في حين يبحث الاقتصاد الأمريكي بكل السبل عن وسائل لخلق الوظائف وتعويض الخسائر التي خلفتها الجائحة، فإن بعض أقسامه بدأت بالفعل تستشعر نقصًا في إمدادات الأيدي العاملة المناسبة للمضي قدمًا مع التوسع الذي يفرضه الطلب المتزايد بفعل الانتعاش الاقتصادي.
بشكل عام، نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.6% في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021، مقارنة بنسبة 1.1% في الربع الأخير من العام الماضي، لكنه سجل 6.4% على أساس سنوي، مقارنة بـ4.3% للربع الرابع من عام 2020.وقال الاحتياطي الفيدرالي، قبل نحو 3 أسابيع (قبل صدور بيانات الناتج المحلي الإجمالي)، إن الاقتصاد الأمريكي يشهد تسارعًا مدفوعًا بتحسن إنفاق المستهلكين، الذي يقوده صعود الطلب على الأنشطة الترفيهية والسفر.ثم جاءت البيانات لتؤكد هذا الاتجاه، حيث كشفت عن نمو الاستهلاك الشخصي في الولايات المتحدة (أكبر محرك للاقتصاد الأمريكي) بنسبة 10.7% على أساس سنوي، وهي ثاني أسرع وتيرة منذ ستينيات القرن الماضي، مما يعزز الرواية القائلة إن إنفاق المستهلكين سيقود التعافي خاصة بعد ادخارهم أموالًا طائلة خلال العام الماضي.الاستهلاك يتعافى- تخلص المستهلكون من القلق المرتبط بالوباء مع بدء عام 2021، ووضعوا شيكات التحفيز الحكومية في وضع الاستعداد لإنفاقها على **** السيارات والسلع الأخرى، وساعدوا في تمهيد الطريق لما يمكن أن يكون أسرع نمو اقتصادي منذ عقود.- قال "جريجوري داكو" كبير الاقتصاديين المعنيين بالولايات المتحدة في "أكسفورد إيكونوميكس": عاد المستهلكون الآن إلى مقعد القيادة عندما يتعلق الأمر بالنشاط الاقتصادي، وهذه هي الطريقة التي نحبها، فالمستهلك الذي يشعر بالثقة بشأن التوقعات سينفق بشكل عام بحرية أكبر.- وفقًا لهذه المعطيات، يجب أن يعود الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات ما قبل الجائحة بحلول الصيف (في الواقع يعتقد "داكو" أنه عاد بالفعل)، وتقدر "أكسفورد إيكونوميكس" إن الاقتصاد سينمو بنسبة 3.1% في الربع الثاني، أو بنسبة 13% على أساس سنوي، وبالنسبة للعام بأكمله، تتوقع نموًا بنسبة 7.5%، وهو أفضل أداء منذ عام 1951.- بمساعدة حزم مدفوعات الإغاثة الحكومية، تمكنت الأسر من تحقيق وفورات جماعية بقيمة 4.1 تريليون دولار في الربع الأول، ارتفاعا من 1.2 تريليون دولار قبل بدء الوباء.- يجب أن تجد هذه الأموال طريقها إلى شرايين الاقتصاد، حيث تنتعش الخدمات التي كانت في الغالب محظورة ويتدفق العملاء على المؤسسات التي أعيد فتحها، ويتوقع "داكو" أن ينمو الإنفاق الاستهلاكي بأكثر من 9% هذا العام، وهو رقم قياسي.نهضة وتعثر- رغم أن طريق التعافي سيستغرق بعض الوقت، فإن الاقتصاد الأوسع يكافئ المستهلكين بشكل غير مباشر عن طريق توفير المزيد من الوظائف المفقودة خلال بداية الوباء، وعلى سبيل المثال، استطاعت الولايات المتحدة إضافة 916 ألف وظيفة في مارس، وهي أكبر وتيرة منذ أغسطس الماضي، وتراجع معدل البطالة إلى 6% من 6.2%.