كثيرون وقعوا في عشق الأسهم وإدمان النظر إليها والتعلق بها والتعمق في تحليلها أساسيًا وفنيًا في حبٍ أعمى كثيرًا منهم عن النظر أو التفكير في الأصول الأخرى، فالذي يعشق امرأة شغفته حبًا لا يرى غيرها من بنات حواء وإن كنَّ أجمل منها، لأن (الحب أعمى) والمثل يقول:
(حبُّ الشيء يُعمي ويُصم) فلا يعود الغارق في الحب يسمع رأي الآخرين أو يرى ما يعجب عيونهم ويقنع عقولهم، ومن الأدلة على ما نقول إن عشاق الأسهم حتى النخاع لم يلتفتوا إلى العقار نهاية عام 2005 وأوائل عام 2006 قبل الانهيار العظيم لسوق الأسهم وقد كان العقار وقتها في الحضيض يُباع بأرخص الأثمان: الأراضي والفلل والقصور.. وحدهم الذين لم يستسلموا لحبٍّ واحد سارعوا، وقتها ، لبيع أسهمهم وشراء العقارات بكل ما يقدرون، فسلموا من انهيار الأسهم آنذاك، وغنموا طفرة العقار التي رآها مقبلة أصحاب الأبصار المتحررة من الانحصار في حب واحدٍ وحيد، أولئك أصحاب الأفق الواسع والتفكير الموضوعي والحساب الصحيح..
وسرّ تعلق كثيرين بأسواق الأسهم إلى حدّ العشق والاستغراق هو قِلة التجارب وضعف الخبرة والتمييز بين عوائد الأصول حاضرًا وعلى المدى الطويل، واعتياد المضاربات في سوق الأسهم وما فيه من سهولة وسرعة سيولة وأحيانًا أوهام تلبس، متنكرة، قناع الآمال..
وشدة عشق الأسهم صرفت كثيرين عن أنواع التجارة، وعن التعاون على إنشاء شركات خاصة في أوقات كانت مواتية، اغتنمها أصحاب الهمم البعيدة والصبر والقدرة على الأعمال الميدانية والمجالدة، بل والابتكار، بينما استسلم وقتها عشاق الأسهم لسهولة البقاء فيها (ولا أقول العمل فيها) وقد أصاب بعضهم ذلك بالاقتصار على هدف الربح السهل السريع الذي تغري به أسواق الأسهم إغراء المعشوقة الجميلة التي تُجيد الاقتراب من عاشقها ولا تمنحه الوصال فيظل يركض وراءها طامعًا فيها وربما اكتشف، بعد فوات الأوان، أنه كان يطارد السراب..
الذين نوعوا الاستثمارات والأصول وخاضوا غمار الأعمال كانوا - ولا يزالون - أكثر إدراكًا لتباشير المستقبل وأقل تعرضا للمخاطر، وأقوى تمييزًا وخبرة بواقع الأمور ومآلاتها..
والذين عملوا وجدُّوا، ابتكروا وتعبوا وصبروا، وأنشؤوا شركات صغيرة في البداية وأسقوها من عرقهم وعملهم، استطاع كثير منهم تكبير شركاتهم، وجعلها أكثر ربحًا وقوة، وربما طرحوا جزءاً منها للاكتتاب فربحوا منه آلاف ما يربحه المضاربون في عشرات السنين..
أسواق الأسهم قسم مهم من الاستثمار، ولكنها لا تغني عن العمل الجاد، ولا تعمي عن أهمية الأنواع الأخرى من الأصول..
مواقع النشر (المفضلة)