والآن نبدأ بعون الله سلسلة جديدة، وهذه السلسلة تُعنى بمعلومات يظن الكثير من الناس أنها مستفادة من التطور الذي تعيشه الإنسانية هذا العصر ، ولو تناقش أحد في هذه الأمور سيقول لك : هؤلاء توصلوا لها عن طريق أجهزة متقدمة وأقمار صناعية وحسابات معقدة ، تجي أنت وتقول رأيك ؟!!!
ومن خلال هذه السلسلة ستدرك بمشيئة الله أن هذه الكلمات ما هي إلا
أوهام في ذهن هذا الشخص، منعته عن التفكير أو قبول أي رأي مخالف ! وأن هذه المعلومات كانت معروفة قبل اكتشاف ( امريكيا ) التي فيها وكالة ناسا
ونبدأ الآن مستعينين بالله الموضوع الأول من هذه السلسلة ( القمر يستمد نوره من الشمس )
درسنا في المناهج التعليمية أن القمر جسم معتم يستمد نوره من الشمس ، وكما قلتُ في المقدمة الكثير يظن أن هذه المعلومة نتيجة أجهزة رصد متقدمة وحسابات معقدة ... إلخ . ولكن في الحقيقة أن هذا التفسير معروف منذ القدم، وأنها مطروحة بين القبول والرفض .
فدعونا نذهب لزمن ما قبل اكتشاف امريكيا التي فيها ناسا، فنجد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول :
أَوْ كَانَتْ مِنْ التَّجْرِيبِيَّاتِ أَوْ الْمُتَوَاتِرَاتِ أَوْ الْحَدْسِيَّاتِ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ مِنْهَا مَا هُوَ مِنْ النَّفْسِيَّاتِ الْوَاجِبِ قَبُولُهَا مِثْلَ الْعِلْمِ بِكَوْنِ نُورِ الْقَمَرِ مُسْتَفَادًا مِنْ الشَّمْسِ .
ويقول في موضع آخر عن أهل الحساب :
وَكَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُ وَقْتِ طُلُوعِ الْهِلَالِ بِالْحِسَابِ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ عَرَفُوا أَنَّ نُورَ الْقَمَرِ مُسْتَفَادٌ مِنْ الشَّمْسِ وَأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْقُرْصَانُ عِنْدَ الِاسْتِسْرَارِ لَا يُرَى لَهُ ضَوْءٌ فَإِذَا فَارَقَ الشَّمْسَ صَارَ فِيهِ .... إلخ
انتهى النقل
ويقول ابن القيم في سبب تسلط الملاحدة على بعض المسلمين ، أن بعض المسلمين يرفض كل ما يقوله الملاحدة ويكابر في قبول الحق الذي عندهم :
وَالَّذِي سلطهم على ذَلِك جحد هَؤُلَاءِ لحقهم ومكابرتهم إيَّاهُم على مَا لا يمكن المكابرة عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ مَعْلُوم لَهُم بِالضَّرُورَةِ كمكابرتهم إيَّاهُم فِي كَون الأفلاك كروية الشكل وَالْأَرْض كَذَلِك وَأَن نور الْقَمَر مُسْتَفَاد من نور الشَّمْس .... الخ .
انتهى النقل
فنرى أنهما يقبلان هذا القول ، بل نرى أن ابن القيم يعتبر رفضه من المكابرة !
وقبلهما بأكثر من مئة سنة نجد الرازي يرفض هذا الأمر فيقول :
وَزَعَمُوا أَنَّ نُورَهُ مُسْتَفَادٌ مِنَ الشَّمْسِ ..... إلى أن يقول :
وعلى هذا التقدير فلا حاجة إِلَى إِسْنَادِ هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ الْحَاصِلَةِ فِي نُورِ الْقَمَرِ إِلَى قُرْبِهَا وَبُعْدِهَا مِنَ الشَّمْسِ، بَلْ عِنْدَنَا أَنَّ حُصُولَ النُّورِ فِي جِرْمِ الشَّمْسِ إِنَّمَا كَانَ بِسَبَبِ إِيجَادِ الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ، وَكَذَا الذي في جرم القمر.
انتهى النقل
وقبله بأكثر من مئتي سنة نجد ابن الهيثم يرفض هذه الفكرة، ويرى أن القمر مضيئ بذاته في كتابه ( المناظر ) وينقل عنه الألوسي هذا النقل وهو مستفاد من ( مقالة في ضوء القمر لابن الهيثم ) :
وَذكروا فِي استفادة نور الْقَمَر من ضوء الشَّمْس أَنه من الحدسيات لاخْتِلَاف أشكاله بِحَسب قربه وَبعده مِنْهَا وَذَلِكَ كَمَا قَالَ ابْن الْهَيْثَم لَا يُفِيد الْجَزْم بالاستفادة لاحْتِمَال أَن يكون الْقَمَر كرة نصفهَا مضيء وَنِصْفهَا مظلم ويتحرك على نَفسه فَيرى هلالا ثمَّ بَدْرًا ثمَّ ينمحق وَهَكَذَا دَائِما .
انتهى النقل
وابن الهيثم في هذه المقالة ذكر قول من قال أن القمر يستفيد ضوءه من الشمس وشكك في صحته ! وذكر احتمال آخر وهو قد يكون هناك جسم كثيف بيننا وبين القمر يتحرك بحركة منضبطة فيظهر القمر بهذه الأشكال المختلفة كل يوم .
ولا يهمنا هنا أي هذه الأقوال هو الصواب، وإنما المهم أن نزيل تلك الأوهام ونبين أن هذا التفسير ليس من علوم الغرب في العصر الحديث .
مواقع النشر (المفضلة)