- يقول "ماثيو نوتويديجبو"، أستاذ الاقتصاد في كلية بوث لإدارة الأعمال بجامعة شيكاغو، إنه مقارنة بركود عام 2007، تعافى معدل البطالة اليوم بسرعة كبيرة، حيث إنه تم تسريح جزء كبير من العمال في العام الماضي بشكل مؤقت فقط، وتم إعادة العديد منهم في الأشهر القليلة الماضية.- صحيح أن أمريكا لا تزال بحاجة لإضافة ملايين الوظائف لدفع سوق العمل نحو مستويات ما قبل الجائحة، وأيضًا لا تزال بعيدة عن معدل البطالة المسجل قبل الوباء عند أقل من 4%، إلا أنها تعافت كثيرًا منذ وصل المعدل 14.7% في أبريل 2020، وهو أعلى مستوى منذ الكساد الكبير.- في غضون ذلك، فإن الطلب المرتفع بشكل كبير على السلع مع إعادة فتح الاقتصاد الأمريكي من الوباء، يتسبب في مشكلة هائلة، وهي أن المصانع الأمريكية لا تستطيع العثور على عدد كافٍ من العاملين لتلبية الطلب المتنامي.- رغم ارتفاع نشاط التصنيع في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى له منذ 37 عامًا في مارس، فإن الصناعة لا تزال تبحث عن أشخاص مناسبين لشغل أكثر من نصف مليون فرصة عمل متاحة، وتكافح المصانع للعثور على عمال مهرة لأدوار متخصصة مثل عمال اللحام والميكانيكيين، والأكثر أنها تواجه مشكلة في شغل وظائف للمبتدئين لا تتطلب خبرة.- النقص في المواهب ليس جديدًا، لكنه يزداد سوءًا ويمكن أن يكون له عواقب بعيدة المدى تتجاوز قطاع التصنيع، حيث يُعتقد أن ما يصل إلى 2.1 مليون وظيفة في التصنيع ستكون شاغرة بحلول عام 2030، وفقًا لدراسة نُشرت يوم الثلاثاء من قبل "ديليوت" ومعهد التصنيع الأمريكي.خطر قادم- حذر التقرير من أن نقص العمالة سيضر بالإيرادات والإنتاج وقد يكلف الاقتصاد الأمريكي في النهاية ما يصل إلى تريليون دولار بحلول عام 2030، وقال "بول ويلينر"، نائب رئيس مجلس إدارة "ديلويت": أمر مقلق للغاية أنه في الوقت الذي يزداد فيه الطلب على الوظائف على مستوى البلاد، يستمر عدد الوظائف الشاغرة في التصنيع للمبتدئين في النمو.- يقول المصنعون إن العثور على المواهب اليوم أصعب بنسبة 36% مقارنة بعام 2018، على الرغم من أن معدل البطالة أعلى بكثير اليوم، وفقًا للتقرير، وقال أكثر من ثلاثة أرباع المديرين التنفيذيين للتصنيع (77%) الذين شملهم الاستطلاع إنهم يتوقعون مواجهة مشكلة في جذب العمال والاحتفاظ بهم هذا العام وما بعده.- قال التقرير أيضًا، إنه طوال المقابلات التنفيذية التي أجريت خلال دراسة هذا العام، ظلت إشارة استغاثة مدوية تكرر نفسها هي "لا يمكننا العثور على الأشخاص للقيام بالعمل".- على سبيل المثال، الطلب على أنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء قوي جدًا في أمريكا الشمالية في الوقت الراهن، حيث تعيد الشركات فتح أبوابها ويقوم الناس بترقية منازلهم، ومع ذلك، تكافح شركة "كارير" لتغطية الطلب في ظل بحثها عن العمال المطلوبين.- إنها بيئة مليئة بالتحديات للتوظيف في الوقت الحالي، وعلى الشركات أن تبذل قصارى جهدها، وفي نهاية المطاف، يمكن أن يكون نقص العمال بمثابة كابح لنمو الصناعة، ونمو الاقتصاد الكلي، وربما يكون سببًا في السيناريو الأسوأ الذي يترتب عليه "فوران الاقتصاد".المصادر: أرقام- سي إن إن- نيويورك تايمز- بلومبيرغ- فوربس
مواقع النشر (المفضلة)