"عش نملة تأكل سكراً".. جملة ساخرة ذكرت لأول مرة في أحد أفلام الكوميديا المصرية وأصبحت أسلوبا للنصح بضرورة الالتزام بالقواعد وتوخي الحذر، خاصة عندما يتعلق الأمر بقواعد "اللعب مع الكبار".
لكن القواعد الجامدة وأحيانا المجحفة، دائما ما كانت سببا للتغيرات الكبيرة، كما تابع العالم بأسره صغار المستثمرين في وول ستريت وهم يوجهون صفعة (بل ضربة قاصمة) لعمالقة الاستثمار، وتكبيدهم خسائر فادحة نظير تمسكهم بالقوانين المعتادة للسوق، في واقعة سهم "جيم ستوب".كل ما كان على صغار المستثمرين فعله في هذه الحالة، هو الاتحاد وتوجيه ضربتهم بشكل منسق، في موقف أشبه بالمشهد الملحمي لفيلم ديزني الشهير "حياة حشرة" عندما اتحد النمل معا لهزيمة الجراد والتخلص من القواعد الظالمة الموضوعة سلفاً له.في النهاية، أكل النمل السكر والقمح وعاش حرا، والأهم أن القواعد تغيرت للأبد وسنها الطرف الذي ظل طويلا رهين الطريق الذي يُرسم له.. لكن بالنسبة لواقعة "جيم ستوب" لم يكن الأمر بهذه الدرامية، كان بسيطاً لكنه مفاجئ للغاية.فقط تطلب الأمر مجموعة افتراضية لجمع الآراء على كلمة سواء، والتي أطلق عليها اسم "وول ستريت بيتس"، وذلك بالطبع عبر منصة "ريديت"، ولولا هذه الخطوة ربما ما اتفق صغار المستثمرين الذين يتسمون بالتشرذم دائماً.تغيير الثوابت- اجتذبت منصة "ريديت" الأنظار بقوة، خلال الأسبوع الماضي، وتحديدا من قبل المستثمرين الأفراد، وتصدر اسم "وول ستريت بيتس" عناوين الأخبار في أغلب المواقع والصحف الإخبارية الأمريكية والعالمية.- بفضل الضغط الذي شكلته المجموعة الإلكترونية، فيما يتعلق بالرهان على سهم "جيم ستوب"، فقد ارتفع بنسبة 1700% منذ بداية يناير حتى يوم الأربعاء الماضي، قبل أن ينخفض مرة أخرى يوم الخميس.- هذه المجموعة التي تضم المهتمين بوول ستريت، تسببت في خسائر بالمليارات للصناديق والمؤسسات الاستثمارية التي راهنت عبر خاصية "البيع على المكشوف" على انخفاض سهم "جيم ستوب". (لمطالعة القصة كاملة: اضغط هنا).- في الحقيقة اعتادت المؤسسات الاستثمارية الكبيرة عندما تبدأ بيع الأسهم بهذه الطريقة، فإن المستثمرين الأفراد يهرعون للتخلص من حيازاتهم خوفا من الخسائر، وبالتالي ينخفض سعر السهم بشكل أكبر ويتحقق رهان هذه المؤسسات.- لكن في هذه المرة اختلف الأمر، عندما عاند المستثمرون الأفراد هذا الاتجاه وقرروا توجيه دفتهم جميعا نحو زيادة الطلب على شراء السهم، فكانت النتيجة ارتفاعا خرافيا لسعره، وكذلك خسارة خرافية للمؤسسات التي راهنت على انخفاضه.- ولولا "ريديت" أو منصات التواصل الاجتماعي عموما التي لعبت دور "حاضنة" المتمردين في هذه المواجهة، ربما لمرت الأمور بسلام كما اعتادت المؤسسات الاستثمارية الكبرى، وما كان سيشعر المغامرون الأفراد بنشوة القوة التي ربما تغير قواعد اللعب.كيف بدأ الأمر؟- في الحقيقة، تكتسب "وول ستريت بيتس" زخما منذ بدء الوباء قبل عام تقريبا، ويرجع صعودها الملحمي إلى عاصفة مثالية من الظروف المواتية، مثل النمو المتسارع لتطبيق "روبن هود" وخاصيته لتداول الخيارات دون رسوم.