أسلوب الاحتيال المعروف بطريقة "بونزي" لم ينته بعد ولا يزال يوقع بضحاياه بين الحين والآخر في كل مكان حول العالم، والسبب يعود في الأساس إلى طمع الضحايا وضعف الثقافة المالية لديهم من جهة، ومن جهة أخرى يعود إلى أسباب نفسية ونزعات إجرامية لدى من يمارس هذه الأساليب. ما المقصود بأسلوب "بونزي" للاحتيال وكيف يحمي الإنسان نفسه منه؟ هناك جهات خارجية تستهدف ضحايا في المملكة، اطلعت شخصيا على إحداها في الأسابيع الماضية وحاولت مساعدة الضحية على الخروج من المشكلة التي أوقع نفسه فيها.
كمثال على انتشار هذا الأسلوب وسهولة الوقوع فيه، تم هذا الأسبوع الحكم على ممثل أمريكي يدعى زكريا هورويتز بالسجن 20 عاما نتيجة تورطه باستثمار أموال مستثمرين في عمليات احتيال تمت بهذا الأسلوب التقليدي المعروف، حيث استطاع جمع نحو 650 مليون دولار من بعض المستثمرين المهتمين بأنشطة هوليوود والأفلام وبيع حقوق الملكية الفنية. مارس زكريا عمليات النصب هذه في 2014 إلى 2019 واستمرت محاكمته إلى مطلع هذا الأسبوع، وكان معظم الضحايا من أصدقائه وأقاربه ومن أولئك الذين صدقوا مزاعمه الكاذبة عن عقود كبيرة لديه مع شركات إنتاج وبث تلفزيوني كبرى مثل "نتفليكس" وHBO، حيث كان يزور مخاطبات ومراسلات يدعي أنها تمت بينه وبين هذه الجهات.
من المهم الإشارة إلى أن معظم حالات "بونزي"، بل ربما جميعها، لا تنطلق بهدف النصب من البداية، فهي في الغالب تبدأ كفكرة معقولة وحقيقية وحين تتدهور الأوضاع المالية يدخل مديرها في مرحلة المكابرة والغرور بالنفس، فيحاول إعادة الأوضاع إلى حالها ويأمل بمضاعفة الأرباح لتعويض الخسائر التي تلقاها. وحين تفشل جميع المحاولات، عندها تأخذ النزعة الإجرامية مكانها ويبدأ الشخص بالتفكير بأسلوب "بونزي".
قبل الحديث عن الحالة التي اطلعت عليها، التي من الواجب التنبيه لها والتحذير منها كونها منتشرة كالنار في الهشيم، نبدأ بتعريف طريقة بونزي التي يعود تاريخها إلى شخص إيطالي الجنسية مارس أنواعا كثيرة من سبل الاحتيال قبل نحو 100 عام، لكنه اكتشف فاعلية هذا الأسلوب حين أعلن للناس أن لديه طريقة تمكن من مضاعفة رأس المال خلال فترة قصيرة. كانت فكرته تعتمد على شراء كوبونات طوابع أجنبية بسعر معين، ومن ثم تبديل الكوبونات في أمريكا للحصول على طوابع أمريكية بسعر أقل، وبالفعل كان يقوم بمضاعفة رأس المال للمستثمرين القدامى باستخدام أموال المستثمرين الجدد.
أسلوب "بونزي" يعتمد على إقناع البعض بتحقيق العائد الموعود لعدد محدود من المستثمرين وذلك من باب الدعاية والإعلان، كون الناس تتناقل مثل هذه الأخبار فيزداد الطمع ويدخل مستثمرون جدد ويقوم المستثمرون القدامى برفع مبالغ استثماراتهم طمعا بمزيد من الأرباح، وهكذا. وعادة تنتهي اللعبة حين يزداد عدد المستثمرين الذين يودون التخارج، أو أحيانا يكون هناك أناس من الداخل يقومون بتبليغ السلطات عن شكوكهم بحقيقة الاستثمارات، فيتم القبض على الشخص.
