لماذا ظهرت أهمية الهيليوم الاقتصادية فجأة؟ وكيف يُشكل فرصة استثمارية؟
مع اندلاع الحرب في أوكرانيا بدا واضحا أن أسواق المواد الأولية تشهد العديد من التقلبات في ظل ازدياد الطلب على الكثير منها خوفا من شح مستقبلي، بما رفع أسعار مواد أولية كثيرة من وقود أحفوري ومعادن وغيرها بشكل لافت.وفي الوقت نفسه ارتفعت أسعار بعض المواد الأولية الهامة للغاية والتي لا تحظى بنفس الاهتمام الذي يحظى به النفط أو النحاس مثلا، مثل الهيليوم على الرغم من استخدامات هذا الغاز الكثيرة والواسعة وأهميته في المجالات الصناعية والطبية.ما الهيليوم؟الهيليوم غاز يتواجد في الطبيعة ولا يمكن تصنيعه في المعامل، وهو أخف من الهواء بشكل محلوظ، ويتواجد مع الغازات في باطن الأرض في حقول الغاز.وعلى الرغم من كثافة تواجد الهيليوم في بعض الأماكن تحت الأرض إلا أن الكثير من الشركات لا تقوم عادة بفصله عن الغازات الأخرى بسبب ارتفاع كُلفة هذه الخطوة بشكل كبير بسبب احتياجها لكميات كبيرة من الطاقة وما تستلزمه من تكلفة تشغيل عالية أيضا.هذا بالإضافة إلى أن الهيليوم صعب للغاية في تخزينه بسبب وزنه الخفيف ويحتاج إلى تبريده في بعض الأحيان وهي عملية مكلفة للغاية في ظل الحاجة إلى الوصول إلى درجة تحوله لسائل وهي سالب 269 أو الاحتفاظ به في خزانات مخصصة لذلك يتم رفع الضغط فيها أو تثبيتها بشكل استثنائي.ومثله مثل الغاز الطبيعي والنفط يستغرق الهيليوم وقتًا طويلًا للغاية للتواجد بكميات تحت القشرة الأرضية، ولذلك يعتبر كالوقود الأحفوري في عنصر الندرة وعدم القدرة على تعويض المستخدم أو المفقود منه.استخدامات الهيليومللهيليوم العديد من التطبيقات نظرًا لخصائصه الفيزيائية والكيميائية المتميزة، وهي: كثافته المنخفضة، وقابلية ذوبان منخفضة، وموصلية حرارية عالية.وفي الصناعة يستخدم الهيليوم في تصنيع الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات، كما يستغل في تشغيل بعضها إذا كانت تحتاج إلى درجة تبريد عالية للغاية لتعمل بكفاءة، كما يستخدم في تبريد المفاعلات النووية في بعض الأحيان (لا سيما في حالات الطوارئ)، ويستخدم في تصنيع شاشات "ال.سي.دي".ولتبيان تأثير الهيليوم الكبير يكفي الإشارة إلى أن أبرز الشركات التي تتأثر بالفجوة الحالية بين العرض والطلب هي "أبل" و"نيفيديا" و"إنتل" و"إيه. إم. دي" و"تي. إس. أم. سي" التايوانية و"أي. بي. إم" وجميعها تحتاج الهيليوم لتشغيل بعض أنواع الشرائح الإلكترونية ولا بد من توافره للتوسع في إنتاج الرقائق الإلكترونية فائقة التطور.وتمتد استخدامات الهيليوم لتشمل المساعدة في الغطس الصناعي لأعماق كبيرة، واكتشاف التسربات في الأنابيب واللحامات (يفضل البعض استخدام غاز الأرجون إلا أن للهيليوم استخداماته في هذا الأمر) وغيرها من الاستخدامات ذات الطابع الصناعي.وللغاز -الذي يوصف بالنبيل لتنوع توظيفه- تطبيقات طبية، حيث يمكن استخدامه كعلاج مساعد في عدد من أمراض الجهاز التنفسي مثل تفاقم الربو، ومرض الانسداد الرئوي المزمن، ومتلازمة الضائقة التنفسية الحادة، والخناق، والتهاب القصيبات.كما ثبت مؤخرًا أن غاز الهليوم، الذي كان يُعتقد أنه خامل بيولوجيًا، مفيد في حماية عضلة القلب من نقص التروية.
تبدلات سوق الهيليومواللافت أن سوق الهيليوم شهد العديد من المتغيرات في الفترة الماضية، ففي عام 2010 كانت الولايات المتحدة في صدارة الدول المنتجة للهيليوم بـ80% من إجمالي الإنتاج العالمي، تليها الجزائر بـ14% وتتوزع النسبة الباقية الصغيرة على بقية دول العالم.وبحلول عام 2018 بلغت نسبة الإنتاج الأمريكي 56% من الإنتاج العالمي، وبلغت نسبة الجزائر 9% لحساب زيادة حصة منتجين آخرين في مقدمتهم قطر التي بلغت حصتها من الإنتاج العالمي 24%. ويتوقع أن تكون الحصة الأمريكية من الإنتاج العالمي هذا العام أقل من 40% لحساب زيادة حصة منتجين آخرين.وكذلك تغيرت معادلة استهلاك الهيليوم عالميا، ففي عام 2009 كانت الولايات المتحدة في صدارة المستهلكين بما نسبته 45% من الإنتاج العالمي وأوروبا بـ24% ومنطقة جنوب شرق أسيا والصين 18%، زادت نسبة الأخيرة إلى 47% من الاستهلاك وتقلصت الحصة الأمريكية والأوربية إلى 24% و20% على التوالي.وخلال العقد الأخير تراوح إنتاج الهيليوم بين 147-173 مليون متر مكعب سنويًا، في ظل تذبذب كبير للإنتاج للعديد من الأسباب لعل أهمها اتخاذه كعنصر ثانوي في إنتاج الغاز الطبيعي لدى بعض الشركات وعدم التركيز على إنتاجه بشكل مستمر.إلا أنه ومع عام 2019 بلغ حجم سوق الهيليوم 10.6 مليار دولار واستمر في الزيادة بنسبة 11% سنويًا بشكل ثابت لأول مرة، حتى يتوقع تخطيه لحاجز 16 مليار دولار عام 2024 وسط توقعات بزيادة نسبة نمو السوق خلال الأعوام المقبلة مع التوسع في استخدام الهيليوم والإدراك المتزايد لأهميته.وبشكل عام يشكل الهيليوم جزءا فقط من نشاط كافة الشركات المذكورة التي تعمل إما في استخراج الغازات الأرضية أو في الكيماويات أو كليهما.ومع ازدياد الحديث حول فجوة بين العرض والطلب في سوق الهيليوم (بزيادة الطلب عن العرض) بدأت شركات تظهر مثل "توتال هيليوم" الكندية التي تستثمر من أجل ابتكار وسائل لتخفيض تكلفة إنتاجه، والذي وصل سعره إلى 100 ضعف سعر الغاز الطبيعي في المتوسط خلال الأعوام الأخيرة بما يجعله فرصة استثمارية للعديد من الشركات الطامحة لسد الفجوة بين العرض والطلب.
https://www.argaam.com/ar/article/ar...medium=twitter
مواقع النشر (المفضلة)