والإمساك فعل من أفعال الله ، وليس معناه تعطيل الله عن الفعل ، بل هو لم يزل ولا يزال فعالا لما يريد، لكنه يمسك عن الفعل في شي ما لحكمة بالغة ، ففعله حكمة ، وإمساكه حكمة .قوله : (حتى يوافي به يوم القيامة ) . أي : يوافيه الله به : أي : يجازيه به يوم القيامة ، وهو الذي يقوم فيه الناس من قبورهم لله رب العالمين
وسمي بيوم القيامة لثلاثة أسباب :1 . قيام الناس من قبورهم لقوله تعالى : (يوم يقوم الناس لرب العالمين )(المطففي6 )
2 .قيام الأشهاد ، لقوله تعالى: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) (غافر : 51)
3. قيام العدل ، لقوله تعالى : (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) (الأنبياء:47)
والغرض من سياق المؤلف لهذا الحديث :
تسلية الإنسان إذا أُصيب بالمصائب لئلا يجزع ،فإن ذلك قد يكون خيرا، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، فيحمد الله أنه لم يؤخر عقوبته إلى الآخرة .
وعلى فرض أن أحدا لم يأت بخطيئة وأصابته مصيبة ، فنقول له : إن هذا من باب امتحان الإنسان على الصبر ، ورفع درجاته باحتساب الأجر ،
لكن لا يجوز للإنسان إذا أصيب بمصيبة، وهو يرى أنه لم يخطيء أن يقول : أنا لم أُخطي ، فهذه تزكية ، فلو فرضنا أن أحدا لم يصب ذنبا وأصيب بمصيبة ،
فإن هذه المصيبة لا تلاقي ذنبا وأصيب بمصيبة ، فإن هذه المصيبة لا تلاقي ذنبا تكفره لكنها تلاقي قلبا تمحصه ، فيبتلى الله الإنسان بالمصائب لينظر هل يصبر أم لا؟
ولهذا كان أخشى الناس لله –عز وجل- وأتقاهم محمد صلى الله عليه وسلم ، يوعك كما يوعك رجلان منا وذلك لينال أعلى درجات الصبر فينال مرتبة الصابرين على أعلى وجوهها ،
ولذلك شدد عليه صلى الله عليه وسلم عند النزع ، ومع هذه الشدة كان ثابت القلب ، ودخل عليه عبد الرحمن ابن أبي بكر وهو يستاك ، فأمده بصره ( يعني : ينظر إليه )
فعرفت عائشة رضى الله عنها أنه يريد السواك ، فقالت : آخذه لك ؟ فأشار برأسه نعم ، فأخذت السواك وقضمته وألانته للرسول صلى الله عليه،فأعطته إياه ،فاستن به،
قالت عائشة: ما رأيته استن استنانا أحسن منه ، ثم رفع يده قال : (في الرفيق الأعلى)
فانظر إلى هذا الثبات واليقين والصبر العظيم مع هذه الشدة العظيمة ، كل هذا لأجل أن يصل الرسول صلى الله عليه وسلم أعلى درجات الصابرين ،
صبر لله ، وصبر بالله , وصبر في الله حتى نال أعلى الدرجات
يتبــــــــــع
مواقع النشر (المفضلة)