لماذا يصمد ربط عملات دول الخليج بالدولار متجاوزاً الحروب وأزمات النفط؟
ربطت دول الخليج العربية عملاتها بالدولار الأمريكي على مدى عقود. وسبب ذلك أنه يقلل مخاطر أسعار الصرف الأجنبي بالنسبة إلى دول المنطقة لأن جانباً كبيراً من إيراداتها يأتي من النفط، الذي يتحدد سعره في السوق العالمية بالعملة الأمريكية.
وبين فترة وأخرى، تُختبر هذه الآليات، كما اختُبرت في 2020 عندما أدت حرب الأسعار إلى تدهور النفط دون مستوى 20 دولاراً للبرميل.
ومع عودة ارتفاع النفط إلى نحو 100 دولار في 2022، تبدو هذه الدول في وضع جيد، رغم التساؤلات التي تدور حول دور الدولار في الاقتصاد العالمي.
1. ما الدول ذات العملات المربوطة؟ ولماذا؟
تربط الدول الست أعضاء مجلس التعاون الخليجي –البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات– عملاتها، أو تتبنى نظاماً مُداراً لأسعار الصرف الأجنبي، منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
الدينار الكويتي يتتبع سلة من العملات يُعتقد أن الدولار يهيمن عليها، فيما ترتبط عملات أخرى بالدولار وحده.
ساعد هذا الربط في حماية اقتصادات المنطقة من تقلب أسواق الطاقة، وسمح للبنوك المركزية بتجميع احتياطيات في أوقات الرخاء.
وبدورها تُستخدم هذه الاحتياطيات مع الأصول الأجنبية التي تحتفظ بها صناديق الثروة السيادية لدول المنطقة في الدفاع عن مستوى ارتباط العملة.
2. ما العوامل التي قد تشكل ضغطاً على ربط العملة؟
انهارت أنظمة أسعار الصرف الثابتة في آسيا تماماً في أثناء أزمة العملة في أواخر تسعينيات القرن الماضي، عندما أجبر المضاربون دولاً مثل تايلندا وكوريا الجنوبية على التخلي عن ربط عملاتها بالدولار الأمريكي.
يقتصر تبنّي هذه الأنظمة حالياً عموماً على الدول الرئيسية المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط إضافة إلى هونغ كونغ، التي يرتبط دولارها بالعملة الأمريكية منذ عام 1983.
ارتباط العملة في منطقة الخليج غالباً ما يؤدي بالبنوك المركزية المحلية إلى الاسترشاد في السياسة النقدية ببنك الاحتياطي الفيدرالي للولايات المتحدة، مما يتسبب في خطر عدم ملاءمة السياسة النقدية عندما لا تتوافق الدورة الاقتصاية.
تصارع دول الخليج اليوم مشكلة ارتفاع التضخم وآفاق زيادة أسعار الفائدة عالمياً بقيادة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
هناك حالة من التذمر تجاه هيمنة الدولار العالمية، واستعداد الولايات المتحدة لاستخدام الدولار سلاحاً في العقوبات الموجهة ضد روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا.
3. ماذا يمكن أن تفعل دول الخليج بعد ذلك؟
لم تُشِر حكومة واحدة في الإقليم إلى أنها قد تتخلى عن ربط عملتها وأن تدَع للأسواق مهمة تحديد قيمة العملة.
ومع ذلك، يقال إنّ المملكة العربية السعودية، أكبر اقتصاد في المنطقة، تدرس قبول اليوان في سداد قيمة صادراتها النفطية إلى الصين.
إذا أقدمت المملكة على هذه الخطوة فسيصبح نظام "البترودولار" محل اختبار، خصوصاً إذا اقتدى بها جيرانها، في ضوء أن واردات الصين تشكل ما يزيد على 20% من إجمالي الصادرات النفطية لدول المجلس.
قال محللو أسواق العملة إنه يبدو أن المملكة العربية السعودية كانت توجه رسالة سياسية إلى الولايات المتحدة بالتقارير الخاصة باليوان، وسط علاقات متوترة مع واشنطن، وقللوا احتمال أي تحرك وشيك.
