في الوقت الذي تحوم فيه العملة الرقمية الأكثر شهرة وإثارة للجدل قرب مستوى 50 ألف دولار، يبدو أن نظرة وول ستريت والمستثمرين حول العالم تتغير بشأن "بيتكوين"، إذ لا يبدو أنها "الأصل" شديد التقلب الذي عهدوه في السابق.
على عكس المرات السابقة لموجات الارتفاع الجامحة والتي انتهت بشكل مؤلم، يبدو المستثمرون أكثر اطمئنانا الآن بشأن مستقبل بيتكوين والطلب عليها، وآفاق استخداماتها، ولعل ذلك كان سببا كافيا لشركة "تسلا" ومؤسسها "إيلون ماسك" لإبداء الدعم والإعلان عن خطط للاستثمار.ومؤخرا انضم مصرف "بنك أوف نيويورك ميلون" إلى صفوف المؤسسات العالمية التي لحقت بركب العملة الرقمية، بعدما أعلن عن إطلاق خدمات خاصة ببيتكوين والعملات الرقمية الأخرى، قائلا في بيانه إنه "فخور بكونه أول مصرف يعلن خططا لتقديم خدمة متكاملة للأصول الرقمية".وقال المدير التنفيذي لخدمة الأصول في المصرف "رومان ريجلمان"، إن تزايد طلب العملاء على الأصول الرقمية، وتطور الحلول؛ يمثل فرصة لتوسيع عروض خدمات البنك لتشمل هذا المجال الناشئ، ومع ذلك فإن الجميع لا يرى الأمور من هذا المنظور ببساطة.ماذا وراء الزخم؟- "بنك أوف أمريكا" ليس الوحيد، فقد أعلن مصرف "مورجان ستانلي" قبل أيام أيضا أن ذراعه الاستثمارية التي تمتلك أصولا قيمتها 150 مليار دولار، وتعرف بدعم أسهم النمو، تدرس الآن إضافة عملة بيتكوين إلى قائمة رهاناتها الاستثمارية.- شركة "كونتربوينت غلوبال" التابعة للمصرف، والتي تحظى بمكانة متقدمة في تصنيف صناديق الاستثمار المشترك، قالت إنها تدرس ما إذا كانت العملة الرقمية ستكون خيارا مناسبا لمستثمريها، وفقا لما أوردته تقارير إعلامية.- هذه الخطوة تضيف زخما كبيرا للسوق، حيث إنها تأتي من إحدى أعرق المؤسسات المالية في أمريكا والعالم. تشرف "كونتربوينت" على 19 صندوقا استثماريا؛ حققت 5 منها مكاسب بأكثر من 100% خلال عام 2020، واحتلت صناديقها للاستثمار المشترك باستمرار المرتبة الأولى في التصنيفات خلال السنوات الأخيرة.- وافقت كندا على إطلاق أول صندوق متداول لبيتكوين في أمريكا الشمالية، فيما قالت شركة "ماستر كارد" إنها ستبدأ في السماح لحاملي البطاقات بالتعامل بعملات مشفرة معينة على شبكتها، وهناك أدلة على أن المزيد من الشركات بدأت أو تتجه لإضافة خدمات للعملات الرقمية.- على سبيل المثال، قال "دانييل بينتو" الرئيس المشارك لبنك "جيه بي مورجان" إن طلب العملاء على بيتكوين لم يصل إلى مستويات ملحوظة حتى الآن، لكنه في الوقت ذاته أبدى ثقته من تغير ذلك عند مرحلة ما.- "بينتو" أكد أيضا أنه في حال حدث تطور لإحدى فئات الأصول وتم استخدامها من قبل مديري أصول ومستثمرين مختلفين، فإن مصرفه سيكون بين المشاركين في ذلك، فيما يعتقد أنه تلميح إلى إمكانية الانضمام إلى عالم العملات الرقمية.- قبل أسبوعين تقريبا، استضاف مصرف "جولدمان ساكس" منتدى خاصا مع "مايك نوفوغراتز" المؤسس التنفيذي لشركة التشفير "غالاكسي ديجيتال"، حيث شرح "مايك" أفكاره عن العملات الرقمية بما في ذلك بيتكوين.ماذا عن التقلبات؟