اللقطة الأخيرة .. كيف ينظر مستثمرو سوق الأسهم تحت أقدامهم؟
صديق لك أصيب بوعكة صحية تتطلب تدخلاً جراحياً عاجلاً، ورغم صعوبة العملية وخطورتها إلا أن فرص نجاحها جيدة، ورغبة منك في مساعدته، تحاول البحث عن أفضل طبيب يمكنه إجراء هذه العملية، وعلى هذا الأساس تبدأ في النظر في التاريخ الأكاديمي والخبرة والسمعة التي يتمتع بها عدد من كبار الجراحين.
بعد فترة من البحث، تمكنت من تضييق القائمة والاستقرار على اثنين من الجراحين، وبدأت في النظر في سجلاتهما الجراحية من أجل الاطلاع على معدلات نجاح كل منهما في إجراء العمليات الجراحية.
أيهما تختار؟
كلا الجراحين يتمتع بسمعة طيبة للغاية، غير أن الأول يعمل في مستشفى استثماري، بينما يعمل الآخر في مستشفى جامعي، وفي حين يبلغ معدل نجاح (معدل بقاء المريض على قيد الحياة) الجراح الأول 90%، يبلغ معدل نجاح الجراح الذي يعمل بالمستشفى الجامعي 70% فقط، أي أن 30% من عملياته تفشل.
السؤال لك الآن: بناءً على هذه المعلومات، أي طبيب ستختار لصديقك؟
إذا قلت مثل الجميع إن الطبيب الأول الذي يعمل بالمستشفى الاستثماري هو الأفضل، فأنت بذلك دون أن تدري ركزت على النتائج فقط، في حين أن نظرتك يجب أن تكون أعمق من ذلك، أي يجب أن تركز على العملية (Process) نفسها.
مَن يركز على العملية أو المنهجية ذاتها وليست النتيجة سيتساءل ببساطة عن سر معدل النجاح الضعيف للعمليات التي يجريها الطبيب الذي يعمل بالمستشفى الجامعي والذي يمتلك في الوقت ذاته سمعة مرموقة باعتباره أحد أفضل الجراحين.
حين تبحث وراء هذا الطبيب تجد أن السر يكمن في أنه يجري العمليات الجراحية الصعبة جدًا والتي قد يراها أطباء آخرون مستحيلة أو ميؤوساً منها لذلك يحيلونها إليه لبراعته فيها وقدرته على التعامل معها والخبرات التي ربما لا يملكها غيره في هذا النوع من الجراحات، في حين أن الطبيب الذي يعمل بالمستشفى الاستثماري لا يجري سوى العمليات الجراحية شبه المضمونة وهو ما يفسر سر ارتفاع معدل نجاح عملياته.
الآن، وبناءً على هذه المعلومات، أي جراح منهما ستختار؟ إذا كان الطبيب الأول جيدًا فإن الثاني بالتأكيد عبقري، إذا قررت المضي قدمًا واخترت الطبيب الثاني فأنت الآن تركز على المنهجية نفسها وليس النتيجة.
في سوق الأسهم
أحد أكثر الأخطاء شيوعًا في سوق الأسهم هو التركيز على النتائج الاستثمارية وإهمال العملية المستخدمة لخلق هذه النتائج، وهكذا يقع المستثمر فريسة لما يسميه علماء النفس "التحيز للنتيجة" (Outcome bias) وهو ميل الأفراد إلى اتخاذ قرار بشأن القيام بشيء ما بناءً على نتائج الأحداث الماضية، بدلًا من مراقبة العملية التي أدت إلى هذه النتيجة.
على سبيل المثال، قد يقرر المستثمر **** سهم معين، لا لشيء إلا لأن ربحيته خلال العامين الأخيرين كانت أعلى من المتوسط مقارنة مع ربحية الأسهم الخاصة بالشركات العاملة بنفس القطاع، وذلك بدلًا من أن يحاول فهم كيف تمكنت هذه الشركة من توليد هذا المستوى من الربحية أو لماذا لم تحقق الأسهم الأخرى نفس النتائج.
ولنفس السبب ينتقد البعض القرارات المعقولة التي يتخذها المدراء لو أدت إلى نتائج غير مرغوبة، وربما ينتهي الأمر بمعاقبة صانع القرار على حظه السيئ، وبالمثال فإن الأشخاص الذين يتخذون قرارات خاطئة يتصادف تحقيقها لنتائج جيدة يعاملون كأبطال، في حين يظل الصحيح أن النتيجة مهما كانت جيدة لا يجب أن تكون هي مناط الحكم وإنما المنهجية التي تم على أساسها اتخاذ القرار.
وفي سياق الاستثمار بسوق الأسهم، من المهم أن ينتبه المستثمر حين يقدم على تقييم أداء مديري المحافظ إلى أن النتيجة مهما كانت جيدة أو سيئة لا تخبر الكثير عن مدى كفاءة هؤلاء المديرين وإنما عملية صنع القرار التي حققوا من خلالها هذه النتائج.
حتى على المستوى الشخصي، غالبًا ما يربط المستثمر بين جودة قراره وبين نتيجة ذلك القرار، على سبيل المثال، في أغلب الأحيان يعتقد المستثمر أن أفضل قراراته هو ذلك الذي حقق له المكاسب بينما أسوأ قراراته هو ذلك الذي تسبب في خسارته، في حين أن مكسبه أو خسارته في كلتا الحالتين ربما لا يتعلق بجودة قراراته أصلًا بقدر ما يتعلق بحظه وبقوى خارجة عن إرادته.
المضارب في مواجهة المستثمر
يجب أن يدرك المستثمر الفرق بين النتيجة والعملية؛ فالنتيجة هي اللقطة الأخيرة، هي المحصلة وذلك بغض النظر عن الطريقة المستخدمة في تحقيقها سواء كانت مدروسة أو عشوائية، وفي نفس الوقت لا يوجد سيطرة عليها، أما العملية فهي عبارة عن منهجية محددة، ونهج قابل للتكرار أمام أي تحدٍ أو مسعى في أي مجال بما في ذلك الاستثمار، ويمكن التحكم في العملية على عكس النتيجة.
بعبارة أخرى، إن العملية هي ببساطة المنهجية المستخدمة لإنجاز شيء معين، وتركز هذه المنهجية على الإجراءات المحددة التي يجب اتخاذها بغض النظر عن النتائج، أما النتيجة على الناحية الأخرى فقد تكون بسبب المهارة أو الحظ أو الذكاء أو العديد من العوامل العشوائية الأخرى.
في عالم الاستثمار المقصود بالعملية هو نهجك وأسلوبك الاستثماري وانضباطك واتساقك، في حين أن النتيجة هي عوائد قراراتك الاستثمارية.
المضاربون ولاعبو القمار وعشاق الرياضة غالبًا ما يركزون على النتيجة، في حين يركز الطيارون والمدربون الرياضيون والمستثمرون أصحاب آفاق الاستثمار طويلة الأجل على العملية.
واحدة من المفارقات اللطيفة في سوق الأسهم هي أن المستثمرين يميلون عادة إلى نَسب نجاحاتهم الخاصة إلى مهاراتهم وذكائهم وبصيرتهم، وفي الوقت ذاته يرون أن سوء الحظ هو السبب وراء أي استثمارات خاسرة، وهذا إلى حد كبير يرجع إلى تركيزهم على النتيجة بدلاً من المنهجية أو الطريقة التي يمكن من خلالها جني الأموال في سوق الأسهم على المدى الطويل.
مواقع النشر (المفضلة)