- لكن يعزى الأمر أيضا إلى أشياء مثل التقلب الشديد الذي جلبه الفيروس، وإجراءات التحفيز في أمريكا التي شملت الأفراد، وقلة الأنشطة الرياضية المتلفزة العام الماضي، وتزايد أوقات الفراغ عند الكثيرين بسبب إجراءات العزل.-اللغة المستخدمة داخل المجموعة والتي تتسم بالغموض، وحتى الصور الساخرة "الميمز" أشعلت حربا على التيار السائد للسوق والذي اعتبرته المجموعة "فاسدا"، وبفضل سباحتها ضد التيار باتت الآن "قوة غير مسبوقة من الراديكالية المالية للاستثمار بالتجزئة".- المجموعة تشكل إغراءً قويا لتحقيق الثراء السريع، وأيضا أصبحت محط اهتمام من المحللين والخبراء، لكن هذا لا يعني أنها كانت خاوية من العقول، فبكل تأكيد كان هناك من يحرك الأمور ويدفعها نحو الاشتعال.- تشير تقارير إلى أن مستخدم المنصة "كيث غيل" ظل محتفظا بسهم "جيم ستوب" منذ عام 2019، حيث كان واثقا من أنه مقيَّم بأقل من قيمته الحقيقية، ليصبح الآن أسطورة، حيث يشجع المستخدمون الآخرون بعضهم البعض على اقتفاء أثره.- بدأ "غيل" الاستثمار في شركة الألعاب عام 2019 عندما انخفض سهمها إلى نحو 5 دولارات، ورأى إمكانية عودة بائع ألعاب الفيديو بالتجزئة للارتداد، واصفا الأمر بأنه "كان تصنيفا خاطئا جسيما للفرصة".اصنع طريقك.. اكتسب قوتك- لم يكن هدف المجموعة دائما هو أن تلعب دور الملتقى الذي ينسق التحركات ويوحد الأهداف، ويقول المؤسس روجوزينسكي: "عندما أنشأتها، كنت أبحث عن مجتمع، مكان للناس للحديث عن الصفقات عالية المخاطر لكسب بعض الأموال على المدى القصير".- يقول مشرفو المجموعة: "كانت ثقافتها منذ البداية غير موقرة وساخرة، لكن كانت مكانا للمستخدمين لنشر أبحاثهم وأفكارهم التجارية، وأيضا للمستخدمين الآخرين للاستهزاء بهذه الأفكار أو أصحابها".- يضيف المشرفون: "ثقافة إنكار الذات، والرهانات الجامحة والسخيفة التي قام بها بعض المستخدمين، والمكاسب والخسائر الهائلة التي تلت ذلك، جذبت مستخدمين أكثر بكثير من المنتديات الأكثر جدية في التفكير".- في النهاية كانت "وول ستريت بيتس" محورا رئيسيا لانتفاضة صغار المستثمرين في السوق الأمريكي، والتي قادها "كيث غيل" وشجع المستثمرين للإقبال على سهم "جيم ستوب".- ربما يثبت الوقت أن "غيل" كان خاطئا أو مدفوعا برغبات شخصية، وأن ما حدث مع سهم "جيم ستوب" ليس سوى نوبة "قصيرة النفس" من نوبات منصات التواصل الاجتماعي، لكنها تؤكد دون شك أن "نمل وول ستريت" أصبح بمقدوره هزيمة الدب وقتما شاء.- الجدير بالذكر أن منصة التواصل الاجتماعي "ديسكورد" أعلنت حظر "وول ستريت بيتس" في وقت سابق، قبل تراجعها عن الخطوة والتأكيد على مساندة المجموعة والتعاون معها، ما يعكس (ربما) القوة المتنامية لها بعدما أصبحت تضم أكثر من 6 ملايين شخص.المصادر: أرقام- سي إن إن موني- بزنس إنسايدر- وول ستريت جورنال- ذا فيرج
مواقع النشر (المفضلة)