بدأت أزمة الغاز الطبيعي في أوروبا عندما ظهر أن مخزونات الغاز في القارة كانت تنخفض خلال فصل الخريف بشكل كبير. العالم كله رأى تداعيات هذا. الآن، مخزونات النفط الخام العالمية آخذة في الانخفاض أيضا. ففي وقت سابق من هذا الشهر، قال مورجان ستانلي: طبقا لحساباته تراجعت مخزونات النفط الخام العالمية التي يمكن التحقق منها بنحو 690 مليون برميل عام 2021 وهي الآن عند أدنى مستوى لها منذ أكثر من خمسة أعوام. وقال البنك الاستثماري: "لكن مع توقعات ارتفاع للطلب وتوقعات حذرة نسبيا بشأن العرض من (أوبك +) نتوقع أن تنخفض المخزونات في 2022".
بعد ذلك، في هذا الشهر أيضا، أبلغت وكالة الطاقة الدولية عن وجود فجوة بين حسابات المخزون العالمي وحالة المخزون الفعلية. وبحسب التقرير، انخفضت مخزونات النفط الخام العالمية بمقدار مائتي مليون برميل أكثر مما توقعته الوكالة. كان أحد أسباب عدم التطابق هو التقليل الكبير من توقعات الطلب على النفط الخام. سبب آخر، وفقا لتقرير "بلومبيرج"، هو حقيقة أن الوكالة تتعقب النفط عن طريق الأقمار الاصطناعية وتستبعد النفط الخام في خطوط الأنابيب والتخزين تحت الأرض. سبب آخر هو أن الوكالة تتعقب في الأغلب دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD وتتجاهل غير الأعضاء.
من جهة أخرى، خفضت اللجنة الفنية المشتركة لـ "أوبك +" JTC توقعاتها لفائض النفط لعام 2022. وتتوقع اللجنة الآن أن يصل الفائض الإجمالي عام 2022 إلى 1.3 مليون برميل يوميا، أي: أقل بقليل من توقعاتها السابقة البالغة 1.4 مليون برميل يوميا. ومع ذلك، أشارت اللجنة إلى أن عددا من المخاطر لا يزال يطغى على سوق النفط، بما في ذلك عدم اليقين الكبير المتعلق بالتأثير المحتمل لمتحور فيروس كورونا أوميكرون، الاختناقات المستمرة في سلسلة التوريد وسياسة البنوك المركزية لمواجهة التضخم. كما أشارت اللجنة الفنية المشتركة، إلى مخاطر أخرى على تعافي سوق النفط، منها التقلبات في أسواق السلع الأساسية، الضغوط على توسع طاقات الإنتاج للنفط من نقص الاستثمار، ارتفاع مستويات الديون السيادية في عديد من المناطق، والمخاطر الجيوسياسية.
إن ما يعنيه كل هذا هو أن معروض النفط العالمي أقل بكثير مما كان متوقعا، في وقت يكون فيه الطلب قويا، ولا يزال ينمو مع رفع قيود كورونا في عديد من الدول؛ ما يحفز مزيدا من الطلب. في الواقع، هناك توافق متزايد بأن سوق النفط لديها قليل من الخيارات لمواجهة الصدمات. يبدو بشكل متزايد كأنه تكرار لوضع الغاز في أوروبا في الأشهر القليلة الماضية. ربما ما يجعل وضع سوق النفط أسوأ من وضع الغاز في أوروبا هو أن هناك قليلا من الخيارات التي يمكن القيام بها لتغيير ميزان المخزونات حسب الطلب.
حيث أظهر عديد من التقارير أن مجموعة "أوبك +" تواجه مشكلة في زيادة إنتاج النفط إلى الحصص المقررة حسب الاتفاق، باستثناء عدد قليل من المنتجين، مثل المملكة والإمارات. تكافح المجموعة من تضاؤل الطاقة الإنتاجية الفائضة التي قد تؤدي، وفقا لتقديرات مورجان ستانلي، إلى انخفاض الطاقة الإنتاجية الاحتياطية العالمية من 6.5 مليون برميل يوميا في الوقت الحالي إلى مليوني برميل يوميا فقط بحلول منتصف العام.
وفى الوقت نفسه، رغم أن إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة قد يحقق نتائج أفضل مما كان عليه منذ أعوام بفضل الأسعار المرتفعة، إلا أن العودة إلى استراتيجية الدفع الكبير لرفع الإنتاج أمر غير مرجح الآن. حيث إن الشركات تفضل الانضباط الرأسمالي وزيادة توزيعاتها للمستثمرين وإعادة شراء أسهمها. خارج مجموعة "أوبك +" وشركات النفط الصخري في الولايات المتحدة، لا يوجد منتج واحد، حتى منتج كبير مثل البرازيل، يمكنه التعامل بمفرده مع مشكلة المخزون المحتملة. وفي غضون ذلك، تراجعت اكتشافات النفط الجديدة إلى أدنى مستوى لها منذ 20 عاما على الأقل.
في غضون ذلك، يبدو أن "أوبك +" غير متأثرة إلى حد كبير بتحديثات المخزونات العالمية، حيث قالت لجنتها الفنية المشتركة الأسبوع الماضي: إنها لا تزال تتوقع فائضا في معروض النفط لهذا العام، وقلصت توقعاتها قليلا، كما أسلفنا. حيث قررت المجموعة في وقت قياسي، الأربعاء الماضي، استمرارها في إضافة 400 ألف برميل يوميا إلى إنتاجها الشهري بدلا من تعزيز الإضافات وسط قلق الإمدادات المتزايد وارتفاع الأسعار. ومع ذلك، لم تتمكن "أوبك +" من تلبية هذه الحصة الجماعية لأشهر حتى الآن، وتنتج أقل بكثير من 400 ألف برميل الإضافية يوميا. قد تكون "أوبك +" تقلل شأن وضع إمدادات النفط الخام العالمية. أو يمكن أن يكون محللو البنوك الاستثمارية وغيرهم من المراقبين يبالغون في تقدير تأثير الانخفاض الأخير في مخزونات النفط العالمية وقوة الطلب.
مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن وكالة الطاقة الدولية اعترفت بأن الطلب على النفط الخام قد فاجأ الجميع بنمو أعلى من المتوقع خلال الربع الأخير من العام الماضي. لكن رغم أنها تتوقع الآن تباطؤا في نمو الطلب خلال الربع الحالي، إلا أنها قامت أيضا برفع توقعاتها للطلب لعام 2022 بالكامل بنحو 200 ألف برميل في اليوم. ربما يكون هذا هو الوقت المناسب لتبدأ الأسواق بالأمل في أن هناك كثيرا من المبالغة فيما يتعلق بقوة الطلب والتقليل من شأن العرض. خلاف ذلك، قد نرى أسعار النفط في منطقة من ثلاثة أرقام، في وقت غير مريح للغاية من ارتفاع التضخم في معظم أنحاء العالم، إلى جانب ارتفاع تكاليف الإقراض، حيث تقوم البنوك المركزية بتشديد السياسة النقدية. بالفعل، هذا ليس وقتا مناسبا لأسواق النفط لتكون فيه.
في الواقع، هناك شعور متزايد في السوق بأن الأسعار المرتفعة لن تختفي بين عشية وضحاها. في هذا الجانب رفع بنك كومرتس بنك Coerzbank الألماني توقعاته لسعر النفط للربع الأول إلى 90 دولارا للبرميل، مرتفعا من 80 دولارا في توقعاته السابقة.
مواقع النشر (المفضلة)