تقوم وزارة الاستثمار السعودية بتذليل العقبات الاستثمارية، وبمراجعة قوانين الاستثمار السعودية، بهدف جذب المستثمر الأجنبي للاستثمار في السعودية. ومن دون شك، إن جذب الاستثمار الأجنبي من المهام الشاقة جداً، فرأس المال متردد، لذلك قيل: «رأس المال جبان». وحقيقة الأمر أن رأس المال ليس جباناً؛ بل حذراً يبحث عن الأمن ويستثمر في الدول المستقرة سياسياً، ومن ثم يبحث عن الاستقرار التشريعي، وبعد ذلك يسعى لمعرفة ما له وما عليه من ضرائب ورسوم، ليمكنه تسعير سلعته أو خدمته.
ورأس المال لا يحب الأنظمة المتذبذبة والمتغيرة؛ خصوصاً التغيرات السريعة، كما يحب رأس المال ثبات أسعار الخدمات المقدمة، مثل الكهرباء والوقود وغيرهما. أعني باختصار: ثبات أسعار مدخلات الإنتاج المحلية، حتى لا يتعرض لخسارة.
ورأس المال لا يأتي لبلد من أجل سواد عينيه؛ بل يأتي من أجل الربح، والربح فقط. وأثناء بحثه عن الربح يفتح فرص توظيف للمواطنين، وقد يوطن المعرفة أياً كانت هذه المعرفة، سواء صناعية أم زراعية أم خدمية.
في الوقت ذاته، يبحث الاستثمار الأجنبي عن مقدمي خدمات وسيطة محليين، وعادة ما يكون مقدمو الخدمة مؤسسات صغيرة أو متوسطة. للأسف الشديد، الجهات الرقابية في السعودية تدمر هذه المؤسسات التي وطننا بحاجة ماسة إليها! ولا أعلم هل التدمير ممنهج أم أنه عشوائي؟ فالجهات الرقابية المتعددة تأتي لصاحب المؤسسة الصغيرة أو المتوسطة، وتشرع في قطع المخالفات له.
لستُ ضد التنظيم، ولكني ضد التعسف في صرف المخالفات غير المبررة، لعدة أسباب، أهمها أن هذه المؤسسات تدفع ضرائب بأشكال متعددة، من ضرائب على المشتريات، إلى ضرائب على السجل التجاري، إلى غير ذلك من الضرائب، وفشل هذه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يعني توقفها عن دفع الضريبة.
ثم إن الاستثمار الأجنبي الذي تسعى وزارة الاستثمار لجلبه للسعودية، يبحث عن مثل هذه المؤسسات التي تقدم له خدمة معينة، يعزف هو عن القيام بها لصغرها في نظره، وعدم وجود مثل هذه المؤسسات قد يجعل الاستثمار الأجنبي يتردد في القدوم للسعودية.
للأسف، هناك جهات رقابية تتعسف في إعطاء المخالفات وتتلذذ بصرفها! شاب لديه محل قهوة خالفوه بـ10 آلاف ريال (2666 دولار أميركي)، بسبب أنه لم يطبع عنوان المحل على الإيصال المسلم للزبون!
من منَّا يا سادة احتفظ بإيصال قيمة قهوة؟! أو مَن منا أعاد فنجان قهوة للبائع في اليوم التالي؟!
أتفهَّم إذا كان المحل محلاً للألبسة، أو أي سلعة يمكن إرجاعها، أن يطبع البائع عنوان محله على الإيصال، وقد كان حرياً بالمفتش أن ينذر صاحب محل القهوة ليكتب عنوان محله على الإيصال. ومن المعروف أن كتابة اسم المحل على الإيصال لا تحتاج إلا لدقائق قليلة لبرمجة الماكينة الحاسبة.
أيها المراقبون: «ابتعدوا عن التعسف في صرف المخالفات»، وانهجوا نهج القيادة السعودية التي أوكلت للجهة المشرفة على الضريبة الإعفاء الضريبي لكل مؤسسة لا يتجاوز إيرادها 3 ملايين ريال (800 ألف دولار أميركي). القيادة السعودية تسعى للحفاظ على هذه المؤسسات من خلال هذا الإعفاء الضريبي، والجهات الرقابية تتنافس في صرف المخالفات لزيادة إيرادها! هذه المعادلة المتعاكسة تحتاج تدخلاً من متخذ القرار، يفك رموز المعادلة، ويقول للجهات الرقابية على هذه المنشآت: ما هكذا تورد الإبل يا جهات. ودمتم.
مواقع النشر (المفضلة)