- يُظهر انفتاح وول ستريت الجديد على العملات الرقمية أن الصناعة مجبرة على التعامل مع بيتكوين بعد صعودها الأخير المذهل، خاصة أن تبنيها بشكل متزايد من قبل المؤسسات الاستثمارية والشركات في مجال التكنولوجيا المالية؛ يثير مخاوف من التخلف عن الركب.- البنوك تواجه بطبيعتها تدقيقا تنظيميا أقوى من غيرها من الشركات المالية بسبب اتساع نطاق عملياتها ودورها الحاسم في الاقتصاد؛ لذلك كانت مترددة إلى حد كبير في الدخول إلى هذا المجال، وإذا قرر أحد أكبر 6 بنوك أمريكية تبني بيتكوين، فسيكون ذلك بمثابة طابع لشرعنتها.- خلال طفرة بيتكوين في أواخر عام 2017، تعاملت البنوك بما في ذلك "جولدمان ساكس" مع فكرة إنشاء مكاتب مخصصة لتداول العملات الرقمية، لكنها في النهاية أوقفت معظم خططها، ووصف رئيس مصرف "جيه بي مورغان" العملة بأنها وسيلة للاحتيال لن تنتهي بشكل جيد.- بالنظر إلى أداء العملة على أساس 60 يوما من التحركات، تبدو تقلبات "بيتكوين" أقل بشكل عام الآن مما كانت عليه عند ذروتها في عام 2017. جزء من السبب هو أن الأسعار ارتفعت بشكل مطرد خلال العام الماضي، وكانت العمليات البيعية في يناير منظمة.- ما يجعل الفترة الحالية مختلفة عما كانت عليه قبل 4 سنوات هو الاعتقاد الأوسع بأن بيتكوين سوف تتطور إلى فئة الأصول السائدة بدعم كبار المستثمرين، مثل "بول تيودور جونز" و"ستان دروكنميلر".- يقول مؤيدو العملات الرقمية إن التقلبات ستنخفض في نهاية المطاف مع تحول الطلب بشكل واسع من المضاربين إلى المستثمرين الذين يمتلكون عقلية المدى الطويل، مستشهدين بشراء شركة "تسلا" ما قيمته 1.5 مليار دولار من العملة.الطريق ليس ممهدا- العملة التي حققت عائدا على الاستثمار قدره 62.15% منذ بداية هذا العام فقط، لا زالت محل تشكيك من الكثيرين، سواء على المستويين الرسمي أو الشركات الخاصة والمستثمرين، وقد أعرض عنها البعض رغم هذا الزخم المتزايد.- على سبيل المثال، قال مؤلف كتاب "البجعة السوداء" إنه باع كل حيازته منها باعتبارها "عملة فاشلة" وقال إن العملة لا يجب أن تكون أكثر تقلباً مما تقوم بشرائه وبيعه من خلالها، كما أنه لا يمكن تسعير المنتجات بالعملة المشفرة.- كما استبعدت شركة "أوبر" احتمال الاستثمار في العملة بعد نقاشات داخلية، وتعهدت بإبقاء السيولة الخاصة بها في "أمان بعيدا عن أعمال المضاربات"، لكن من المهم أيضا الالتفات إلى تلميح الشركة بإمكانية قبول العملة كوسيلة للدفع في المستقبل. موقف "جنرال موتورز" كان مشابها تماما لـ"أوبر".- من جانبها قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي والمديرة السابقة لصندوق النقد الدولي "كريستين لاجارد"، إنه من المستبعد أن تحتفظ البنوك المركزية بالبيتكوين كعملة احتياط، وإنها لا تنظر إليها باعتبارها عملة حقيقية.- "لاجارد" أشارت في حديثها إلى تطوير يورو رقمي، لكنها قالت إنه سيستغرق بضع سنوات، وهو موقف تتبناه مصارف مركزية عديدة، فهل تقطع هذه الخطوة الطريق على بيتكوين الساعية وراء الهيمنة، أم سيكون الوقت كافيا للمراهنين من أجل ترسيخ قواعد السواق وإثبات صحة رؤيتهم؟المصادر: أرقام- بلومبيرغ- سي إن بي سي- كوين ديسك- بزنس إنسايدر
مواقع النشر (المفضلة)