الأحلام الوردية تهدد بتدمير استثمارك في سوق الأسهم
يدخل أي مستثمر جديد لسوق الأسهم بهدف وحيد وهو تحقيق أقصى ربح ممكن، واضعاً نصب عينه الكثير من القصص الملهمة عن أشخاص حققوا مكاسب كبيرة في وقت قصير.
لكن النظرة المتفائلة الحالمة للأمور ربما تكون جيدة في الحياة اليومية، لكنها في الاستثمار قد تهدد بفشل كل شيء ما لم يرافقها كثير من المنطق.
تفاؤل رغم كل شيء
رغم ضربة جائحة "كوفيد-19" التي هزّت الأسواق العالمية ودفعت الاقتصادات الكبرى والناشئة على السواء للدخول في حالة ركود حاد، فإن توقعات المستثمرين للعائد من سوق الأسهم شهدت ارتفاعاً مقارنةً بالعام الماضي.وفي مسح لمؤسسة "شرودرز جلوبال انفيستور" شارك فيه أكثر من 23 ألف مستثمر من 32 دولة، فإن متوسط العائد السنوي المتوقع على مدار الخمس سنوات المقبلة بلغ 10.9%.والواقع أن هذه التوقعات التي أبداها المستثمرون في فترة المسح بين الثلاثين من أبريل والخامس عشر من يونيو جاءت أعلى من توقعاتهم في العام الماضي بتحقيق عائد 10.7% سنوياً وبزيادة 1% مقارنة بتقديراتهم قبل عامين.واختلفت التوقعات ودرجة تفاؤلها باختلاف البلدان، حيث جاء المستثمرون في الولايات المتحدة في صدارة توقعات العائد عند 15.3%، ثم إندونيسيا والأرجنتين وتايوان بأكثر من 14%، ببينما جاءت اليابان في ذيل القائمة بتوقعات تحقيق عائد استثماري 6%.وبالطبع، يبدو تفاؤل المستثمرين بإمكانية تحقيق عوائد أعلى متعارضاً بشكل واضح مع الركود الاقتصادي الحاد حول العالم وعدم اليقين المستقبلي بفعل ضربة الوباء، وحتى حالة الخسائر والتقلبات التي شهدتها الأسواق قبل استطلاع آرائهم بأسابيع قليلة.
لكن التوقعات غير المنطقية للمستثمرين فيما يتعلق بالعائد المنتظر لم تتجاهل الوضع الاقتصادي العالمي فحسب، لكنها أيضاً استمرت في حالة عدم الاهتمام بالأداء في الفترات الماضية.ففي عام 2018 مثلاً شهدت أسواق الأسهم العالمية أداءً مخيباً للأمال بخسائر وتقلبات ملحوظة، لكن عند رصد توقعات المشاركين في السوق خلال مايو 2019، فإنهم توقعوا تحقيق عائد يتجاوز 10% أيضاً.والواقع أن توقعات المستثمرين تميل طوال السنوات الماضية لتجاوز ما تحقق فعلياً في جميع البلدان تقريباً، وهو ما يؤكد أن آمال اللاعبين في الأسواق تظل غالباً غير واقعية.ويشير بنك "كريدي سويس" إلى أن الأسهم العالمية حققت متوسط عائد حقيقي (بعد استبعاد أثر التضخم) بلغ 7.6% سنوياً على مدار العقد الماضي، بينما إذا نظرنا لفترة أبعد تمتد إلى 120 عاماً فإننا سنجد متوسط عائد سنوي لا يزيد على 5.2%
.فخ الأحلام الوردية
يدخل بعض المستثمرين لسوق الأسهم بأحلام تحقيق المكاسب الضخمة والوصول إلى الثراء السريع، معتقدين أن بضعة أشهر ستكون كافية لزيادة رؤوس أموالهم والخروج بشكل آمن من السوق.و
الواقع أن هذه التوقعات المتفائلة تتغذى غالباً بقصص متداولة عبر الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي عن بعض المستثمرين الذين حققوا مكاسب كبيرة في وقت بسيط، وهو ما يظن البعض أنه قابل للتكرار بسهولة. لكن الحقيقة أن ما يجعل هذه القصص تحظى بالشهرة والانتشار هي أنها نادرة الحدوث وتمثل الاستثناء وليس القاعدة.بالطبع الاستثمار في سوق الأسهم قد يحقق لك الثراء، لكن فرص حدوث ذلك تكون على المدى الطويل وعبر اختيار صحيح بناءً على دراسة جادة للشركة وأعمالها ووضعها المالي ومستقبلها في القطاع وغيرها من المؤشرات.