بسم الله الرحمن الرحيم
سد أذنيك وركز على الهدف .. كيف تُشوّش الحقائق في سوق الأسهم؟
يرى الجميع في سوق الأسهم هدفاً واحداً لا يتغير وهو السعي لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة مع تفادي الخسائر قدر الإمكان.
لكن رغم بساطة الهدف ووضوحه، فإن كثيراً من المستثمرين ينتهي بهم الأمر بخسارة أموالهم؛ بسبب الكثير من الخيارات والضوضاء التي قد تلقي أطناناً من الضباب في طريقهم.
استثمر بشرط واحد
كيف سيكون رد فعلك إذا علمت أن سوق الأسهم سيفتح أبوابه مرة واحدة فقط كل عام؟
تخيل أن لديك يوماً واحداً للتعامل شراءً أو بيعاً على أي سهم ترغب فيه، ثم ستحتفظ بمحفظتك الاستثمارية لمدة عام كامل قبل أن تتاح لك فرصة إعادة تنظيم الأمر.
بالطبع أولى النتائج المتوقعة ستتمثل في توقف الكثير من المستثمرين عن المشاركة في السوق، خاصة هؤلاء الذين يتعاملون لأغراض البيع والشراء السريع في إطار عمليات المضاربة.
في نفس الوقت سيتردد الكثيرون بشأن شراء أسهم كانوا سيتجهون لحيازتها سابقاً مع نية بيعها خلال أشهر، إلا في حال كانت معروضة بشكل مُغرٍ بالفعل، كما سيمتنع البعض عن الاتجاه للبيع مع أول ظهور أخبار سلبية عن السهم.
الواقع أن الاستثمار الصحيح في السوق يجب أن يتم بنفس هذا المبدأ البسيط، البيع عندما تعتقد أن السعر يعكس القيمة الحقيقية للشركة وليس لمجرد حدوث هبوط في السعر السوقي للسهم.
الأمر الأهم هنا هو أنه إذا كان السوق يعمل لمدة يوم واحد فحسب، سيعمل المستثمر بجدية على اختيار الاستثمارات التي قد يرغب في دخولها، من خلال دراسة كل شيء متعلق بالشركة وأعمالها وإدارتها.
بعبارة أخرى، سيركز المستثمر على الشركة وليس السهم لأنه يعلم أن الفرصة المتاحة للشراء محدودة وأن أمواله ستكون عالقة لعام كامل.
يقول المستثمر الشهير "وارن بافيت" إنه يستثمر كما لو كان سوق الأسهم سوف يغلق أبوابه لعدة سنوات قادمة، فإذا كنت لا تمتلك النية للاحتفاظ بالسهم لمدة 10 سنوات قادمة فإنك لا يجب أن تمتلكه لمدة 10 دقائق.
سحر الوقت وأزمته
لكن بالعودة إلى الواقع، نجد أنه بما أن الأسواق تعمل كل يوم فإن المستثمرين يسعون لاختصار طريق الاستثمار، لكن هذا الطريق المختصر عادة ما يؤدي للكثير من الخسائر.
فمعرفة أنه بإمكان المستثمر أن يبيع حيازته من الأسهم في أي وقت يرغب في ذلك يجعل الأمر محكوماً بالمشاعر أكثر من المنفعة والأساسيات والمنطق.
والواقع يظهر أن سوق الأسهم يعتبر مكاناً بارزاً لجعل الأذكياء يقومون ببعض الأمور الغبية، فقرار بيع سهم ما بعد أيام أو أسابيع من شرائه لمجرد هبوط السعر يبدو نوعاً من الحماقة إذا لم تكن أساسيات الشركة شهدت تغيراً.
التجارب العملية تظهر أن بعضاً من أعظم قصص نجاح الشركات مثل "كوكاكولا" أو "ماكدونالدز" أو "آبل" وغيرها الكثير تطورت على مدار عقود مع الكثير من فترات الهبوط المؤقت والعقبات في الطريق.
وإذا قام أي مستثمر بالتخلي عن هذه الشركات الناجحة لمجرد مرورها في وقت ما بحالة من التراجع فإنه سيكون فقد فرصة تحقيق عوائد استثنائية كان يمكن الحصول عليها لو اهتم بالنظر للأساسيات والآفاق على المدى البعيد.
الوقت هو صديق الشخص صاحب النظرة طويلة الأجل في الاستثمار، لكنه قد يكون عدواً لهؤلاء الذين يهتمون بالتغيرات اللحظية ويسعون للربح السريع.
