نائب المراقب العام
محـ اليتامى ـب
الحالة
غير متصل
رد: وقفات تأمل مع عامنا 1444 الهجري الجديد
أيها الإخوة في الله: إن تعاقب الليالي والأيام والشهور والأعوام جعلها الله -عز وجل- خزائن للأعمال ومراحل للأجال،
وهذا السير الحثيث يباعد عن الدنيا ويقرب إلى الآخرة، ويباعد من دار العمل ويقرب من دار الجزاء، وكثير من الناس عن ذلك غافلون،
قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "ارتحلت الدينا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منها بنون،
فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل".
إننا في هذه الأيام ودعنا عامًا هجريًا واستقبلنا عامًا آخر، وإن دخول عام هجري جديد يبث في الأشجان خواطر عديدة ويسترجع من الذاكرة أحداثا كثيرة مرت على هذه الأمة.
فلنقف وقفة، بل وقفات تأمل مع وداعنا لعام هجري واستقبالنا لعام آخر لعلنا نؤمن ساعة ولعلنا نفتح صفحة جديدة وسنة مفعمة بالخير على ما يحبه الله ويرضاه.
الوقفة الأولى: في فضل شهر الله المحرم: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" [رواه الإمام مسلم].
فحري بنا -أيها الإخوة- أن نبدأ عامنا بصيام بضعة أيام من هذا الشهر المبارك الذي سيحل علينا لعظم ثوابه عند الله، فهو في الفضل يأتي في الدرجة الثانية بعد صيام رمضان.
الوقفة الثانية: في فضل صيام عاشوراء: وهو اليوم العاشر من شهر المحرم، فصيامه يكفر الله عنك ذنوب سنة كاملة؛ لما رواه أبو قتادة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "وصيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" [رواه الترمذي].
وعن *** عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة فوجد اليهود صياماٌ يومَ عاشوراء، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما هذا اليوم الذي تصومونه؟" فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وَغرَّق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا، فنحن نصومه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فنحن أحق وأولى بموسى منكم"، فصامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمر بصيامه. رواه الإمام مسلم.
ولحرص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على مخالفة اليهود والنصارى في كل أمر من أمور الحياة أمر بصيام يوم إضافي قبل عاشوراء أو بعده، فقد روى *** عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود وصوموا قبله يوما أو بعده يوما" [رواه الإمام أحمد والبيهقي بسند جيد، ضعفه الألباني].
فحري بنا -معشر الإخوة- أن لا نفوت علينا يوم عاشوراء فهو يوم من أيام الله؛ يكفر ذنوب سنة كاملة، فصوموا اليوم العاشر من المحرم وصوموا يوما قبله أو يوما بعده مخالفة لليهود؛ واستجابة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الوقفة الثالثة: يوم انتصار الحق على الباطل: -أيها الإخوة الحضور- إن صيامنا ليوم عاشوراء إنما هو تعبير عن شكرٍ وفرح لنجاة موسى -عليه الصلاة والسلام- في نفس اليوم من طاغية زمانه فرعون.
تأملوا -أيها الإخوة- إلى عمق رابطة الأخوة الإيمانية بين المؤمنين، وكيف امتدت جذورها لتخرق آلاف السنين لنشارك موسى -عليه الصلاة والسلام- فرحته بانتصار الحق على الباطل، فصيامنا ليوم عاشوراء هو مشاركة وجدانية لموسى -عليه الصلاة والسلام- وقومه من ظلم طاغية متجبر؛ كما جاء في الحديث السابق.
فانظروا إلى مدى ارتباط المؤمنين مع بعضهم وعمق فرحهم بنجاة موسى -عليه الصلاة والسلام- وقومه، مع فارق الزمن الذي بيننا وبينهم؛ إنه الإيمان الذي يوحد الأمة ويربط بين قلوبهم مهما تباعدت أقاليمهم واختلفت ألسنتهم.
هكذا المؤمن يفرح لفرح المؤمنين ويحزن لمصائبهم أينما كانوا ومهما اختلفت جنسياتهم وابتعدت أوطانهم.
أما اليوم فتجد المسلمين يعيشون في زمن واحد وفي بلاد متقاربة إعلاميا، ولكن لا يحزن المسلم لمصاب أخيه، ولا يقدم له الدعاء والنصرة وهو يراه عبر شاشات التلفاز يقتل ويسحق بأيدي أعداء الإسلام، وكأنه ينظر إلى أفلام بوليسية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يجبُ أن نعلم أن المسلمين أمة واحدة تجمعهم كلمة التوحيد، ويربطهم الإيمان بالله، والتآخي فيه، لا يربطهم دم ولا عروبة ولا لغة ولا وطنية ولا جنسية؛ لأن هذه الروابط قصيرة الأمد، ضعيفة المفعول، قابلة للتغير والتبديل بتغير الظروف السياسية والاجتماعية.
أما الإسلام فهو باق لا يتغير إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
الوقفة الرابعة: العاقبة للمتقين: إن تكرارَ فرحَ المؤمن كل عام بنجاة موسى -عليه الصلاة والسلام- من فرعونَ ذلك الزمن الذي حارب الدين وأهله حتى خسف الله به فأهلكه هو وجنوده في البحر إنما ليكونوا عبرة لغيرهم: (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) [القصص: 8].
إن سر تكرار قصة موسى وفرعون في القرآن الكريم حتى فاقت جميع القصص لعله تسلية لدعاة الإسلام في كل مكان وزمان بأن يصبروا على ما يصيبهم من أذى، وما يحاك لهم من مؤامرات دولية، وليعلموا أن الباطل مهما انتفش فإن أمره إلى زوال وأن العاقبة للمتقين.
الوقفة الخامسة: كيف تعبر عن فرحتك؟: إن شكر المؤمن لله -عز وجل- عند فرحته يتمثل بالتقرب إلى الله -جل وعلا- بالمزيد من الطاعات من ذكر وحمد وشكر وصيام وإنفاق مال في وجوه الخير للفقراء والمحتاجين، وليس كما يفعل بعض الناس اليوم من إقامة الاحتفالات الصاخبة مع ما فيها من تبذير واستنزاف للأموال الطائلة وتزمير وتصفيق وإزعاج وتفحيط؛ عندما فتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة المكرمة دخلها وهو مطأطأ رأسه، متواضعا لله، شاكرا له على هذا النصر والتمكين، مستذكرا خروجه من مكة فارا بدينه، واليوم يدخلها فاتحا منتصرا معززا، فكان تواضعه لله أن كادت لحيته أن تلمس سنام ناقته -صلى الله عليه وسلم-.
إن الواحد منا إذا رزق بزيادة نعمة من مال أو ولد أو مرتبة وظيفية، أو غير ذلك، أقام الولائم لأرحامه وأصدقائه فقط، وزادهم شبعا على شبعهم، وفرحا على فرحهم، وحرم الفقراء من هذا الشكر.
فنحن -معشر الإخوة- نصوم يوم عاشوراء تعبيرا لشكرنا على انتصار الحق على الباطل، وهو أدب رباني يؤدبنا فيه على كيفية التعبير عن الفرح والسرور في حياتنا الاجتماعية.
يارب لك أرفع أكف الضراعة وإيمانى بك يملأ قلبى بكل القناعةيارب ياعظيم
ياصاحب العرش الكريم يارحمن الدنيا والآخرة ورحيمهمايامن لايعجزه شيء في السماء ولافي الأرض ياقوي ياقادرأسألك أن تغفرلأمي وأبي وترحمهما وتوسع لهما في قبريهما وتنورلهما فيه يارب
مواقع النشر (المفضلة)