هناك حالات كثيرة نسمع عنها بين الحين والآخر في المملكة، وذلك على الرغم من قوة النظام لدينا فيما يخص إدارة الأموال وممارسة الأعمال المالية دون الحصول على التراخيص اللازمة. المشكلة أن هذه الجهات لا تعمل في المملكة ولا يمكن الوصول إليها، ولذا في الغالب المشكلة تقع على عاتق الشخص الذي يجعل من نفسه فريسة سهلة لمثل هؤلاء المحتالين.
إحدى الحالات في الأسابيع الماضية التي اطلعت عليها كانت عن شركة تدعي أنها شركة مالية مرخصة من قبل هيئة السوق المالية وتدعو إلى الاستثمار بدعايات وإعلانات متميزة ومنتشرة في أماكن كثيرة على الإنترنت. جاذبية هذه الدعوات أن هناك بالفعل شركة مرخصة من الهيئة وموجود اسمها وبيانات الاتصال الخاص بها على موقع الهيئة. لذا فإن البعض يبدأ بالبحث عن مصداقية الشركة من خلال موقع هيئة السوق المالية، وحين يجد اسم الشركة على الموقع ويقارنه بعنوان الرابط يجد أنه نفسه إلى حد كبير. في هذه الحالة كان عنوان الرابط الحقيقي ينتهي بحرفي sa الذي يعني النطاق السعودي، أما ****وان المحتال فهو للاسم نفسه عدا أن حرفي sa يأتيان في مكان آخر في ****وان.
وجود اسم الشركة في موقع الهيئة لا يعني شيئا حقيقة لأنه مجرد إقرار بأن الشركة الفلانية مرخصة من الهيئة وأن هناك رابطا لموقع الشركة وأرقام هواتف للاتصال، وهذه النقطة البسيطة تغيب عن بال بعض الضحايا، حيث يقومون بالتوجه إلى الرابط المذكور على موقع الهيئة، وهو الموقع الفعلي للشركة الحقيقية، ولكن في الوقت نفسه موقع الشركة المضللة مطابق في الشكل والمضمون للموقع الحقيقي.
البعض يقوم بالاتصال على رقم هاتف الشركة المذكور على موقع الهيئة ويسأل هل أنت شركة كذا وكذا؟ فيأتي الجواب، إنهم بالفعل الشركة المذكورة، فتزداد قناعة الشخص بأنها بالفعل هي الشركة التي تواصلت معه. سألت الشخص الذي وقع ضحية لعملية النصب هذه لماذا لم تذهب إلى مقر عملهم والتخاطب معهم وجه لوجه؟ فكان رده أن الأعمال الآن أصبحت إلكترونية ولا حاجة إلى ذلك.
هذا الشخص لم يتواصل معي على أن الشركة مشبوهة أو أنه ربما وقع ضحية، بل كان فقط يسأل عن جدوى الاستثمار معهم وعن أسلوبهم في الاستثمار، وحين قمت بالاطلاع على معلومات الشركة استوقفني الخلل البسيط في اختلاف عنوان الرابط عن الرابط الحقيقي، ومن ثم تبين الأمر. وبالفعل قام هذا الشخص بالتوجه إلى مقر الشركة في الرياض، وعلى الفور أبلغوه بأن هناك كثيرين مثله ممن وقع في هذا اللبس، البعض يكتشف ذلك قبل تحويل المبلغ إليهم، والبعض يأتي في وقت لاحق.
خلاصة الموضوع، إن طرق الاحتيال متعددة وأساليب الإقناع متنوعة ومقنعة بشكل كبير، ولكن في نهاية الأمر هناك قواعد رئيسة لا بد لأي شخص لديه أموال للاستثمار أن يستوعبها جيدا، أولها وأهمها أن العائد الخرافي هو بالفعل خرافي. لذا فعندما تسمع أي شخص يزعم أن لديه وسيلة تحقق ربحا مضمونا بنسبة تتجاوز 1 في المائة فابتعد عنه، والخلل هنا يأتي في كلمة مضمون. والنقطة الأخرى أن على الإنسان السيطرة على مشاعر الطمع والخوف من فوات الفرص التي عادة هي التي تجعل الشخص يندفع ولا يبذل الجهد اللازم للتحقق من الفكرة والجهة التي خلفها.
مواقع النشر (المفضلة)