4. ما التوترات التي وقعت في الماضي؟
اجتاز هذا النظام اختبارات عنيفة، منها سنوات متتالية من انخفاض أسعار النفط في تسعينيات القرن الماضي، وكانت فترة ضعف في قيمة الدولار قبل وقوع الأزمة المالية في عام 2008 وأزمة أسعار النفط في عام 2014.
قفز المضاربون في هذه الفترة وتدخلوا في محاولة فاشلة لمقاومة ربط عملة السعودية بالدولار، رافعين سعر العقود الآجلة مدة 12 شهراً التي استخدمها المستثمرون في المراهنة على فك الارتباط بين العملتين أو للتحوط إذا وقع ذلك.
5. كيف كان رد فعل السعودية؟
بدلاً من أن تختار تخفيض قيمة الريال، خفضت المملكة الإنفاق ومخصصات الدعم وتوجهت إلى أسواق الديون لتمويل عجز الموازنة. وتبنى جيرانها استراتيجيات شبيهة.
قفزت أسعار العقود الآجلة السعودية مرة أخرى في عام 2020 وسط الضربة المزدوجة الآتية من انخفاض أسعار الخام وانتشار جائحة كورونا. عقود الريال العماني سجلت ارتفاعاً قياسياً في تلك السنة قبل أن تتحول إلى الانخفاض.
6. ماذا يحدث لاقتصادات دول الخليج إذا رفعت الولايات المتحدة أسعار الفائدة؟
المشكلة أن حكومات المنطقة، لكي تحافظ على ربط عملاتها، مضطرة إلى اتباع الاحتياطي الفيدرالي بسلسلة من زيادات أسعار الفائدة التي تنتهي إلى الإضرار باقتصاداتها.
وإذا فعلت فسيظل أمامها طريقة لتجنب الوقوع في الركود الاقتصادي، فأسعار النفط تواصل الارتفاع، مما يدرّ عليها سيولة وفيرة تستطيع استخدامها في زيادة الإنفاق ودعم معدلات النمو.
7. ما حالات الربط التي تبدو أكثر عرضة لأخطار المضاربة؟
منذ فترة طويلة، كانت أضعف الاقتصادات في المنطقة هي عمان والبحرين، والأخيرة كانت الدولة الوحيدة في المنطقة التي تحتاج إلى زيادة سعر النفط ليتجاوز 100 دولار للبرميل حتى تحقق توازناً في موازنتها العامة، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
مؤخراً، كان أداء الدولتين أفضل، وقد رفعت مؤسسة "ستاندرد آند بورز غلوبال" للتقييم الائتماني تصنيف عمان في شهر أبريل الجاري.
وخفف ارتفاع أسعار النفط المخاوف المتعلقة بقدرة السلطنة على الحفاظ على ربط الريال بالدولار، ما شجع المتعاملين على تقليص رهانهم على تخفيض قيمة العملة.
لدى السعودية والإمارات والكويت وقطر دائماً ذخيرة كافية في صورة احتياطيات نقدية هائلة للدفاع عن مستوى ربط عملاتها.
8. ماذا سيحدث لو تخلت دول المنطقة عن ربط عملاتها بالدولار؟
في حين أن ربط العملة يحدّ من حرية حكومات المنطقة في أن تسعى وراء أهداف لسياساتها النقدية مثل إنعاش معدلات نمو الاقتصاد أو خلق الوظائف، فإنه يتيح فرصة أكبر للتنبوء بقيمة العملة بالنسبة إلى المستثمرين والمقيمين الأجانب.
مكانة الدولار كعملة احتياطي دولية ستتآكل من أساسها إذا فكت دول مجلس التعاون الخليجي ربط عملاتها بالدولار.
يمثل احتياطي دول الشرق الأوسط ما بين 10% و15% من إجمالي الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبي خارج الصين، وفق تقديرات "غولدمان ساكس". وتشكل السعودية وحدها نحو 5% من هذا الإجمالي.
إذا قبلت السعودية سداد قيمة النفط باليوان الصيني فإنها ستجمع احتياطيات كبيرة من اليوان، ويجب عليها بعد ذلك تخصيصها، وفق ما أشار إليه بنك "غولدمان ساكس" في مذكرة بحثية في مارس الماضي. وسيمثل ذلك تحدياً في ذاته على خلفية حجم سوق السندات الصينية.
https://www.asharqbusiness.com/article/36212
مواقع النشر (المفضلة)