتحدة التي يبدو أن المنتجين هناك يحافظون على انضباطهم الرأسمالي حتى عند 80 دولارا للبرميل.في الوقت الحالي، ستبقى الأسوق متشددة حتى نهاية عام 2021، حيث قفزت حالة التراجع backwardation - وهو مؤشر رئيس لتشديد السوق - بين عقد برنت في كانون الأول (ديسمبر) 2021 وعقد كانون الأول (ديسمبر) 2022 إلى أكثر من ثمانية دولارات للبرميل في الأيام الأخيرة. وهذه هي أشد حالة تراجع لخام برنت للـ 12 شهرا منذ 2013، وفقا لبيانات نقلتها "رويترز". يشير بعض المصادر إلى أن أزمة الطاقة الحالية أدت إلى تكوين أرضية لأسعار النفط حول 80 دولارا للبرميل.في حين أن زيادة حالة التراجع لخام برنت في أيام التداول الأخيرة تشير إلى أن مسار ارتفاع أسعار النفط لا يزال قويا، حيث إن تشدد السوق الحالي ستكتسب قوة دفع متزايدة خلال فصل الشتاء.
مواقع النشر (المفضلة)