لكن بالنسبة لأولئك الذين يدخلون السوق على أمل تحقيق أرباح كبيرة بسرعة، فإنهم سيتعرضون على الأغلب لصدمة الواقع، مع درس مفاده أن الأسواق لا تكافئ سوى الجهد والمثابرة والاستثمار الطويل الذي يتمتع بالرؤية البعيدة.ورغم أن القاعدة الاستثمارية الأساسية تقول إن العائد يتناسب طردياً مع المخاطرة، فإن الدراسات تشير إلى أن المستثمرين يميلون عادة لتجنب الأصول الأكثر خطراً لكنهم مع ذلك يرغبون في الحصول على عوائد مرتفعة.وذكر مسح لـ"ناتيكسيس انفسمينت" أن في عام 2019 قال المستثمرون إنهم يتوقعون تحقيق عائد سنوي 10.9% على المدى الطويل بعد استبعاد أثر التضخم، في حين كانت رؤية الخبراء أن 6.7% ربما يكون توقعاً أكثر منطقية، لتكون الفجوة بين المنطق والتوقع كبيرة للغاية.والمشكلة الأبرز تتمثل في أن المستثمرين عادة ما يفشلون في فهم المخاطر المتنوعة المرتبطة بمختلف أنواع الاستثمارات، ما يجعلهم فريسة للتوقعات غير الواقعية للعائد.ا
حذر عدم الواقعية
عادة ما يُنظر للتفاؤل والتفكير الإيجابي على أنه توجّه صحي ومفيد في مختلف نواحي الحياة، لكن في الاستثمار قد يكون للأمر نتائج مدمرة.
ومع حقيقة أنه لا خطأ في أن يتمنى المستثمر تحقيق أداء جيد من استثماره، فإن الخطر يتمثل في أن تكون أهدافك المالية مبنية على افتراضات غير واقعية.فالتوقعات غير المنطقية للعائد المنتظر والتقليل من الخطر المحيط بالاستثمار قد تؤدي إلى وضع خطط مالية غير قابلة للتطبيق على الأرض، وبالتالي تسبب أزمة مادية للمستثمر.فإذا كان شخص ما يتوقع تحقيق عائد بنسبة 20% على استثمار بقيمة 100 ألف ريال، فإنه قد يتحمل التزامات فعلية انتظاراً لمبلغ الـ20 ألف ريال الإضافية التي يتوقعها، وهو ما قد يعرضه لمشاكل مالية في حال كانت هذه الآمال متفائلة أكثر من اللازم.كما أن التوقعات غير الواقعية قد تسبب شعوراً بالإحباط والضيق لدى البعض عندما يتكرر عدم تحققها، وربما يدفع ذلك المستثمر لقرارات متسرعة قد تضره على المدى الطويل.والواقع أن العائد الذي يمكن توقعه في أي استثمار يتوقف على الكثير من العوامل مثل نوع الاستثمار، وظروف السوق، والفترة الزمنية التي تنوي أن يستمر خلالها هذا الاستثمار.لكن الأمر الأبرز هو أن الخطر المرتبط بهذا الاستثمار يعتبر عاملاً رئيسياً في تحديد العائد المتوقع، وكلما زات خطورة الأصل الذي يضع فيه الشخص أمواله كان من المنطقي أن يتوقع تحقيق عائد أعلى.ورغم أن كل الاستثمارات تحمل درجة ما من الخطر، فإنه لا يمكن أن يتجه البعض لاستثمار آمن نسبياً متوقعين تحقيق أرباح كبيرة.ويقول المستثمر الشهير "وارن بافيت": "أنت لست بحاجة لتكون خبيراً من أجل تحقيق عوائد استثمارية مرضية، فقط انتهج البساطة في الاستثمار واعرف حدودك جيداً، وإذا وجدت وعداً بتحقيق أرباح سريعة اجعل ردك أيضاً سريعاً بكلمة لا".و
الخطوة الأولى لتقييم العائد المتوقع من أي استثمار تتمثل في فهم ورصد العوائد التاريخية المحققة من هذا الأصل، ورغم أن الأداء السابق قد لا يعبر عن النتائج المستقبلية فإنه يقدم صورة واقعية عن الاحتمالات المتاحة.ومن الضروري أن تدرك جيداً المخاطر المرتبطة بالاستثمار وتكون مستعداً لخسارة جزء من أموالك أثناء سعيك للوصول إلى أفضل العوائد الممكنة.وكما قال "جونبوجل" مؤسس "فانجارد جروب": "إذا كان لديك مشكلة في تخيل خسارة 20% من أموالك في سوق الأسهم، فإنك لا يجب أن تستمر في هذا السوق".كما أنه يجب أن تتأكد من أنه لا وجود لربح بدون مخاطرة، وكما تقول الحكمة الأمريكية الشهيرة: "لا يوجد غذاء مجاني".
مواقع النشر (المفضلة)