مسألة وفائدة
إذا كان صيام يوم عرفة يكفر سنة ماضية وسنة مستقبلة، فلماذا يصام كل عام؟ ولماذا يصام يوم عاشوراء؟
ملخص الجواب
في الجواب عن شبهة إذا كان صيام يوم عرفة يكفر سنتين فلماذا نصومه كل عام مع أن الذنوب قد كُفّرت،
أجاب العلماء على هذه الشبهة بعدة أجوبة ينظر تفصيلها في الجواب المطول
الجواب
الحمد لله.
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صيام يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين: سنة ماضية، وسنة باقية
. رواه مسلم (1162).
فإذا كفَّر صيامُ يوم عرفة ذنوبَ السنة المستقبلة فهل معنى ذلك أنه لا يصام في السنة المستقبلة، لكون ذنوبها قد كفرت؟
الجواب: لا. وذلك للأسباب التالية:
السبب الأول:
أن الأعمال الصالحة التي رتب الشرع على فعلها الثواب وتكفير الذنوب إنما يكون ذلك إذا أداها العبد كاملة،
فإذا أداها ناقصة نقص ثوابها، ونقص تكفيرها للذنوب.
ففي الصلاة، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد قد ينصرف من صلاته ولم يكتب له إلا عشرها.
رواه الإمام أحمد (4/321) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1626).
وفي الصيام: قال النبي صلى الله عليه وسلم: رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ
رواه ابن ماجه (1690) وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ
رواه البخاري (6057).
فإذا صام العبد صياما ناقصا لم يَقْوَ على تكفير كل الذنوب، فيصوم العام القادم ليكفر ما بقي من الذنوب.
السبب الثاني:
إذا افترضنا أن العبد قد أتى بالصيام كاملا، فإن صيام العام المقبل يخفف الكبائر – إن وجدت- أو يكون له ثوابا – إن لم توجد كبائر.
وهذا ليس خاصا بصيام يوم عرفة، فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن كثير من الأعمال الصالحة أنها تكفر الذنوب،
كالوضوء، والصلوات الخمس، وصيام رمضان، والعمرة، والحج، وقول: سبحان الله وبحمده مائة مرة صباحا ومساء.. وغير ذلك.
فلا يصح أن يقول العبد: إنه يكتفي بعبادة واحدة من هذه العبادات تكفر ذنوبه، ويترك ما عداها.
قال النووي في "المجموع" (6/432):
"فان قيل: فإذا كفَّر الوضوء فماذا تكفره الصلاة؟ وإذا كفَّرت الصلوات فماذا تكفره الجمعات ورمضان؟
وكذا صوم يوم عرفة كفارة سنتين، ويوم عاشوراء كفارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكه غفر له ما تقدم من ذنبه.
فالجواب: ما أجاب به العلماء:
أن كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفره من الصغائر: كفَّره.
وإن لم يصادف صغيرة، ولا كبيرة: كتبت به حسنات، ورفعت له به درجات،
وذلك كصلوات الأنبياء والصالحين والصبيان وصيامهم ووضوئهم وغير ذلك من عباداتهم.
وإن صادف كبيرة، أو كبائر، ولم يصادف صغائر: رجونا أن يخفف من الكبائر.
وقد قال أبو بكر في الإشراف في آخر كتاب الاعتكاف، في باب التماس ليلة القدر،
في قوله صلي الله عليه وسلم: من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه
قال: هذا قول عام، يُرجى لمن قامها إيمانا واحتسابا أن تُغفر له جميع ذنوبه، صغيرها وكبيرها." انتهى.
وقال النووي أيضا في "شرح صحيح مسلم" (8 / 50 - 51):
"قوله صلى الله عليه وسلم : صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ
معناه يكفر ذنوب صائمه في السنتين، قالوا: والمراد بها الصغائر، وسبق بيان مثل هذا في تكفير الخطايا بالوضوء،
وذكرنا هناك أنه إن لم تكن صغائر، يرجى التخفيف من الكبائر، فإن لم يكن، رفعت درجات " انتهى.
السبب الثالث:
أن فضائل الصيام ليست محصورة في تكفيره للذنوب، فمن فضائله: تهذيب النفس وإعانتها على التقوى،
والثواب الجزيل المضاعف الذي لا يعلم قدر مضاعفته إلا الله... وغير ذلك.
فعلى فرض أن الصيام لا يكفر الذنوب لكونها قد كفرت من قبل،
فالمسلم يصوم لفضائل الصيام الكثيرة الأخرى.
مواقع النشر (المفضلة)