لكن المشكلة تتمثل في أنه حتى بالنسبة للمستثمر الذي يشترى سهماً بعد دراسة أعمال الشركة وأساسياتها مع نية صادقة بالاحتفاظ، يظل قرار الشراء أو البيع قابلاً للتأثر بفيضان المعلومات الذي يتدفق كل دقيقة ويحرك مشاعر الخوف والطمع بداخله.
كثير من الضوضاء
"رغم صعوبة القيام بذلك، يعرف المستثمرون الأذكياء أن مفتاح النجاح يكمن في تجاهل الضجيج اليومي للأسواق".. هكذا يلخص "لاري سويدرو" مدير الأبحاث في "باكنغهام أسيت مانجمينت" المشكلة التي تواجه الكثيرين.
تتدفق المعلومات بشكل مكثف وسريع طوال اليوم في شكل عناوين درامية تظهر في الصحف والمواقع المالية ومحطات الأخبار، ما يجعل من الصعب على المستثمرين إبقاء أعينهم على الجائزة الحقيقية.
وبالفعل، أصبح تجاهل التطورات اللحظية للسوق مهمة شاقة بالنظر إلى كم الصحف والمواقع والمحطات الإخبارية المتخصصة والعامة التي تنقل حركة الأسهم كل دقيقة، كما أن بعض المستثمرين يفضلون الاشتراك في خدمات إخبارية تأتي لهم بالتطورات بشكل لحظي.
وعندما ينشغل المستثمرون بالتدفق المستمر للأخبار، فإنهم يميلون إلى الذعر أو الحماس الذي قد يقودهم نحو اتخاذ قرارات متسرعة، خاصة في الفترات التي لا تسير فيها الأمور بشكل جيد في السوق.
لكن من الضروري معرفة أنه مع الاعتراف بحقيقة أن المعلومة تمثل أساس عملية الاستثمار، فإن الكثير من المعلومات قد لا تكون جيدة أو ذات أهمية بل قد تمثل مجرد ضوضاء غير مؤثرة على أساسيات الأصل وربما تحجب الرؤية الصحيحة للأمور.
ربما تعتبر هذه المعلومات اللحظية مهمة بالفعل في حال كان المستثمر صريحاً مع نفسه ويعلم أنه مهتم بالمضاربة ويسعى للبيع والشراء السريع، لكن حينها يجب أن يكون أيضاً مستعداً للخسائر التي قد تأتي من الشراء المتسرع أو البيع بسعر أقل مما يمكن الحصول عليه لاحقاً.
وغالباً لا يكون للأحداث اللحظية والتقارير التي ترصدها أي تأثير يذكر على الاتجاهات طويلة الأجل للاستثمار، لكن هذه الحقيقة لا تظهر في هذه التغطيات المستمرة التي تقتصر على النظرة الضيقة للأمور في شكلها الحالي.
التقلبات اللحظية لأسعار الأسهم تعكس عادة تذبذبات في مشاعر المستثمرين أكثر من كونها تقدم إشارات على حدوث تغيير حقيقي في أساسيات الاستثمار.
ويقول "جون بوجل" مؤسس "فانجارد جروب" إن المستثمرين يجب أن يعلموا حقيقة أن التقلبات في سوق الأسهم تعتبر أمراً طبيعياً ومن الأفضل تجاهلها.
"كل هذه الضوضاء التي تتحرك صعوداً وهبوطاً طوال الوقت لا تتجاوز مجرد مشاعر تربكك فحسب، السؤال يجب أن يكون: هل ارتفاع أو هبوط قيمة استثماراتك على الورق يعتبر أمراً مزعجاً بما يكفي للقيام برد فعل متهور؟"، يضيف "بوجل".
المستثمر الحقيقي الذي يهتم بالقيمة وليس السعر يتجاهل دائماً الضوضاء المحيطة بالسوق والتي لا تغير شيئاً في أساسيات استثماره.
وبالنسبة لمستثمري القيمة، يعتبر سوق الأسهم مكاناً يسمح بشراء حصص في الشركات بأقل من قيمتها الحقيقية وبيع أخرى تتداول بسعرها العادل.
وبالتالي فإن أسعار الأوراق المالية تقتصر على كونها أداة تخبرنا بالوضع الحالي وليس الغرض منها توجيهنا لقرارات بعينها، فالسعر الحالي يسمح للمستثمر بتحديد ما إذا كان هناك صفقة رابحة متاحة أم لا، بعد تحليل أعمال الشركات وتقييمها.
في النهاية، يكمن الحل دائماً في التزام المستثمر بخطته الأصلية والتركيز على الجائزة النهائية، وهو ما يتطلب أحياناً إغلاق أذنيه عن الضوضاء اليومية التي تمتلئ بها الأسواق.
مواقع النشر (المفضلة)